شعار قسم مدونات

مفكرون كبار.. من الإلحاد إلى الإيمان!

blogs تفكير

كم هي متعددة طرق الوصول إلى الله تعالى ومختلفة باختلاف شخصيات السالكين إليه أنماطهم الفكرية، لكن ما يوحد هذه الطرق هو الصدق والموضوعية واليقين في البحث عن الحقيقة وتقبلها بعيداً عن الأهواء المذهبية والمآرب الشخصية، نوضح من خلال عرضنا هذا رحلات فكرية مختلفة لأربع مفكرين عظام تركوا بصماتهم في عقول الناس.

1- رحلة سير أنتوني فلو:

اخترنا أن نبدأ معه رحلاتنا الإيمانية لذيع صيته في مجالات الفكر والفلسفة والإلحاد والتدين، يعد كأكبر ملحد في النصف الثاني من القرن العشرين، في التاسع من ديسمبر عام 2004 فوجئ العالم بخبر إيمان سير أنتوني فلو، بوجود إله بدافع من الشواهد العلمية، علقت مجلة تايمز الأمريكية عن هذا الخبر بقولها: (على رأس أعظم الاكتشافات العلمية في القرن العشرين يأتي اكتشاف أن هناك إله)، فبفضل التقدم العلمي الهائل في النصف الثاني من القرن الماضي تبين لفلو أن الكون والحياة بما فيها من تعقيد مذهل ودقة في الخلق لا يمكن إرجاعهما للصدفة والعشوائية. لابد أن يكون خالقهما إله حكيم قادر، فالطبيعة تسير وفقاً لقوانين ثابتة مترابطة وهذا يتطلب الإقرار بواضع هذه القوانين. كما أن نشأة الحياة بما فيها من دقة وذكاء وغاية تعجز العشوائية والصدفة العمياء عن تفسيرها، وتنبه فلو أيضاً إلى أن الكون وما يحتويه من قوانين وموجودات يهيئ الظروف المثلى لظهور الإنسان ومعيشته، وهذا ما يعرف بالمبدأ البشري، وهنا نطرح عقيدة فلو في الإيمان التي مات عليها: لقد صرت أؤمن بإله واحد أحد، واجب الوجود، غير مادي، لا يطرأ عليه تغيير، مطلق القدرة، مطلق العلم، كامل الخير.

2- رحلة جيفري لانج:
والإمام خلف النافدة التي يتسلل منها النور يرتدي عباءة بيضاء! صرخت في نفسي: إنه الحلم! إنه الحلم ذاته.. تساءلت: هل انا الآن في حلم حقا؟! فأفاضت عيناي بالدموع، السلام عليكم ورحمة الله، انقضت الصلاة..

من الإيمان بدوافع علمية إلى الإيمان القلبي، هنا نطرح الرحلة الشيقة لجيفري لانج أستاذ الرياضيات في جامعة أمريكية، والتي تبدأ برؤيا رآها لأكثر من عشر مرات في عشرة أعوام، فيقول: (كنت في غرفة صغيرة ليس فيها أثاث، تغطي أرضها سجادة ألوانها الأساسية الأحمر والأبيض. كانت جدرانها العارية رمادية بيضاء. كانت هنا نافدة صغيرة مواجهة لنا أشبه بنوافذ القبو، تملأ الغرفة بالنور الساطع. كنا مجموعة من الرجال جالسين على أقدامنا في صفوف مواجهين النافذة، وكنت أنا في الصف الثالث. كنت أشعر بالغربة فلم أعرف واحداً منهم، ربما كنت في بلد آخر. وكنا نقف ثم ننحني على نحو منتظم حتى تقابل وجوهنا الأرض، وسرعان ما كنا نعود للجلوس على أقدامنا. كان الجو هادئاً وساكناً لا تسمع فيه همساً. وعندما نظرت إلى الأمام أدركت أن شخصاً يؤمنا، وكان بعيداً عني إلى جهة اليسار، كان يقف بمفرده في الوسط تحت النافذة تماماً، وكنت بالكاد ألمح ظهره، وكان يرتدي عباءة بيضاء طويلة ويضع على رأسه لفة بيضاء موشاه برسم أحمر. وفي تلك الأثناء كنت أستيقظ من نومي مرتاحا).

