شعار قسم مدونات

هل نحاول جعل الأشخاص مثلنا؟!

BLOGS تشابه

نحن بطبيعتنا كبشر لدينا نفس تسيطر عليها مزاجيات ومشاعر فهي تهوى، تحب، تكره، تمل.. ولدينا عقل يستودع فيه أفكار، قناعات، توجهات ووجهات نظر لمختلف جوانب الحياة.. هذه الأفكار إما بنيناها بأنفسنا نتيجة تجاربنا وتحليلاتنا واستنتاجاتنا لها؛ وإما استقيناها من آبائنا ومجتمعنا والبيئات المختلفة التي نحتك بها فتغلغلت هذه الأفكار والقناعات في أعماقنا وأصبحت تشكل ردات فعلنا لما يحدث حولنا، أي أصبحت تشكل هويتنا وشخصيتنا.

 

فكل واحد منا يشعر بشيء من التميز عن الغير.. شيء اسمه الذات.. أحيانا نحاول إبراز هذه الذات بطرق عديدة كمواهب شخصية أو كفاءات تميزنا وفي ميادين عديدة.. لكن ما نلاحظه هو أننا في الغالب نحاول إبراز ذاتنا في حواراتنا اليومية المختلفة التي نخوضها، في الحافلة، في الجامعة، في مكان العمل، في جلسة مع أصدقاء في الحي.. حوارات تناقش مختلف المواضيع من فكر وسياسة إلى الدين وكرة القدم إلى طريقة العيش وأسلوب الحياة.. فعندما تبدأ هذه المواضيع في الاحتدام ويبدأ ظهور اختلاف وجهات النظر تبدأ معها بروز بعض النرجسيات والتعنت من بعض الأشخاص أثناء الحوارات فأي شيء خارج من قوقعة تفكيره يعتبره خاطئا وغير مقنع لأنه غريب عن الطريقة التي يفكر بها حتى وإن بينت خطأه أو ناقشته بأدلة وحجج ومنطق سليم يبدأ بالشعور بأن حاجزه المعرفي قد بدأ يتصدع ويشعر بخطر على ذاته فيبدأ بالتحجج بحجج غير سليمة ومغالطات منطقية كشخصنة رأيك أو التحجج بالآبائية.

 

فمثلا أثناء حديثك مع أحدهم عن شخص أو موضوع ما يقول لك بأن أبي قال كذا وكذا إذن أبي على صواب.. نعم الأب شخص يخطئ ويصيب لكنه ليس معيار الحقيقة المطلقة فلو كان كذلك لكان أباء الكفار أولى بالحق حينما جاء الأنبياء لدعوتهم إلى الحقيقة إلا أن ذلك الاحتكام إلى الآبائية جعلت أبصارهم تعمى عن رؤية النور.. كما أنه أحيانا يتمادى في الأمر ويتهجم عليك ويتخاصم معك ويصل الأمر إلى افتعال الأقاويل والافتراءات عنك أو ينصرف عنك قائلا عنك بأنك جاهلا لأعلم لك.. فهو يعلم وأنت لا تعلم، حتى وإن كان لا يعلم فرأيك ليس بصواب خاصة إذا كان لديه معك مشكل شخصي فمهما تكلمت وبينت وجهة نظرك فدائما أنت على ضلال.

 

من يراقب أمور حياتنا يرى بأنه هناك دائما شخص أو أفراد أو مجتمعا يحاول بطريقة ما أن يسيطر ويسير أفعالك وقيمك ومبادئك وأفكارك حتى يجعلك شبيها له تشاركه أفعاله وذنوبه وأفكاره

ردات الفعل هذه التي نشاهدها يوميا متغلغلة في مجتمعاتنا تغلغلا عميقا في عقولنا وأحاديثنا اليومية.. أحيانا يتأمل الواحد منا نفسه ومجتمعه فيرى كأننا أصناما لا نفقه شيئا بل وننكر جهلنا ونشعر بضعف ذاتنا لعدم معرفتنا لأمور يعرفها الآخر أفضل منا فنتعصب لأراءنا، لأعلى أسس منطقية وإنما نتعصب إليها لأنها مجرد آراء نابعة من أنفسنا فقط ولأن كبرياء ذاتنا يجب أن يظل أعلى من الآخر..

