شعار قسم مدونات

على أبواب الفناء

Blogs- syria
هل فكر أحدنا يوماً في أننا على أعتاب الفناء وأننا في طريقنا إلى أن نصبح ذكرى وأثراً من آثار التاريخ، عندما نقرأ ما وصلنا من معلومات وأخبار -وليست كلها يقينية- عن أمم وحضارات سادت ثم بادت ولم يبق لها ولا منها سوى أطلال وألغاز وأسرار، المجهول منها أكثر كثيراً من المعلوم؟
 
لقد أبهرت الحضارة الفرعونية، وغيرها من الحضارات كاليونانية والإغريقية والبابلية،العالم قديماً وحديثاً… وانتهت بسقوط روما العظمى في 467 م. والحضارة في أحد تعريفاتها هي "نظام اجتماعي يعين الانسان على زيادة انتاجه الثقافي، وتبدأ حين ينتهي الاضطراب والخوف، فتتحرر نفسية الإنسان".
 
فهل استطعنا، بعد ما يزيد عن ألف وخمسمائة وخمسين عاما من ميلاد المسيح، أن ننهي الاضطراب والخوف في نفوس الناس؟ هل تشعر أنت أيها القاريء العزيز أبنك حر، حر في التفكير وحرُ في التعبير؟ هل زال من نفسك الاضطراب؟ هل تشعر بالأمان في بيتك وفي وطنك وفي عالمك؟ ألا يدعونا التفكر -ولو قليلاً- في التاريخ إلى أن نتخذ مما سبق عبرةً وعظة؟ إلى أين يقادُ العالم الآن؟ ماذا قدمت هذه الحضارة الجديدة للدنيا غير أمراضِ فتاكة مصنوعة صنعاً وحروبِ على جميع الأصعدة مُخطط لها بعناية وبإدراك؟ وهل ذلك التطور التقني المتسارع نحو اختراع أسلحة دقيقة وفتاكة ورخيصة الثمن للتخلص من "الأعداء" هي السبيل لأمان البشرية؟ من هو العدو ومن الصديق؟ من يحدد ذلك ومن يمنع العدوان والظلم عن الضعفاء؟
 
في باكورة العام الجديد 2018 أشباحُ ثورات جديدة في أرض فارس و في أرض فلسطين، غليان في منطقة الشرق الأوسط وأصابع قريبة جداً من الزر النووي في شبه الجزيرة الكورية، وأجواء حصار واستنزاف لمنطقة الخليج العربي، نيران تحت الرماد في البلقان وبوادر انشقاقات وتصدعات في الجسد الأوروبي، مذابح وتطهير عرقي لأقليات بدوافع عقَدية ودينية على مرأى ومسمع من العالم، غطرسة القوي ويأس الضعيف وإيجاد حاضنة للكراهية بين البشر.. ليستمر مسلسل القتل والإرهاب، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول.
 

 وصل الحال بكثير من بني الإنسان، باختلاف عقائدهم، إلى أن يتمنوا الموت وهم يائسون من حياة لا تحترم آدميتهم ومن مستقبلٍ يحمل في طياته ألماً بدلا من الأمل!
 وصل الحال بكثير من بني الإنسان، باختلاف عقائدهم، إلى أن يتمنوا الموت وهم يائسون من حياة لا تحترم آدميتهم ومن مستقبلٍ يحمل في طياته ألماً بدلا من الأمل!
 

كل هذا وغيره يؤذن بقرب النهاية الحتمية التي تظهر جلية في الأفق، وهي أن هذه الحقبة من التاريخ ستؤول في نهاية المطاف إلى سابقاتها من الحقب الحضارية الأخرى التي اندثرت وطمست معالمَها طبقات الأرض. لن تبقى القوى النووية، ولن يبقى التطور العمراني ولن تبقى المخترعات الحديثة.. كل هذا سيأكله التراب أو سيبتلعه البحر في أقل من ثوان إذا ما جاء الموعد الحتمي الذي نسير إليه راضين وبخطىً حثيثة نحو الهلاك.

 
هي ليست نظرة تشاؤمية، بل هي استقراء لمشهد مكرر ما بين كل حقبة زمنية وأختها، طالت أو قصرت. ما زلنا حتى الآن لم نصل إلى حدود ما وصلت إليه بعض الحضارات الغابرة من العلم والتقدم في بعض مناحي الحياة، وما زلنا عاجزين عن اكتشاف ما وصلت إليه وكيف وصلت إليه. فهل نحن في مأمن من سنن التاريخ وتدافع الأزمان؟ ألم يصل الحال بكثير من بني الإنسان، باختلاف عقائدهم، إلى أن يتمنوا الموت وهم يائسون من حياة لا تحترم آدميتهم، ومن مستقبلٍ يحمل في طياته ألماً بدلا من الأمل؟
 
من سيبكي على هذه الأمم إن هلكت اليوم أو بعد وقت طال أم قصر؟ ما الحل إذن؟ وهل إلى نجاة من سبيل؟ أظن أن الحل الوحيد الذي يمكن أن ينقذنا من هذا الهلاك وأن يبعدنا عن مصير الفناء هو "العدل والعقل"؛ العدل، ذلك الميزان الغائب بين الناس وبين الأمم. العدل الذي يجعلنا نتساوى في البشرية. أن نعدل في الخصومة، ونعدل في المعاملة، ونعدل في الحقوق ونعدل في الواجبات. والعقل، الذي يجعلنا ننظر في ما أهلك السابقين قبلنا وأن نعقل سبب الوجود، وإلى أين المصير. ربما وقتذاك نشعر بالأمن وبالحرية وبالاطمئنان على أنفسنا وعلى مستقبلنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.