شعار قسم مدونات

ماذا أرى في غزة؟

Blogs- gaza city
أرى عيوناً احتلها البؤس وقلوباً سكنها الحزن ونفوساً كسرتها الحاجة والعوز وشباباً أصبحوا كهولاً وأطفالاً أصبحوا رجالاً قبل الأوان. أرى في غزة أباً يقف عاجزاً أمام أطفاله الجوعى، بثيابهم البالية التي لا تقيهم حر الصيف أو برد الشتاء، وزوجته الحزينة الكسيرة، التي سكن البؤس عينيها فلا يفارقهما أبداً، لا يدري ماذا يفعل لهم؟ وكيف يوفر لهم أبسط متطلبات الحياة؟ وهو الذي يخرج من الصباح ولا يعود إلا في المساء لا يحمل إلا القليل القليل من قوت عائلته، بعد أن هدّ جسَده التعبُ بسبب عمله الشاق الذي لا يحصل منه إلا على الأجر القليل، فلك الله يا أيها الأب العاجز الحزين.
 
أرى في غزة شاباً كان يصل الليل بالنهار من أجل إنهائه دراسته لإعالة عائلته الفقيرة التي رأت فيه أملها في الخروج من الفقر والعوز، فقطعت له من لحومها وجلودهما من أجل أن يكمل تعليمه، ولكنْ ماذا وجد بعد تخرجه؟ وجد البطالة في انتظاره، كباقي شباب غزة، الذين لا يجدون أدنى فرصة للعمل، وإن وُجدت فهي لأصحاب الواسطة والمحسوبية.
 
كانت لدى الشاب أحلام كثيرة وآمال عريضة، مثله مثل باقي أقرانه من الشباب؛ فما وجد غير العجز والفقر. وبدل أن يعيل عائلته الفقيرة، أصبح هو عالة عليهم.. ما شعور هذا الشاب وإحساسه عندما يرى ما وصلت إليه حاله؟ كيف ينظر إلى الغد والمستقبل بعد أن فقد كل أحلامه وطموحاته أمام الوضع البائس والاقتصاد المنهار؟!
  
أرى في غزة طفلاً بريئاً لم ير من طفولته إلا البؤس والشقاء والعمل الشاق ليل نهار، فالشارع هو بيته ومأواه، يحمل ما تيسر من علب الشكولاتة والكيك، يدور بها في شوارع غزة من أجل بيعها للناس لعله يسد بها حاجة عائلته الفقيرة التي لا تجد لها معيلا. وبدل أن يذهب إلى المدرسة ويلعب مع أقرانه الأطفال، يجد نفسه مرغماً على العمل في سنه الصغيرة؛ ليرى كل أنواع الشقاء والتعب الذي لا يتحمله جسده الصغير، فيسقط صريعاً للنوم على أرصفة الشوارع، لا يحميه شيء من حر الصيف أو برد الشتاء.
  

مل الناس في قطاع غزة من الخطب الحماسية والكلمات الرنانة بلا أي خطوات فعلية وحقيقة على الأرض لتغيير الواقع الذي يعيشون فيه
مل الناس في قطاع غزة من الخطب الحماسية والكلمات الرنانة بلا أي خطوات فعلية وحقيقة على الأرض لتغيير الواقع الذي يعيشون فيه
 
أرى امرأة مات زوجها وترك لها أطفالاً صغارا، ينتظرون كل لقمة ليسدوا بها جوعهم، وكل قطعة ثياب ليسكوا بها أجسادهم العارية، وهي تقف عاجزةً لا تستطيع أن تقدم لهم أي شيء من ذلك، ولا أحد يمد لها يد العون. فأصبحت تحمل سلتها وتضع فيها ما تيسر من الخضروات من أجل أن تنفق على بيتها وأطفالها، فلا تستطيع أن تحصل إلا على القليل من احتياجات أطفالها الصغار، الذين لا يدرون لماذا ليسوا مثل أقرانهم الأطفال؟
 
ماذا ترى في غزة إلا كل أشكال العذاب والبؤس والفقر والعوز، ثم يخرج عليك الساسة والقادة الذين يتمرغون في النعيم ليحثوا الناس على الصبر والصمود، ويطلبوا من هؤلاء البؤساء أن يضحّوا من أجل الوطن، في الوقت الذي يقومون فيه ببيع هذا الوطن وقبض ثمنه ليعيشوا -هم وعائلاتهم- في رغد العيش ويتركوا أهالي هذا القطاع البائس في الجحيم الذي لا يطاق، يركضون من الصباح إلى المساء من أجل الحصول على قمة عيشهم ليطعموا أطفالهم الجوعى، هذا إذا وجدوا أي عمل يستطيعون العيش من خلاله وتوفير أبسط حقوق الإنسان.
 
لقد ملّ الناس في قطاع غزة من الخطب الحماسية والكلمات الرنانة بلا أي خطوات فعلية وحقيقة على الأرض لتغيير الواقع الذي يعيشون فيه. يريد الناس أن تفتح المعابر وأن يتحسن الإقتصاد المنهار وأن يصبحوا قادرين على توفير أبسط الإحتياجات المطلوبة منهم تجاه عائلاتهم. لقد أصبح همّ الناس اليوم في القطاع البائس هو توفير لقمة العيش، فلا يعينهم أي شيء أخر، مهما كان هذا الشيء عزيزاً وغالياً، وهذا أخطر ما يهدد القضية الفلسطينية.. أن همّ يصبح أبناؤها الأول لقمة العيش وليس تحرير هذا الوطن. فتباً وتعساً للقادة والساسة الذين أوصلوا الناس إلى هذه الحال من البؤس والشقاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.