شعار قسم مدونات

صباحات القاهرة الدامية

blogs إعدام الشباب

يبيت الإنسان المصري أو من يحذو حذوه في متابعة أخبار القاهرة الحزينة وهو يرى مطالبات بإيقاف إعدام مجموعة جديدة من الأشخاص بعد أن صدر حكمٌ عسكري ضدهم بالإعدام شنقًا بعد رفض النقض المقدم للمحكمة.

 

يُصبح المصريون على خبر إعدام أربعة  شبان في قضية واحدة وشخص آخر مجهول في قضية أخرى (لا يُعرف إن كانت سياسية أم جنائية) وحتى بعد أن عُرف اسم الشاب الخامس وقضيته الجنائية، ظلت جثته في المشرحة لا تجد من يدفنها. لكن القاسم المشترك بين جثثهم جميعًا التي وصلت أن المشرحة لا تأبه إن كانت قُتلت في قضية سياسية أم جنائية، فهؤلاء لم يتخطوا كونهم أرقامًا في كشوف عنابر إعدام الدولة. لك أن تتخيل أن الدولة، حكومة وشعبًا، باتت ليلتها وهي تعرف أن أرواحًا ستزهق بلا إجراءات تقاضٍ سليمة، بل وبعد ظهور أدلة جديدة تغير مسار القضية، رفضتها المحكمة العسكرية، وأصرت على حكم قتلهم.

 

في صباحات القاهرة الدامية وحكاياها الحزينة تجد ضمن من قتلوا بالإعدام شابًا تزوج قبل القبض عليه بستة أشهر، وصدر الحكم ضده بالإعدام، وأنجبت زوجته طفلتها الأولى التي لم يرها أبوها في مهدها

ناشد المناشدون إنقاذهم طوال ليلتهم الطويلة، إلا أنهم لم يمهلونا حتى لنروي قصص ظلمهم، أو نطالب بمحاكمة أعدل لهم، وكان قرار القتل بالإعدام المسيَّس أسبق من الجميع، لتصبح القاهرة صباحًا جديدًا من صباحاتها الدامية. لا يمكن تخيل حال أفراد أسرهم وهم يبيتون ليلتهم يعرفون أن ثمة قرارًا بإعدام أحبابهم دون حتى السماح لهم بتوديعهم، ليصبح حكمًا بالإعدام على الأشخاص، وحكمًا آخر بالعذاب لأهلهم. ففي القاهرة كُتب العذاب على كل شيء، حياة وموتًا. فهي البلدة التي يقتل نظامها باسم القانون في قضايا سياسية تفتقر إلى أبسط قواعد التقاضي العادل، 19 متهمًا في أسبوع واحد، بينما تُصفي قواتها الأمنية 12 آخرين بدون قانونهم الأعرج.

 

ومن نافلة القول التذكير بأنه لم تعد هناك حاجة إلى سرد أدلة البراءة أو دليل "عوار" المحاكمات العسكرية للمدنيين، فهناك قرار متخذ بالانتقام والتشفي عبر سعار القتل، الذي تتشارك فيه أجهزة الدولة المختلفة باسم "القانون". وربما تظن هذه الدولة، بأجهزتها، أنها بقتل 31 شخصًا بطرق مختلفة خلال عشرة أيام، ستواري سوأتها أمام الانفلات الأمني الحقيقي الذي تعاني منه قاهرتها الحزينة، التي أطل فيها مسلح يجول في شوارعها لم يتصد له سوى المارة.

 

كما تجد في صباحات القاهرة الدامية وحكاياها الحزينة ضمن من قُتلوا بالإعدام شابًا تزوج قبل القبض عليه بستة أشهر، وصدر الحكم ضده بالإعدام، وأنجبت زوجته طفلتها الأولى التي لم يرها أبوها في مهدها. والآن، بعد إعدامه، لن تراه هذه المسكينة أبدًا، لأن قاضيا عسكريا رفض أن يستند في محاكمة أبيها إلى أي معايير عدلية، واكتفى بمعاييره الانتقامية. أيُّ قسوة هذه! وفي المقابل، أي عجز هذا!

 

إصرار غريب على تراكم المظالم والثأرات بين جنبات هذه البلدة الدامية، التي تنزف يوميا من نظامها تارة ومن متطرفيها تارة أخرى، ولكنّ لعنتها الأكبر أنها ابتُليت بسلطوية تستثمر في المظالم و"الإرهاب"، لتكون على موعد كل صباح مع دماء جديدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.