شعار قسم مدونات

خطاب الديكتاتور في ذكرى الثورات الموءودة

blogs الثورة المصرية

أيها الشعب.. سبع سنين مرت على ما زعمت أنها ثورتك الديمقراطية، وربيعك العربي الفواح، سبع سنوات انقضت وما زلت حيث كنت، وها أنا ذا حيث أنا ديكتاتور تستنير بعدلي، وباستطاعتي اليوم أن أثور على نفسي، وأن أجلد في خطابي هذا ثورتك، وأنت خاشع البصر لا تملك أن تنبس بكلمة، فقد قطعت العزائم قبل الألسن، فهل من مجيب؟

أيها الشعب العاق، حسبت نفسك أمة تملك زمام أمرها، وخرجت إلى الساحات تنشد الحرية والكرامة، وتناسيت أننا صنعناك على أعيننا. سبع سنين انقضت على فسحة أملك، أو ألمك، لا يهم.. فأنت سيان عندنا، ولا أمل نرجو غير بقائنا، ولا ألم غير ألم غدرك وخيانتك. أو بعدما استطبنا حياتنا وتراخى أسلافنا، فخففوا قيودكم، يكون جزاؤهم أن تطردوا زينهم، وتسقطوا مباركهم، وتقتلوا المعمر منهم.. أما استحييتم من شيبهم ووقارهم، فجزاؤكم اليوم أن تشتاقوا عهودهم وأن تترجوا عودتهم.

لقد صبرتم سبعين سنة على جبنكم ومظلمتكم، وتهافتم في عامين فقط على ثمرة شجاعتكم، وتنازعتم بينكم أمر تقاسم غلتها، وخونتم بعضكم وكشفت فرقتكم، فعدنا لكم.. ما أسذج سذاجتكم، وما أبسط أحلامكم، ألهذا كانت ثورتكم؟ حسبناكم هذه المرة جادين، وانخلعت قلوبنا جزعا، وتحسسنا رقابنا لا ندري ما أنتم بنا فاعلون، فسرنا معكم وفق الحلم والهوى، ولكل امرئ منا ومنكم ما نوى، فما لبث أن انكشف المستور..

 

احتشدتم حيث لا يجب الحشد، وتفرقتم ساعة العزم والجد، وبما أنكم صنيعتنا التي نعلم كنهها ومعدنها، وألا بد لنا من نصيب في مصيركم، بهدوء من فاصلنا عدنا لكم. أتريدون أن نضحي بكم كما ضحينا بغيركم في ليبيا وسوريا واليمن.. فأنتم من حفرتم قبوركم بأيديكم وتدافعتم مهطعين إليها، فما كان لنا إلا أن نأتمر بأمركم، ونحتُو التراب قنابل وبراميل على وجوهكم. ما أجملكم في رماديتكم وشعتكم، ما أبهاكم في قُنْيَة دمائكم، ما ألطفكم في ألحان احتجاجاتكم.. هذه نتيجة غدركم، لم تراعوا فينا إلا ولا ذمة، فاستنهضتم فينا كل همة، لنهدم كل ما يجمعكم كأمة. قد بعنا سرا في الماضي، واليوم نجاهر ببيع فلسطين.. ونستجدي الشرعية من غيركم، ونتقلب بين الروس وأمريكا وحتى الصين، ونبذل في ذلك من أرزاقكم وأرزكم الملايين، فلا عروبة اليوم تجمعنا بكم ولا حتى رابطة الدين…
 

لا تنتظروا منا أن نساند ثورتكم، بل أنتم من وجب فيكم أن تثوروا على أنفسكم وعلى مآسيكم. أيها الشعب الحالم، إن فكرت في الثورة من جديد، ثر كما شئت، ولكن لا تنسى أننا سنصدك بالنار والحديد
لا تنتظروا منا أن نساند ثورتكم، بل أنتم من وجب فيكم أن تثوروا على أنفسكم وعلى مآسيكم. أيها الشعب الحالم، إن فكرت في الثورة من جديد، ثر كما شئت، ولكن لا تنسى أننا سنصدك بالنار والحديد
  

اقتطعنا وسنقتطع من رغيف فقرائكم المساكين، فلا يستطيعون سوى نهش بعضهم البعض كالمسعورين، ثم يلومونكم ويقرعونكم أيها المتعالمون، فأنتم سبب البلايا ومنع العطايا وجلب المنايا.. كنا نمرر السياسات بالمواربة، ونسدد ونصيب أهدافنا بالمقاربة، فجلبتم على أنفسكم اللعنات، فذوقوا واخضعوا.. فسنذل أشرافكم ونعز أراذلكم، وأنتم لهم تتطلعون، وعلى انحطاطكم لا تأسفون، وإذا تململت كرامة ذُلِّكم أيها الخاضعون، سنرفع البعبع موتا ودمارا فتتريَّبون وتكِنُّون.. أهذه ثورتكم أيها العاقون، جددنا نخبنا وأنتم ما زلتم في سذاجتكم تعمهون، وبعد كل هذا بذكرى ثورتكم تحتفلون؟! ثوروا مئة ثورة كثورتكم هاته فستفشلون، ثم أقبلوا على بعضكم البعض تتلاومون: لماذا فشلت ثورتنا؟ فطوبى لنا أنكم مازلتم لا تدركون؟

سبع سنين لن تغاثوا بعدها وتعصرون، سبع سنين ما عشتم خلالها بداية كابوس فقط، لا نملك نحن ولا أنتم تفاصيل أحداثه، فهم هنالك في تل أبيب يصممون ونحن نخيط أكفانكم وأنتم تلبسون. أيها الشعب الثائر ذات حين، كنا نتمنى أن تنقذنا من أنفسنا لعلنا نستريح، لكن حلمنا ذهب أدراج الريح. لا تنتظروا منا أن نساند ثورتكم، بل أنتم من وجب فيكم أن تثوروا على أنفسكم وعلى مآسيكم. أيها الشعب الحالم، إن فكرت في الثورة من جديد، ثر كما شئت، ولكن لا تنسى أننا سنصدك بالنار والحديد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.