شعار قسم مدونات

مسرحية أم لا.. ما الذي أسفر عنه فشل الانتخابات؟

blogs خالد علي

برزت فرصة أو شبه فرصة للعودة إلى مجال السياسة في مصر الذي قتل مؤخرا على يد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي ونظامه الجاثم على صدر ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني، عبر انقلاب عسكري قاده إلى القصر الرئاسي الذي يرفض الرجل أن يتركه -في الغالب- سوى مقتولا. هذه الفرصة حكت لنا تعطش الأطياف المصرية لممارسة العمل العام مجددا، وخوض غماره رغم التصورات العدمية التي اجتاحت هذا المجال مؤخرا، يأسا من تغيير الطغمة العسكرية التي تستبد بالبلاد يوما بعد يوم.

 

عاد الجميع إلى جدالات قديمة متجددة حول جدوى المشاركة في الانتخابات، وإن كانت مسرحية أم لا، وجدية المرشحين وبرامجهم في مواجهة السيسي الذي أعلن عزمه على خوض غمار الفترة الثانية له عقب انقلابه (والتي ربما لن تكون الأخيرة كما يقول دستوره). لكن على ما يبدو أن الجنرال قرر ألا يسمح بتمرير هذه الفرصة هي الأخرى التي أعطت قليلا من الأمل في تغيير الواقع ولو بشكل جزئي مختزل ومؤقت، لكنه فضل وأدها كما حال كل شيء في عهده، فلا معنى للسياسة في ظل حكمه، ولا مساحة سوى للقمع.

 

يعلن أحد رجال دواليب دولة العسكر في مصر ترشحه، وهو الفريق أحمد شفيق، فيجبر على ترك الحلبة مبكرا تحت تهديدات بفتح ملفات الفساد القديمة، وقبلها يجبر على الخروج من السباق أيضا قبل أن يبدأ محمد أنور السادات، والضابط أحمد قنصوة. إلى أن جاء قرار المرشح السابق -الذي انسحب مؤخرا- خالد علي بخوض المنافسة أمام السيسي، وكون حملته الانتخابية. تبعه المرشح المعتقل حاليا والمختفي قسريا الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش الأسبق إبان اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير.

 

النبرة كانت عدائية لدرجة غريبة ضد من حاول أن يستفسر أو يسأل عن منطق مشاركة خالد علي بهذه الصورة، إلا أن مؤيدي الحملة كانوا في غمار شعارات لا شعار يعلو فوق صوت معركة التوكيلات
النبرة كانت عدائية لدرجة غريبة ضد من حاول أن يستفسر أو يسأل عن منطق مشاركة خالد علي بهذه الصورة، إلا أن مؤيدي الحملة كانوا في غمار شعارات لا شعار يعلو فوق صوت معركة التوكيلات
 

هنا حدثت محاولات إحداث انفراجة في المشهد المصري القاتم منذ تأسيس شرعية النظام الحالي على دماء ما يزيد عن ألف معتصم من الرافضين للانقلاب العسكري في مذبحة اعتصامي رابعة العدوية والنهضة. هذه الانفراجة كانت مؤسسة على عدة وجهات نظر متباينة في آليات عملها، لكنها متفقة على ضرورة حلحلة المشهد بأي ثمن كان، والبناء على شبه الفرصة المتاحة، مع كل الاحترام لوجهات النظر الأخرى التي كانت مطروحة. لكن في رأيي بعد انتهاء المشهد بما هو عليه الآن، وحرص النظام -كما كان متوقعا- على الإجهاز على هذه الانفراجة، وجب علينا تقييم اللحظات الماضية، ومدى نجاح الحريصين على التغيير في التعامل معها.

 

بالنسبة للحملة الانتخابية لخالد علي؛ توهمت أنها توحدت على هدف في غمار خوض هذه الانتخابات، في حين أن التباينات داخل الحملة أكثر من أن تحصى، فبين وجهات النظر القائلة بضرورة "المعافرة" وعدم ترك الساحة للنظام وحده، حتى وإن لم تكن هناك حظوظا للمرشح، وصولا إلى من يؤمن فعلا بفرصة خالد علي في المنافسة، انتقالا إلى من يؤمن بحقه فقط في الترشح، لذا قرر مساعدته في ما أسموه "معركة التوكيلات".

 

ناهيك عن هدف تكوين جبهة صلبة من تيار فكري وأيديولوجي معين يتحين فرصة الانتخابات ومعركة التوكيلات للإعلان عن نفسه، كتيار معارض للسيسي يحاول تنظيم نفسه عبر اختبار التوكيلات، ومن ثم الانتخابات. ربما يعد هذا الهدف الأكثر وضوحا ومشروعية، ولا يمكن لوم الحملة عليه، لكن ما يمكن أن يلام عليه مؤيدي الحملة هو استمرار احتكارهم للحديث باسم 25 يناير/كانون الثاني، واستبعاد من سواهم من مظلته؛ لأنه اختلف مع جدوى الأمر.

