شعار قسم مدونات

انتخابات السيسي.. مسرحية بدون كومبارس

blogs السيسي

يصر السيسي ومن حوله على أن تكون مصر مثالا للسخرية والتندر حول العالم، فبعد أن فسدت طبخة الانتخابات بعد إرغام شفيق على التراجع وسجن قنصوة واختطاف عنان وانسحاب خالد علي، راحت الأجهزة ودلاديلها في الإعلام تبحث عن مرشح ينهزم أمام السيسي وإطلاق حملة تحت شعار "مرشح لله يا محسنين" حتى تم التربيط مع الأستاذ موسى مصطفى موسى أحد داعمي ومؤيدي السيسي القادم تحت شعار "أنا مرشح أه إنما مش ضد السيسي".

 

السيسي لا يريد انتخابات من أساسه، هذا هو لب الموضوع، هو يريد خلافة على منهاج البشير وموغابي وساء أولئك مثالا، خلافة مدى الحياة أو حتى أخر رمق في حياة مصر مقابل أي شيء وكل شيء، مقابل التخلي عن أرض مصر للكفيل السعودي، أو أرض فلسطين للحليف الصهيوني، أو أرزاق وأقوات المصريين للأخ الأكبر "البنك الدولي"، أو ميزانية البلد لتجار السلاح في مشارق الأرض ومغاربها تحت شعار "الفدع مقابل الدعم". وأشد ما في ذلك من كارثة أنه يجد الدعم والتأييد من مؤسسات الوطن التي كنا نحسب أن لديها ولو مثقال ذرة من خوف على الوطن أو إحساس بالكارثة، ولكن لأجل الرز يطاع البلح.

 

عند إعلان الفريق سامي عنان ترشحه للرئاسة لم أكن متحمسا لشخصه ولا لمشروعه فلقد كنت حسمت خياري بدعم خالد علي مرشحا وبرنامجا ومشروعا لبناء وطن أؤمن وأطالب به منذ دخولي معترك السياسة، ولكن كنت أرى أن دخول عنان للحلبة فرصة عظيمة لتحييد ولو جزئي لأجهزة الدولة، وأن منصبه ونفوذه داخل قلب الدولة الصلب وعلاقاته الخارجية؛ ستضمن جزءا معقولا من النزاهة يمكننا النفاذ من خلاله وطرح رؤيتنا وإقناع الناس بحلمنا الكبير الذي يتسع للجميع، فيُخرج المظلومين من غياهب السجون، وينتشل الملايين من وحل الفقر المهين والغلاء القاتل.

 

كان الجميع يتوقع أن يتم استبعاد الفريق سامي عنان لأي سبب تافه أو حتى الضغط عليه للانسحاب مثلما حدث مع سلفه شفيق، ولكن أراد السيسي أن يقول بملء فيه
كان الجميع يتوقع أن يتم استبعاد الفريق سامي عنان لأي سبب تافه أو حتى الضغط عليه للانسحاب مثلما حدث مع سلفه شفيق، ولكن أراد السيسي أن يقول بملء فيه "القمع للجميع" ومهما بلغت رتبتك
 

أو اذا ما حال بيننا وبين ذلك أية عراقيل من قضايا ملفقة لمرشحنا أو غيره، فلا مانع من دعم عنان نفسه ليس اقتناعا به ولا انهاء لخصومتنا معه كعضو بالمجلس العسكري الذي ارتكب من المذابح والجرائم الكثير، ولكن كإشعار ببداية النهاية لدولة الحكم العسكري المباشر وكبداية لصعود المنحنى الذي غرق بالكامل في وحل الشتاء العسكري القارس، حيث إن عنان بصفته جنرالا سابقا؛ كان يمكن أن يعبر عن جناح مختلف داخل النظام -يمكن اعتباره اصلاحيا- نسلك من خلاله ما سلكه الذين من قبلنا في تشيلي وغيرها.

 

ولكن أبى السيسي ومن حوله إلا أن يكمل طريق الخراب الأعظم، ويستمر في إبهارنا بالسوابق التي لا مثيل لها في تاريخ مصر، فقام بتلفيق تهمة لرئيس أركان القوات المسلحة وخطفه وإخفائه قسريا، ثم إيداعه السجن الحربي كما لوكان مدنيا، لم يكن يتخيل أشد المتشائمين أن ينتهي السيناريو على هذا الوضع، كان الجميع يتوقع أن يتم استبعاد الفريق لأي سبب تافه أو حتى الضغط عليه للانسحاب مثلما حدث مع سلفه شفيق، ولكن أراد السيسي أن يقول بملء فيه "القمع للجميع"، ومهما بلغت رتبتك ومكانتك فأنت لست آمنا ولا بعيدا عن الاعتقال والاختفاء القسري، بل والاغتيال والتصفية الجسدية مثلما حدث بعد ذلك للمستشار هشام جنينة الذي كان مرشحا لمنصب نائب للفريق عنان، وإغلاق أي ثقب للأمل يمكن أن يسلكه الحالمون.

 

وبعد كل هذا الهزل المقرف والمحزن؛يبقى السؤال الأهم، ما فائدة الصناديق إذا لم توجد انتخابات بالأساس؟، لماذا يكلف الجنرال نفسه بإجراءات واستعراضات هي أبعد ما يكون عن الديمقراطية؟، لماذا يكلف ميزانية الدولة حوالي 1200 مليون جنيه لفتح صناديق وإغلاقها بجانب عشرات الملايين الأخرى لبعض الغلابة من الناخبين لتجميل المشهد بعد الملايين التي دُفعت لجمع توكيلاته المغمسة بالذل والإهانة؟ لماذا لا توفر كل تلك الملايين يا سيادة الجنرال من أجل بعض المؤتمرات التي تعشقها وتمارس خلالها هوايتك المفضلة بالإمساك بالميكروفون ومخاطبة جموع المصفقين والمهللين بحكمتك ونباهتك التي فرجت علينا الأمم وأصبحت مادة خام لبرامج الكوميديا حول العالم؟، أو شراء المزيد من الطائرات الفاخرة لجنابك وباقي العائلة للتباهي بها في المؤتمرات واللقاءات؟، أو شراء برامج للتجسس على المواطنين والناشطين؟، ولا أقولك.. أعمل بيها ترعة جديدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.