شعار قسم مدونات

وما علاقة كيم كرديشيان بنهاية العالم؟

blogs - word

انتهيت من العمل مبكرا في تلك الليلة، وكنت قد رتبت الغرفة ووضعت أغطية إضافية على أريكتي المفضلة، فدرجات الحرارة كانت تحت المعدلات، ثم تأكدت مبكرا في نفس اليوم أن خزينة الأعشاب في المطبخ بها بعض القرفة بالجنزبيل. في مصر قد تواجهك مشكلات كثيرة في كل مناحي حياتك، لكن ليس من ضمنها أن تنزوي جانبا تحت البطاطين لمدة ثلاث ساعات لمتابعة فيلم تظن أنه ممتع، ثم تستكمل حياتك. حسنا، صه، نام الأولاد مبكرا، لنبدأ العرض.
  
نحن الآن في سنة 2049، العالم بارد، بائس، رمادي اللون، تغطيه البنايات الضخمة، والمصانع المعدنية الممتدة للأفق، لا ورد ولا شجر أو ألوان خضراء، التغير المناخي قد أغلق نافذة الشمس عنا ربما، وكل شيء معروض للبيع، ساعد التقدم العلمي في البيولوجيا الجزيئية على تخليق بشر جدد تم استخدامهم كعبيد لخدمة البشر العاديين، وأندمجت البرامج الذكية في حياتنا حتى أصبحت الأصدقاء والأحبة، أتذكر هنا الألوان المبهرة وحالة الحب الغريبة من الفيلم القريب للقلب Her، حيث تدفعنا تيكنولوجيا المعلومات للتساؤل، ليس فقط عن شكل المستقبل، بل عن معنى وجودنا.
  
لا أكثر من ذلك قد لفت نظري، في "Blade Runner 2049" الرائع والبائس، سوى جملة هامة تقول فيها إحدى المخلقات أن "هناك ثورة قادمة" لتستكمل بقدر من الحماسة قائلة: "ونحن أكثر إنسانية من البشر أنفسهم"، في تلك اللحظة أتساءل عن مدى الحيرة التي أصابتني خلال فيلم "War For The Planet Of The Apes"، وهو قصة عن قرد ينتصر في المعركة ضد البشر، لكنني وجدت نفسي أميل إلى كفة القرد فرحا بانتصاره نهاية الفيلم، ترى، ما هي المشكلة؟

 

على الرغم من ظن البعض أن حجم التدين في الولايات المتحدة يتقلص، إلا أن ما يحدث هو العكس، فمع تصاعد التطرف السياسي يتصاعد التطرف الديني أيضا
على الرغم من ظن البعض أن حجم التدين في الولايات المتحدة يتقلص، إلا أن ما يحدث هو العكس، فمع تصاعد التطرف السياسي يتصاعد التطرف الديني أيضا
  

ربما يجيبني بول لوجان عن ذلك السؤال، وهو واحد من أشهر رواد اليوتيوب في العالم، تتزايد نسب متابعته يوما عن يوم بشكل مهول، كان بول قبل فترة قصيرة قد عرض فيديو لزيارة قام بها لغابة أوكيجاهارا اليابانية، غابة الانتحار التي تتلقى 100 حالة تقريبا كل عام، حتى أصبحت بعد ذلك بوتقة أساطير شهيرة، ومحط انتباه أفلام الرعب، أما بول فقد صور لنا جثة حقيقية لشخص قام بشنق نفسه، بينما وقف يتراقص ضاحكا مع أصدقائه من مدى "روعة" تلك المفاجأة، وكأنه قد وجد للتو حفرية ماموث عملاق للمرة الأولى.
  
شاهد الفيديو ما يقرب من 6 مليون شخص، ولم يعلق أحدهم قائلا أن هناك مشكلة من تصوير آدمي منتحر بهذا الشكل، لم يحدث ذلك إلا حينما بدأت الانتقادات تظهر من رواد يوتيوب آخرين أقل شهرة حول ما فعله لوجان، هنا انتبه الناس، فجأة، أن هناك مشكلة، وهي أنه من غير المقبول أن تنشر صور شخص منتحر، وتتراقص أمامها كأنك أحد أفراد قبيلة بدائية تأكل لحوم البشر على سبيل التسلية، لكن على الرغم من تلك الهجمة الشديدة لم يستطع اليوتيوب أخذ أية إجراءات حاسمة تجاه فتاه المدلل، بول، لكن ذلك ليس موضوعنا، الآن دعنا نتحدث عن ترمب. 
 

