شعار قسم مدونات

أخلاقيات العمل الإنساني

Blogs- work
المبادئ والأخلاقيات في حياتنا كالملح في الطعام، بل هي أهم، ففقدان الملح قد يفسد الطبخة لكن يمكن تعويضها بأي شكل آخر، أو أنها قد تؤكل وتُستساغ تحت ضغط الجوع مثلاً، لكن فقدان المبادئ والأخلاق من الحياة سيُفسدها. ولا يمكن أن تُستساغ وسيظل الضمير مُتعَباً أرِقاً من غير شك.
 
ولا جدال حول أهمية توافر المبادئ والأخلاقيات في كل شيء نقوم به في حياتنا، بلا استثناء، حتى لو كانت حالة الحرب، فكلاهما يجب أن يكونا حاكمين في أي عمل، لأنهما تشكّلان عنصراً فارقاً في كَونه جيءَ به على الوجه الأكمل، ويظن المراقب فيه كما لو أنه عملٌ ينبض بالروح والحياة، أو أن يكون عملاً حركياً جامداً بحتاً لا يعدو كونه إجراءً وظيفياً مثل الآلة يقوم به المرء دون أي زيادة أُخرى.
 
مثال ذلك دخول الطبيب المبتسم على مريضه الموجوع، وابتداء عملية الفحص والعلاج بجرعاتٍ مكثفة من بثِّ الأمل والتخفيف من الألم بالكلام الطيب والابتسامة الصادقة، التي تلعب دوراً في الشفاء أكثر من حبوب الدواء، أو دخول طبيبٍ على المريض نفسه لكن بدا كأنه قابض الأرواح، مكفهرّ الوجه، يقوم بعمله كأنه آلة ميكانيكية بكماء، صمّاء، فيخبر المريض بأنه مصاب بالسرطان وأن أيامه باتت معدودة في الحياة ويجب عليه أن يستعد للموت.
 
ليس الهدف من هذا المقال الحديث حول الفرق بين المبادئ والأخلاق، وإن كان ذلك لا يمنع من تبيانه باختصار، لأن العمل الإنساني بشكل عام تحكمه أربعُة مبادئ أساسية معروفة هي (الإنسانية – الحياد – عدم الانحياز – الاستقلالية) وقد تصل إلى سبعٍ إذا ضممنا إليها (الخدمة التطوعية – الوحدة – العالمية). وحتى نصل إلى المقال القادم الذي سنتحدث فيه عن المبادئ الأربعة بالتفصيل، نوضح أن المبادئ هي المعتقدات والخطوط المرجعية لدى الإنسان والتي تحدد له الخطأ والصواب، أو السيّء والجيد في الحياة، ومصدرها الإنسان نفسه، وهي ثابتة لا تتغير إلا إذا غيَّرها الإنسان بتغيير الدين مثلاً.
 

عند أداء العمل بشكل وظيفي مجرد من غير أخلاقيات قد يكون مقبولاً من ناحية مادية بحتة، لكن من الناحية المعنوية والعاطفية فهو مرفوض، لا تقبله النفس إلا مُرغمة
عند أداء العمل بشكل وظيفي مجرد من غير أخلاقيات قد يكون مقبولاً من ناحية مادية بحتة، لكن من الناحية المعنوية والعاطفية فهو مرفوض، لا تقبله النفس إلا مُرغمة
 

أما الأخلاق فهي معايير السلوك أو القواعد المتعارف عليها، توصَف بالحُسن أو القُبح، ويكون مصدرها الدين، أو الثقافة، وكذلك أعراف المجتمع، وهي التي تضيف إلى السلوك نكهةً تنفي عنه المادية والجفاف. ولتوضيح الأمر أكثر فإنّ تحريم وتجريم أفعال مثل القتل والاغتصاب هو مبدأ لا يتغير، أما الالتزام بالامتناع عنها فهو جانب أخلاقي.

 
عند أداء العمل بشكل وظيفي مجرد من غير أخلاقيات قد يكون مقبولاً من ناحية مادية بحتة، لكن من الناحية المعنوية والعاطفية فهو مرفوض، لا تقبله النفس إلا مُرغمة. مثاله قيام موظف العمل الإنساني بإعطاء سلة غذائية لعائلة فقيرة لكنه أعطى معها إذلالاً لفظياً بتحميل العائلة ما لم تحتمل من ألفاظ المنِّ المصحوب بالأذى، أو مادياً مثل أن يلقيها لهم بشكل غير لائق فيه احتقار وازدراء، مما جعلهم يتجرعون الغذاء الذي فيها كأنه السمّ، وكانوا يتمنون لو أنهم يستطيعون رفضها لولا حاجتهم الشديدة، التي ستجعلهم عُرضة للجوع في ما لو رفضوا سلة الغذاء.
 
أو قد يلحقهم الموت، وربما تكون الظروف ظروف حرب وقتال فلا يُنتبه إلى هذه الجزئية من الكرامة الشخصية أمام مسألة الموت أو الحياة، أو حتى أمام صراخ الجائعين من الأطفال والضعفاء. وعلى الوجه الآخر قيام موظف العمل الإنساني بإعطاء سلة الغذاء لنفس العائلة بنوع من الأدب والتواضع، وكلمات التخفيف عليهم من قبيل "نحن جميعاً نحتاج للمساعدة" "هذا الطعام حقٌ لكم ونحن مجرد وسائل"، ويزداد الأمر روعةً حين يشاركهم الأكل منها، ويسألهم هل ترغبون بشيء آخر مثلاً غير هذه الأصناف الموجودة، إلى آخره من أساليب تطييب النفس.
 
الفرق بين الاثنين كالفرق بين الشرب من ماء البحر والشرب من الماء العذب الزلال. يزيدك الأول عطشاً، ويعطيك الآخر حلاوة وريّاً حتى لا تكاد ترغب في المفارقة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.