يصف جيفري لانج طريقة دخوله الإسلام قائلا: (توثقت علاقتي في جامعة سان فرانسيسكو بطالب عربي كنت أدرسه، فأهداني نسخة مترجمة عن القرآن، فلما قرأته لأول مرة شعرت كأن القرآن هو الذي يقرأني. وفي أحد الأيام عزمت على زيارة هذا الطالب في مسجد الجامعة. هبطت الدرج ووقفت أمام الباب متهيئاً الدخول، ثم صعدت وأخذت نفساً عميقاً، ثم هبطت ثانية، لم تكن رجلاي قادرتين على حملي! مددت يدي إلى مقبض الباب فأخذت ترتجف، ثم هرعت إلى أعلى الدرج ثانية، شعرت بالهزيمة، وفكرت بالعودة إلى مكتبي. مرت عدة ثوان وكانت هائلة ومليئة بالمشاعر المتناقضة التي اضطرتني أن أنظر إلى السماء! أما الآن فقد انهارت المقاومة وارتفع الدعاء: اللهم إن كنت تريد لي دخول المسجد فامنحني القوة، نزلت الدرج ودفعت الباب، وكان في الداخل شابان يتحاوران، ردا التحية، وسألني أحدهما: هل تريد أن تعرف شيئاً عن الإسلام؟ أجبت نعم نعم.. وبعد حوار طويل أبديت رغبتي في دخول الإسلام فرددت الشهادة مع أحدهما.

ويعلق جيفري لانج عن هذه اللحظة قائلاً: كانت هذه الكلمات كقطرات الماء الصافية التي تنحدر في الحلق المحترق لرجل قارب الماء من شدة العطش. ويضيف: بعد يومين حضرت أول صلاة جمعة، كنا في الركعة الثانية، والإمام يتلو القرآن، ونحن خلفه مصطفون، الكتف بالكتف، كنا نتحرك كالجسد الواحد، كنت أنا في الصف الثالث، وجباهنا ملامسة للسجادة الحمراء، وكان الجو هادئاً والسكون مخيماً على المكان! والإمام خلف النافدة التي يتسلل منها النور يرتدي عباءة بيضاء! صرخت في نفسي: إنه الحلم! إنه الحلم ذاته.. تساءلت: هل انا الآن في حلم حقا؟! فأفاضت عيناي بالدموع، السلام عليكم ورحمة الله، انقضت الصلاة، ورحت أتأمل الجدران الرمادية! تملكني الخوف والرهبة، عندما شعرت لأول مرة بالحب الذي لا ينال إلا بأن نعود إلى الله عز وجل.

3- رحلة مصطفى محمود رحمه الله:

يعد هذا المفكر صاحب أشهر رحلة إيمانية في العالم العربي، يحكي لنا كيفية اختياره الإلحاد، ففي سن المراهقة بدأ يتساءل ويتساءل أقرانه عمن خلق الله إذا كان الله هو من أوجدنا؟ دفعه إلى مثل هذه الأسئلة إعجابه بعقله وبموهبة الكلام لديه وقدرته على مقارعة الحجج التي انفرد بها، لقد رفض آن ذاك عبادة الله لأنه انفرد بعبادة نفسه، لقد احتاج رجوعه عن الإلحاد ثلاثين سنة من الغرق في الكتب والسهر آلاف الليالي للخلوة والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر مرات ومرات، ويعلق عن نفسه قائلا: لو أني أصغيت إلى صوت الفطرة وتركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي من عناء الجدل ولقادتني الفطرة إلى الله.

تبين للدكتور مصطفى محمود بواسطة العلم صورة عن الكون بالغة الإحكام والانضباط، وأن الكون كله مبني وفق هندسة وقوانين دقيقة، وهنا بدأ الإله يفرض عليه نفسه، وبدأ ينقشع عنه الضباب، وبدأ يلاحظ أن العلم بذاته غارق في الغيبيات، فلماذا يقبل هذه الصفة في العلم ويرفضها في قضايا العقيدة والألوهية. فقانون الجاذبية مثلاً لا نعرف كنهه، يصف لنا ذلك مكتشف الجاذبية سير إسحاق نيوتن: إنه لأمر غير مفهوم أن نجد مادة لا حياة فيها ولا إحساس تؤثر على مادة أخرى وتجذبها، نحن نؤمن بهذه الأشياء بناءً على آثارها رغم أننا لم نرى منها شيئا، فكيف نرفض الإيمان بالإله هذا الكون الهائل آثار لوجوده، هكذا قدم العلم الفكرة الإسلامية الكاملة عن الله.

كانت هذه رحلات ثلاثة عقول كبيرة، وطرقاتهم المتعددة للوصول إلى الحقيقة، فما أعظم العقل الفلسفي المنصف حين يتأمل معطيات العلم الحديث بعمق، فينطبق عليه قوله تعالى: "سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ". وهناك رحلة هامة للفيلسوف المصري عبد الوهاب المسيري رحمه الله والتي يعرضها د. عمرو شريف في أحد كتبه لتميزها وتفردها، ولما فيها من عبر قد نذكرها لاحقاً، فالسطور القليلة لا تتسع لعرضها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.