شعار قسم مدونات

العروبة.. كيف نبرر العنصرية ضد أقليات العالم العربي؟

blogs - man
ماذا يجمع العرب عن غيرهم من الشعوب؟ وماذا تعني الصهيونية؟ الأسئلة الأولى التي تلقيتها في أول درس لي في منهاج التربية القومية "البَعثية" قبل سبع سنوات عندما ما كنت لا أزال أعيش في العاصمة السورية. الأسئلة التي التصقت أجوبتها في رأسي تمام الالتصاق لذكرى أبي الذي خاف أن يختفي وعروبته إذا ما أخبرني أن الذي شاهدتهُ صباحا في ذاك اليوم كان المظاهرة الأولى لطلب الحرية في شوارع دمشق القديمة.

  

"إن ما يجمع العرب هو اللغة، المصالح والأحلام المشتركة كما الثقافة والتاريخ المشتركان أيضا، ممثلون بجامعة الدول العربية"، هذا كان الجواب الذي حفرته في رأسي ولم يتغير طول السنوات اللاحقة لكي أمتلك العشرين علامة من عشرين. منذ بداية وعيي وأنا أتساءل ما إذا كان في شدة الضرورة أن تنطبق عليّ الصفات التي حفرتها برأسي لكي أكون عربيا، أو هل هذه الصفات تحقق العروبة أصلا أم أن العروبة ترتكز على أساسيات أخرى، أو هل من المهم أن أكون عربيا أصلا لكي أعيش مرتاح البال في المنطقة العربية؟

  

البارحة، بعد مشاهدتي لآخر حلقة لبرنامج "شباب توك"، اكتشفتُ أن هذه الأسئلة لم تسأل فقط من قبلي، وإنما من مختلف شباب المنطقة العربية. إذا ما كانت الصفات المذكورة في أعلى النص هي التي تصنفني كعربي، فهذا يعني أن صديقتي السويدية عربية أيضا، إذ إنها تتكلم العربية (الفصحى أيضا، إلى جانب لهجة مخلوطة من كل أصقاع الشام). ج. غ. تحلم بتحرير فلسطين ونهاية الاحتلال والاستعمار المباشر وغير المباشر لمختلف الدول العربية (آخذين بعين الاعتبار أن أحلام العرب المشتركة هي أحلام المقاومة والممانعة ويأتي معها مصالح تحقيق هذه الأحلام كالاستقلال وغيره)، أما بالنسبة للثقافة، فهي مُلِمّة بالثقافة العربية بشكل واسع جدا إثر عيشها في العاصمة بيروت منذ تسع سنوات، وهذا ما يجعلها ممارسة لها بشكل أو بآخر. فهل ستعتبرونها عربية؟ لا أعتقد ذلك، لأنكم ستقولون لي إنها سويدية ولا يمكن أن تكون عربية.

  

كُن من تكُن أو من تريد أن تكون يا صديقي، ولا تفتخر بشيء لم تصنعهُ أنتَ لنفسك. لا تسحب نفسكَ مع القطيع ولا ترجُم نفسكَ إثرَ خراب أنت تشهده
كُن من تكُن أو من تريد أن تكون يا صديقي، ولا تفتخر بشيء لم تصنعهُ أنتَ لنفسك. لا تسحب نفسكَ مع القطيع ولا ترجُم نفسكَ إثرَ خراب أنت تشهده
  

حسنا، سآتي معكم إلى آخر الخط، لكن، منذ متى لدى العرب جميعا ثقافة واحدة وحيدة؟ أليست طريقة عيش السوريين غير اللبنانيين واللبنانيين غير الخليجيين والخليجيين غير سكان المغرب العربي وو.. إلخ؟ حتى إذا كنا نتكلم عن المبادئ، فإن المبادئ مختلفة كل الاختلاف من شعب إلى آخر، أو بالأحرى من شخص إلى آخر داخل أي مجتمع يسكنهُ بَشر.

  

أما التاريخ، فأنا شخصيا لا أعتبرهُ مشتركا، بل أخصصهُ وفقا للشعوب والمناطق التي شهدت على الأحداث التي أثّرت في تطوير الحياة، إن كان إيجابيا أو سلبيا. فالاحتلال الإسرائيلي لم يؤثر إلا على الفلسطينيين وبعض الشعوب المجاورة، بينما بضعهم الآخر أصبحَ رمزا للتطبيع مع الدولة الإسرائيلية، هذا مثال عن التاريخ المعاصر "المشترك" الذي أنا كوائل شاهد عليه. أو مثلا التاريخ الذي يكتب الآن في كل لحظة في البلدان العربية، هل الألم الذي يشربهُ كل شعب بالقطارةِ يوميا يوجع الآخر؟ صدقوني لا. وهل تفرح كل الشعوب العربية إثر انتصار شعب منهم؟ أيضا لا. إن الشعوب ليست واحدة، لا يمكن أبدا أن تعتبرها هكذا حتى وإن كانت الأغلبية موحّدة.

   

إني لا أرى في أيامنا هذه إلا أن العروبة حاليا موجودة لهدف واحد؛ ألا وهو إقصاء الأقليات التي تسكن الأرض نفسها التي نسكنها؛ كالكرد والأرمن والأمازيغ والسريان وغيرهم من الأقليات التي بعضها كان يسكن هذه الأرض قبل غيرهم، أو لتبرير عمليات إجرامية في حق شعوب أخرى تحت غطاء "الفزعة والأخوّة" كما في اليمن وحربها. العروبة موجودة لكي تكون دليلا زائفا على أننا أفضل منهم وأحق بالأرض منهم. لن أتكلم عن تاريخ العنصرية ضد الأقليات في "الوطن العربي"، لأننا نشاهدهُ ونسمعهُ في كل خبر عاجل لونه أحمر. الأفضلُ يا صاحبي مَن يعملُ جاهدا ليغير الواقع المرير الذي يعيش فيه أو يعيش آخرون فيه، بغض النظر عن لغتهم الأم أو لهجتهم أو ثقافتهم أو لون بشرتهم.

  

إن الحروب والصراعات التي رافقتنا منذ أكثر من مئة سنة أهلكتنا وأثرت علينا سلبا على كل الأصعدة؛ سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وجغرافيا أيضا. فإن كانت العروبة هي العامل الأول لكي تفضل نفسك عن غيرك من الناس متفاخرا بشيء لم تصنعهُ بل أعطيته، فأبارك لك بحروب داخلية قادمة لن تنتهي ولن تكون نتيجتها سوى الخراب فوق الخراب، وكل ما تسميه بحلم مشترك سيضيع ضياع القطيع بعد موت الراعي في الوادي.

  

إن طلب الأقليات التي تسكن الأرض معنا عدم تسميتها عربية حق مشروع لهم، وإن أرادوا أن يكونوا عربا فهذا خيارهم هم، ولا حق لأي شخص أو حكومة بأن تقصيهم. وأنت لك الحق بأن تعتبر نفسك ما شئت عربيا أو غير عربي، بدون سمات محددة أو إرادة ولا أحلام مخططة. كُن من تكُن أو من تريد أن تكون يا صديقي، ولا تفتخر بشيء لم تصنعهُ أنتَ لنفسك. لا تسحب نفسكَ مع القطيع ولا ترجُم نفسكَ إثرَ خراب أنت تشهده، اعمَل على تصليحه ولا تنتظر "إخوتك" لكي يساعدوك، لا تقصي جاركَ إذا ما أراد أن يكون جزءا في عملية التصليح لأنه أوذيَ كما أوذيتَ وربما أكثر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.