شعار قسم مدونات

الوطن.. بيت الطير والبشر

Blogs- free
البيت والوطن هما أهم شيء في حياة الإنسان، فهذان المصطلحان هما في الحقيقة يمثلان شيئا مهما بالنسبة لنا، لا يمكن لأي شيء أن يحل مكانهما، هما مرادفان للأمان والطمأنينة والانتماء، جميل هو الشعور بالانتماء إلى مكان ما، والأجمل منه أن تعود إلى البيت بعد يوم شاق ومتعب، حيث يمكنك الاسترخاء وخلع الأقنعة التي اضطررت لارتدائها خلال يوم كامل.
  
البيت ليس مهما للإنسان فقط، بل حتى الحيوانات هي في رحلة دائمة للبحث عن بيت وموطن تشعر فيه بالأمان والسكينة والطمأنينة، تحتمي فيه من التقلبات المناخية أو من شر الحيوانات الأخرى أو من شر الإنسان، الطيور كذلك أول مهندس للأرض، هي في صراع دائم للبحث عن مكان آمن تضع فيه بيضها إلى أن يفقس، الأعشاش الآمنة هذه تحتاج إلى موقع جيد وجار جيد وجو مناسب أيضا، كل هذه المواصفات تأخذها الطيور كما نحن البشر وباقي المخلوقات التي تسير أو تزحف على الأرض أو تحلق عاليا بعين الاعتبار.
  
إن تأملت حياة الطير وكيف يعيش، لن تتوقف أبدا عن التعجب في ما أبدع الله وما خلق، هي حياة محفوفة بالمخاطر، الطيور في العالم يبلغ عدد أنواعها أكثر من 10 آلاف نوع، ولكل نوع منها طريقة خاصة في بناء العش، فيمكن للعش أن يكون على غصن شجرة أو بجوفها، يمكن أن يكون فراشه حرير من ريش الطير نفسه، كما يمكن أن يكون ورق شجر، يمكن أن يكون شكل العش بسيطا كما يمكن لأعشاش أخرى أن تكون أكثر تعقيدا، لكن الهدف واحد وهو خلق أو توفير الأمان لعائلتها الصغيرة وفراخها التي تحتاج للكثير من الوقت حتى تتعلم الاعتماد على أنفسها وتصير بدورها طيورا مسؤولة عن فراخ أخرى، وتختلف طريقتهم في البناء كما تختلف مواد البناء نفسها، فتكون قشا أو أغصان شجر أو مواد أخرى موجودة على سطح الأرض أو في أعماق البحر كالطحالب مثلا أو الطين، هي مهارات غريزية وليست مكتسبة، قد تزداد هذه المهارة مع ازدياد خبرة الطير في الحياة.
  
عندما تتأمل الطير من بعيد قد يبدو لك مجرد كائن صغير لا يقوم بشيء سوى التحليق أو التغريد، لكنك إذا أمعنت النظر وراقبت حياته وكيف تسير سوف تجد أن هذا الكائن هو كائن عامل ونشيط وله قدرة خيالية على الرغم من صغر حجمه أحيانا، كما أنه هناك أنواع منها تمارس نشاطها بالليل وهناك من تمارس نشاطها خلال النهار.
  

الوطن بيت يسكننا و إن كنا لا نسكنه، وإن تخلى عنا ورمانا إلى العراء فإننا إليه نَحِنّ، ونظل نحلم بيوم العودة إليه
الوطن بيت يسكننا و إن كنا لا نسكنه، وإن تخلى عنا ورمانا إلى العراء فإننا إليه نَحِنّ، ونظل نحلم بيوم العودة إليه
 

الغريزة هي التي تتحكم بهذا الكائن، على الرغم من أن اختياره لمكان مسكنه لا يكون عشوائيا، بل يختار الوقت والمكان المناسب والجار كذلك، يجب أن يكون هذا الجار لطيفا أو كائنا آخرا بإمكانه أن يوفر له الحماية من الكائنات التي تعتبره فريسة ومن شأنها أن تهدد أمن وسلام الأسرة الصغيرة، و إن دعت الضرورة فإن هذه الكائنات اللطيفة تتحول إلى شرسة دفاعا عن عشها وما يحتويه.

 
إلى جانب هذا، فإن الطيور تنهج نظام تقاسم المهمات، فهناك بعض الطيور التي توكل مهمة البحث عن مكان للأنثى، وهناك بعض الطيور التي تضع على عاتق الذكر مهمة البحث والبناء لتتكفل الأنثى الأم بالاحتضان وتوفير الحماية، فيما يتكفل الذكر الأب بتوفير الطعام لتضعه الأم في أفواه الفراخ.
 
الفكرة هنا، أن الموطن والبيت هما ركيزتان أساسيتان للحياة، فالطير وإن هاجر فإنه يعود إلى بيته الذي قد يبقى صامدا في وجه الظروف المناخية وبطش الإنسان، أو قد يتحول إلى كومة قش، لكن هذه الطيور لابد وأن تعود لأعشاشها حالما تدعو الحاجة لذلك. البيت مأوى نلجأ إليه للاحتماء من البرد والخوف بحثا عن الدفء والسلام، نبنيه بروح المحبة. البيت نقطة انطلاق ووجهة بالآن معا، هو جزء منا، ننطلق منه لنعود إليه، البيت وطن، كما قال ابن الرومي عندما رفض بيع بيته وراح يشكو إلى والي بغداد:
  
وَلِي وَطـَـنٌ آلَيْتُ أَلاَّ أَبِيعَـهُ
وَ أَلاَّ أَرَى غَيْرِي لَهُ الدَّهْرَ مَالِكا
عَهِدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً
كنِعْمَةِ قومٍ أصبحـوا في ظِلالكا
فقد ألِفـَـتْهُ النفسُ حتَّى كأنه
لها جسدٌ إنْ بانَ غودِرْتُ هالكا
  
الوطن بيت، يسكننا وإن كنا لا نسكنه، وإن تخلى عنا ورمانا إلى العراء فإننا إليه نحن، ونظل نحلم بيوم العودة إليه، والمجد كل المجد للطير السوري الشريد الذي تخلى عنه الوطن ورماه لمكان آخر لا ينتمي إليه، والمجد وكل المجد لأصحاب الأرض التي بيعت وما زالوا بقبضة الباب متشبثين، المجد لأصحاب الوطن، المجد لكل هؤلاء، ولتأخذوا الحكمة من فعل الطير الذي يصر على التعمير وإن كانت كل الظروف السيئة متراصة أمامه وضده .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.