شعار قسم مدونات

جدلية المدرسة بالمغرب.. هل اللغة الدارجة صالحة للتدريس؟

blogs تعليم

في بداية هذا الموسم الدراسي أثير الكثير من الجدل حول المدرسة، وقد انصب هذه المرة حول لغة التدريس إثر إدخال بعض الكلمات العامية في بعض المقررات الدراسية، وهو ما قسم الرأي العام بين من يعتبر ذلك أمرا عاديا ذلك باعتبار أن الكلمات التي تم إدراجها في المقررات هي من معين المجتمع المغربي وتعبير عن الثقافة المغربية، وهي لا تمس في شيء بقيمة اللغة العربية التي هي لغة التدريس الرسمية، وبالإضافة إلى ذلك فإن إدخال بعض الكلمات لم يشمل لغة التدريس ولكن تم إيراده بشكل جزئي كأمثلة للاستئناس، وهو ما أكده بلاغ وزارة التربية.

ومن جهة أخرى هناك طرف آخر يرى أن اللغة الدارجة صالحة للتدريس، بل وجب تعميمها على كافة المواد، والحسم مع سياسة التعريب التي كانت وبالا على الأجيال لأنها – في نظر هؤلاء – لغة محنطة لا تتطور ولا تساير العصر. إن مثل هذا الجدل الذي أثير حول الدخول المدرسي لهذه السنة، ليس بالجديد لأن تاريخه رافق كل فترات التعليم العصري في المغرب، منذ دخول فرنسا سنة 1912، مرورا بالاستقلال ومرحلة الصراع بين أقطاب الحركة الوطنية. انتهاء بصراع اليسار والقصر. ولفهم هذه المشكلة لا يجب فصلها عن سياقها أي الدولة من جهة والمجتمع من جهة أخرى. لأن سؤال ماذا ندرس؟ لا يمكن فصله عن سؤال من نحن؟ وأي إنسان نريد؟ 

لذلك فالمشكل بنيوي، ولفهمه لا بد من تفكيكه وهو ما سنحاول القيام به في هذه الورقة. فمن جهة هناك مجتمع حامل لثقافة، وهو ليس ثابتا بل تعتريه تحولات عميقة ومتتالية، ومن جهة أخرى هناك دولة هي الوصية على هذا القطاع والراعية له وهي بدورها ذات طبيعة معينة وذات أسس محددة. أما المدرسة هي الفضاء الذي يتم فيه تصريف سياسة الدولة التعليمية، وكذا ثقافة المجتمع. وقد لاحظنا أن الجدل يشتد كلما تعلق الأمر بأمرين أساسين هما: لغة التدريس من جهة، والقيم التي تتضمنها المناهج والمقررات، وسبب ذلك راجع إلى أن هذه الأمور تمس ثقافة المجتمع ونظرته لنفسه، أما الدولة فهي رغم برامجها الإصلاحية في غالبها ذات طابع تقني أكثر مما هو قيمي، والسبب في ذلك راجع إلى أنها تتوخى النجاعة وتهمها النتائج أكثر من أي شيء آخر، ولكن في نهاية المطاف رغم كل مخططات الإصلاح فإن الفشل كان هو النتيجة النهائية.

سنظل نجتر نفس الجدل العقيم. فيما الدول المتقدمة التي حسمت اختياراتها الحضارية، تحقق الفتوحات العلمية والتقنية، وتساهم في تقدم الإنسانية!

ونحن اليوم نتحدث عن الإصلاح، لكن الذي يجب المطالبة به هو التغيير الجذري، لأن البنيات المتهالكة لا يمكن إصلاحها في كل مرة، وكل هذه التناقضات مرتبطة بالأزمة البنيوية العامة التي تتخبط فيها مجتمعات شمال إفريقيا والشرق الأوسط، رغم وجود بعض الاختلافات فيما بينها، وهذه الأزمة الحضارية والثقافية مردها الى التأخر التاريخي المزمن، فهذه المجتمعات توجد في مرحلة وسطى بين التقليد والحداثة، فهي تعيش حاضرا متقدما فرضه التطور التاريخي يتسم بالتنافس الشديد وبالتطور المتسارع على كافة المستويات، لكن ثقافة المجتمع هي في غالبها ضاربة بجذورها في الماضي بكل تناقضاته، لذلك فكل تغيير لا يحسم مع هذه التناقضات الذهنية، لا يمكن أن يغير من شيء. وستظل الدولة رغم برامجها تحصي فشلها، ما دامت لا تؤسس نفسها على مشروعية حديثة، بل هي في الغالب توظف الأساليب القديمة في الحكم والتدبير.

وما يجعل من المدرسة مثار كل هذا الجدل، هو أن مدخلاتها ومخرجاتها أكثر وضوحا، من باقي القطاعات الأخرى، فالطالب الذي يدخلها ويتخرج منها تظهر عليه آثارها، وهو ما جعل الكثيرين يتذمرون من الوضع الكارثي للمدارس لأنها لا تفرخ إلا أفواجا من العاطلين ناقصي تكوين وتربية، لا يستوعبهم سوق الشغل، ويشكلون قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة. كما أن التفاوت الحاصل في المجتمع، ينعكس فيها لأن الفئات المحظوظة ترسل أبنائها إلى البعثات الأجنبية وتتلقى تعليما جيدا فيما الطبقات السائدة من المجتمع تتزاحم في حجرات المدارس الحكومية وتعاني البطالة وقلة التكوين بعد التخرج.

إن كل تغيير في نظري لا ينطلق من الجواب عن سؤال: من نحن؟ وأي إنسان نريد؟ لا يمكن إلا أن ينتج مزيدا من الفشل الذريع. وسنظل نجتر نفس الجدل العقيم. فيما الدول المتقدمة التي حسمت اختياراتها الحضارية، تحقق الفتوحات العلمية والتقنية، وتساهم في تقدم الإنسانية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.