 

ردات الفعل هذه أشعر كأنها وبطريقة ما نحاول من خلالها جعل الأشخاص مثلنا، نسخ طبق الأصل، يشبهونا في طريقة تفكيرنا ونظرتنا لمختلف جوانب الحياة، ويشبهونا حتى في جهلنا وضلالنا فإن شاركتهم الآراء والتوجهات استبشروا خيرا بك وإن خالفتهم وأظهرت لهم الحقيقية التي يحاولون الهرب منها فزعوا منك واعتبروا رأيك كمن لا رأي له.. هذه الظاهرة تتمدد وتتسع لتشمل عمل وحياة مجتمع بأكمله فإن انتقدت أو خالفت عادة أو تقليد لا يمت للدين بصلة فتعود مغالطة التحجج بالأجداد للبروز مجددا. وإن رأت فتاة أن تلبس حجابا ليس فيه شيئا من الموضة تبدأ ظهور الاستهجانيات والتعالي عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لأن كلهم يتبعون الموضة إلا هي فطرازها قديم لا تعرف كيف تبرز أنوثتها، والشاب إن لم تكن له حبيبة أو صديقة أو لم يخض تجربة التدخين وأشياء أخرى اعتبرت رجولته ناقصة وأنه لا يعرف كيف يعيش حياته ويستمتع بها.

 

إن كان لديك هذا الذوق الموسيقي فأنت لا تعرف الموسيقى، إن لم تشاهد هذا الفيلم فأنت لم تشاهد شيئا في حياتك، إن لم تسمع قصة تلك الفتاة التي تصنع الحدث في مواقع التواصل فأنت لست على قيد الحياة، إن لم يكن لديك إنستجرام فأنت تضيع الكثير، إن لم تفعل شيئا خاطئا كان أم صوابا فعله الكثير من الناس وهو يعبر في الغالب عن قالب نمط حياة مستورد أبهر أقرانك بسطحيته وإن حاولت الهرب من هذا القالب فأنت تعتبر كشخص غريب عنهم يستغربون اختلافك عنهم ويحاولون جذبك إليهم.

 

من يراقب أمور حياتنا يرى بأنه هناك دائما شخص أو أفراد أو مجتمعا يحاول بطريقة ما أن يسيطر ويسير أفعالك وقيمك ومبادئك وأفكارك حتى يجعلك شبيها له تشاركه أفعاله وذنوبه وأفكاره لكي يشعر بأنه ليس وحده يخوض في الأمر فعندما يرى أن الأغلبية كلها تخوض فيه لا يتملكه شيء من تأنيب الضمير فأين يأتي التأنيب والضمير غارق وغائب عن الحقيقة.. فالمشكلة ليست في محاولة الإنسان قولبتك وجعلك مثله، المشكلة فيمن يفعل ذلك؟! فإن كان شخص يحاول النصح وتوجيهك للطريق المستقيم وإلى ما يرضي الله، ويحاول إيضاح ما خفي عنك من حقائق ومعلومات وأوصلك إلى معرفة ذاتك الحقيقية، وأعطى لك مفهوما حقيقيا لمعنى الحياة وما هو الأسلوب السليم لعيشها بطريقة تلائم دينك ومبادئك التي تربيت عليها فاللهم كثر من أمثاله، وإن كان ممن يحاول قولبتك عكس ذلك لتلائم شخصيته وهواه فاللهم ألا نكون نحن أشخاص مثلهم ونحن غافلون عن ذلك، وإن كنا كذلك فاللهم إنا نسألك العفو والهداية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.