شعار قسم مدونات

دول لا تُسقطها السينما.. ومؤسسات لا تهدمها حرية التعبير

blogs كيفين سبايسي

طوال خمسة مواسم من المتعة الخالصة، استمر عرض مسلسل "House of cards"، للممثل الأميركي العبقري "كيڤين سباسي". جسّد سباسي في المسلسل شخصية "فرانك أندروود" السياسي المتلاعب بالجميع، فمن خلال مركزه كعضو للكونجرس، ظهر كرجل يحركه طموحه السياسي للوصول إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة، بكل وسيلة ممكنة، ولا يتورع عن القتل في سبيل ذلك.

 

لم يكتف صناع العمل الممتع بتعرية نموذج لسياسي أفاق، بل وصلوا إلى تعرية السياسية الأمريكية بشكل عام، بتشريح عميق للمجتمع أفقياً وعرضياً، بشكل مبهر، فشاهدنا كيف يتلاعب " فرانك أندروود"-بطل المسلسل- بالإعلاميين والنقابيين وزملائه من أعضاء الكونجرس سواء من حزبه أو من الحزب المنافس، ورجال الأعمال والوزراء، بل وبرئيس الولايات المتحدة نفسه، وكيف يعمل في مناخ مليء بالفساد، وكيف يوظف كل الأدوات لصالحه، حتى يصل إلى كرسي الرئاسة، وكيف أن ما يثير مخاوفه هو وزوجته خارقة الذكاء المتجردة من أي عواطف سوى الرغبة في النجاح (الشخصي) شيء واحد فقط "حرية الصحافة"..

 

فالرجل الذي وصل إلى كرسي الرئاسة، بالتلاعب بالجميع لا يخشى شيئاً، ولا يخاف من أحد إلا الصحافة والصحافيين، وهي الأزمة التي تجعل هذا الشخص المعتز بقدراته يقضي أصعب أوقاته في البحث عن مخرج أمام صحفي شريف، يبحث وراء ثغراته، وهنا تظهر أهمية حرية التعبير التي يكرهها كل المستبدين على مر العصور، في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

 

مسلسل
مسلسل "house of cards" (مواقع التواصل)

تنتج هوليوود عشرات الأفلام والمسلسلات على شاكلة "House of cards"، ولا نسمع أصواتا تنعق بكلمات على شاكلة "الخوف على الدولة من السقوط". في الحقيقة الدولة لا تسقط عند الحديث عن الفساد والمفسدين، ولا تسقط عند الحديث عن أخطاء السلطة، وكوارث الحكام. في فيلم آخر "American Gangster" من بطولة النجمين "دينزل واشنطون" و"راسل كرو" يتحدث عن تاجر مخدرات يستخدم طائرات الجيش في عملياته المتكررة لتهريب المخدرات من جنوب شرق آسيا أثناء الحرب على فيتنام، ووراء تاجر المخدرات (دينزل واشنطون) هناك جنرالات متعاونون وضباط يقومون بالعمليات القذرة، يتم في نهاية الأحداث الإيقاع بالمتورطين ومحاكمة الجميع.

 

بالطبع لم يسقط الجيش الأمريكي بعد الفيلم الذي أنتج في العام ٢٠٠٧، ولم تنطلق التشنجات على صُناع الفيلم تكيل لهم الاتهامات بالتآمر على إسقاط مؤسسات الدولة، في حين أن الفيلم يتحدث مباشرة عن فساد يصل إلى حد تجارة ضباط من الجيش والشرطة في المخدرات. وبالطبع وجود ضابط أو أكثر يمارس الفساد مستغلاً أدواته التي كفلتها له وظيفته، لا يعني أن المؤسسة بالكامل فاسدة أو مجرمة ويجب التخلص منها، فلا وجود لمثل هذا الهراء في العالم المتقدم.

 

نأتي إلى فيلم آخر كنموذج، "bridge of spies" للمبدع دائماً "توم هانكس" حيث يقوم بدور محام يقوم بالدفاع عن جاسوس سوفييتي، وهنا القضية تبدو صعبة جداً، حيث تدور القصة في ذروة الحرب الباردة، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الرهيب.

 

في الدولة يتقيد ويجب أن يتقيد مسؤولوها بالدستور والقانون، تحت أي ظرف وفي أي مناسبة، وإذا ما انتُهكت القوانين، وداست الأحذية على الدستور، سقطت الدولة وتحول رجال الدولة إلى أفراد عصابة

يتم الإيقاع بالجاسوس من قبل الأجهزة الأمنية وتسليمه للقضاء تمهيداً لمحاكمته، وكما هو القانون -ولأنها دولة قانون- يتم انتداب محام له وزنه، حتى يكون المتهم قد أخذ حقوقه القانونية كاملة، يتعرض المحامي لحملة كراهية عنيفة، هو في النهاية وفي نظر العوام في نفس الجانب مع أعدى أعداء الأمة، ومصدر التهديد الرئيس لها، مشهدان فارقان بشدة جداً؛ أولاهما لقاء بين المحامي وبين أحد الضباط.

 

يتحدث الضابط عن جريمة التجسس وخطورة الجاسوس، وعن ضرورة معاقبته، فيرد المحامي بإخراج الدستور محتدا عليه، وكيف أن المتهم حتى اللحظة غير مدان، وبالتالي لا مجال للمعاقبة قبل المحاسبة والإدانة، وأنه بصفته محامي المتهم، فإنه لا يقبل على ضميره أي تجاوز للقانون من خلال محاولة الضابط التأثير عليه قبل جلسة المحاكمة، لينتهي المشهد بتلقين الضابط درساً قاسياً على يد المحامي في احترام دستور الدولة.

 

المشهد الثاني، مشهد المحاكمة، حيث يقف جيمس ب.دونافان (المحامي) أمام القاضي في مرافعة، يُذكّر الجميع فيها أن القيمة الأهم للدولة المتحضرة، هي قيمة احترام القانون، ومناخ الحريات، واحترام حقوق الإنسان، وأن بسقوط تلك القيم، فلا ميزة للدولة الديمقراطية على الديكتاتوريات التي تقوم على جثث مواطنيها، وهنا تكمن الرسالة الأهم.

 

نعم ما يفرق بين الدولة الديمقراطية والديكتاتورية، احترام الدستور والقانون، وإعلاء قيمة الإنسان قبل كل شيء، ولا مجال للتهاون في قيم تفرق بين الدولة ورجالاتها، وبين العصابة الإجرامية وأعضائها. في الدولة يتقيد ويجب أن يتقيد مسؤولوها بالدستور والقانون، تحت أي ظرف وفي أي مناسبة، وإذا ما انتُهكت القوانين، وداست الأحذية على الدستور، سقطت الدولة وتحول رجال الدولة إلى أفراد عصابة بزي رسمي، لا فارق بينهم وبين أسرة "دون كورليوني" في أسطورة هوليوود "The Godfather".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.