 

رأى الإسلاميون في عنان قوة لمواجهة السيسي وفرصا أقوى من خالد علي بمراحل، في حين أصرت حملة خالد علي على الاستكمال لأنها تقول أن لديها مشروعا مختلفا سيكتمل حتى بعد الانتخابات

النبرة كانت عدائية لدرجة غريبة ضد من حاول أن يستفسر أو يسأل عن منطق المشاركة بهذه الصورة، إلا أن مؤيدي الحملة كانوا في غمار شعارات لا شعار يعلو فوق صوت معركة التوكيلات، فهل معنى فشل الحملة على سبيل المثال في تحصيل العدد المطلوب من التوكيلات لأي سبب كان، أن مؤيدي يناير/كانون الثاني جميعهم فشلوا في تجميع 25 ألف توكيل؟

 

حتى بمنطق الذين يريدون أن يدخلوا "لعبة الانتخابات" أو غمار عملية سياسية لا يمكن أن يكونوا بمثل هذه الحدة ولو مع خصومهم من الإسلاميين على سبيل المثال، لكن كان هناك إصرار عجيب على خوض الانتخابات  بنفس الروح "الناشطاوية" التي تعودوا عليها، حتى دون محاولة تحييد من لا يتفق معهم بدلا من كسب عدواته بلا طائل.

 

وعلى الجانب الآخر؛ كان موقف الإسلاميين متباين من هذه الفرصة، بين مشكك ومتربص ومزايد وحتى مشارك، وذلك لطبيعة الاختلافات والتباينات الداخلية في طيف الإسلاميين، ويؤخذ على بعضهم عدم فهم حملة خالد علي وأسس ومنطلقات خوضها لهذه المعركة، وهنا أتحدث عن محاولة الحملة تكوين تيار صلب يخرج بهذه الدوائر المترملة (حول الحملة) بعد يناير/كانون الثاني من الحالة السائلة.

 

هذا حق مشروع لخالد علي،وهو أن يبني مشروعه وتياره، ويستبعد به كل ما عدا هذه الدوائر، لأنهم ليسوا من أبناء يناير/كانون الثاني "المختارين" بجواره، ربما تراه مشروعا إقصائيا أو دون فائدة أو قل ما شئت، لكن لم يكن مطلوبا منك الانضمام إليه، لأنهم يرونك كإسلامي عدوه كما العسكر تماما.

 

فهو ليس مبادرة وطنية جامعة كما تتخيل، وهو يشبه مبادرات الشرعية تماما، التي تقول كل من لا يؤمن بأهدافنا فهو ليس معنا في مواجهة النظام، فالحملة مارست حقها في الإقصاء، كما لكل مشروع أن يختار من يدخل تحت رايته، فلم يكن مطلوبا من الإسلاميين الدخول فيه، وكان السكوت أولى وعدم مهاجمته في رأيي أفضل لأنه إن لم ينفع فلن يضر.

 

ربما تكون إحدى حسنات ما حدث في ذكرى الثورة، أن تدرك أطياف يناير/كانون الثاني ضرورة استغلال أي وضع لكسر ثبات وجمود المشهد الحالي الذي ليس في مصلحة الجميع
ربما تكون إحدى حسنات ما حدث في ذكرى الثورة، أن تدرك أطياف يناير/كانون الثاني ضرورة استغلال أي وضع لكسر ثبات وجمود المشهد الحالي الذي ليس في مصلحة الجميع
 

لكن من غير المفهوم أيضا أن يتحول بعض مؤيدي خالد علي فجأة إلى مهاجمة أطياف الإسلاميين بعد نزول الفريق سامي عنان إلى الانتخابات، والمزايدة عليهم بحجة أنهم اختاروا مرشحا عسكريا، في مقابل إصرارهم على اعتبار خالد علي مرشح الثورة، في حين أن حملتهم أصلا لم تكن موجهة للإسلاميين بأي حال، فأنت لا تريده معك، ولا مع غيرك. رأى الإسلاميون في عنان قوة لمواجهة السيسي وفرصة أقوى من خالد علي بمراحل، في حين أصرت حملة خالد علي على الاستكمال؛ لأنها تقول إن لديها مشروعا مختلفا سيكتمل حتى بعد الانتخابات، وهو تحد سيثبت صدقه مستقبلا بعد أن تنتهي اللعبة الحالية.

 

ويعد هذا اتفاقا ضمنيا بين الجميع على ضرورة التغيير الجزئي أو المرحلي الذي يؤدي إلى فتح المجال العام، ولكن لكل أدواته ومنطلقاته وميراثه من الخصومة والعداوة للآخر، فالواقع يكون مستغربا حينما تنطلق حملات المزايدات من الجانبين، رغم علم كل فريق أنه لن ينضم تحت لواء الآخر تحت أي ظرف.

 

ربما تكون إحدى حسنات ما حدث في ذكرى الثورة التي تزامنت مع هذه الفرصة الموؤودة، في أن تدرك أطياف يناير ضرورة استغلال أي وضع لكسر ثبات وجمود المشهد الحالي الذي ليس في مصلحة الجميع ولا يصب سوى في مصلحة بقاء النظام، وقد أثبت ذلك تفاعل الجميع بمستوياته المختلفة مع الأمر سواء في حملة خالد علي أو على صعيد مؤيدي ترشح عنان، وإن اخترعوا عشرات المعارك الجانبية.

 

وكذلك كان هناك موقف جماعي محترم لمقاطعة هذه الانتخابات بعد اعتقال أحد المرشحين ومنعه من الترشح، حتى وإن اختلف معه كثيرون، ولربما يعتبر هذا إظهار موقف وإعلانا عن عدم موت تيار التغيير في مصر؛ حتى وإن أكلت الأمراض جسده، ما اضطر النظام للبحث عن محلل من وجوه قديمة كالحة استدعاها لاستكمال المسرحية بعد مغادرة الجمهور.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.