ذا تتبعنا خط سير الأجيال منذ الحرب العالمية الثانية لوجدنا أن جيل الحرب مثلا قد تعلم الحياة بالطريقة الصعبة

 

قبل عدة أسابيع جلس دونالد ترمب في المكتب البيضاوي تحفه جوقة من رجال الدين يضعون يديهم عليه حامدين الله أنه أعطاهم، أخيرا، الرئيس المنتظر، وهو دائما كذلك، كانت المرة الأولى التي أرى فيها مشهدا كهذا، أحالني ذلك للبحث حول تصاعد درجات التطرف في المجتمع الأميركي، فـهنا، حولنا في الوطن العربي، نجد الكثير من التطرف، لكننا دول نامية تكافح من أجل الوصول لبعض العقلانية، ماذا إذن عن دول تعقلنت منذ سنين طويلة وتحولت إلى سيدة العالم الحر؟
    
لا شيء جديد للأسف، يقول د. لندن شنابل، من قسم السوسيولوجيا بجامعة أنديانا، حسب دراسات استقصائية أخيرة، فعلى الرغم من ظن البعض أن حجم التدين في الولايات المتحدة يتقلص، إلا أن ما يحدث هو العكس، فمع تصاعد التطرف السياسي يتصاعد التطرف الديني أيضا، لنجد خلال الأعوام الثلاثين الفائتة أن فئات التدين المسالم، المتوسط، تتآكل بسرعة وقوة من 35% إلى 12% ، في مقابل ارتفاع نسب الفئات المتطرفة دينيا مثل الإنجيليين؛ من 18% إلى 28% من الأميركان.
 
هنا لا يمكن إلا أن أتذكر كيم كارديشيان. لا أعرف، في الحقيقة، السبب في ذلك، لازالت الليلة باردة، ولازال فيلم "بلايد رانر 2049" يدور في الخلفية، لكن كانيية ويست زوج كارديشيان كان قبل عدة أشهر قد صرح للـ "هاربرز بازار" أن تعري زوجته، وكانت قد تعرت أمام الكاميرات للمرة، قل، الألف مثلا، و"كسرت الإنترنت"، هو فن حقيقي ذا معنى يشبه فن عصر النهضة (Renaissance)، مضيفا أن امتناعها عن التعري أشبه بامتناع "أديل" عن الغناء.
 

لا تعليق لدي على ذلك سوى، ربما، أن أضع ضمن خطة الأسبوع القادم ساعتين لإعادة مشاهدة الفيلم البديع "The great beauty"، ربما كي أتأكد أنني لازلت أتمشى وحيدا في شوارع الواقع والعقلانية، أو ربما كذلك أجد تفسيرا واضحا لسر ولعي بالمتحف المصري، في مقابل عالم كامل يهرع ناحية أفلام "هانجر جيمز" و"مايز رانر"، والمشكلة، سيدي القارئ، والمشاهد، أن أفلامنا الأكثر شهرة تعرض لنا الوجه الحقيقي للحضارة المعاصرة، نحن لا نشاهد أفلاما كـ "هانجر جيمز"، نحن نعيشها في الواقع، أليس كذلك؟!

 

كيم كرديشيان   (رويترز)
كيم كرديشيان   (رويترز)

  

لا أعرف، كعادتي، لكنني فقط أتساءل، وكنت قبل عدة أشهر قد انشغلت بالبحث خلف تركيبة جيل الألفية، إنه الجيل الذي ننتمي له، مواليد الثمانينيات حتى مواليد سنة 2000، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن معاناة هذا الجيل من اضطربات مزاجية كالاكتئاب؛ ربما هي الأكبر في تاريخ المرض، وإذا تتبعنا خط سير الأجيال منذ الحرب العالمية الثانية لوجدنا أن جيل الحرب مثلا؛ قد تعلم الحياة بالطريقة الصعبة، لذلك خرج سكانه يفهمون جيدا أن الحياة لا تقدم لنا مفاجآت سارة، لكن على قدر جهدك سوف تحصل على إنتاج.

  

بعد ذلك تحسنت الحياة قليلا، وعم الاستقرار السياسي والاقتصادي، بدرجة ما، أجواء العالم، فخرج الجيل الثاني، أبناء هذا الجيل الأول، في حالة من البحبوحة، ما دفعهم لتعليم أبنائهم من الجيل الثالث، نحن، أن الحياة هي أرض الفرص، وأن كل شيء -مهما كان مستحيلا- يمكن أن يحدث، وعلى قدر التفاؤل الذي تطرحه تلك التوجيهات، إلا أنها كانت بالأساس سبب ظن هذا الجيل أن كل شيء سهل، في المقابل ظهرت آليات التواصل لتتمدد يوما بعد يوم حتى نصل إلى عالم التواصل الاجتماعي، وما نلاحظه هنا هو علاقة طردية بين مدى تغلغل التيكنولوجيا في حياتنا ومدى تزايد النرجسية.

 

لذلك سوف تجد أنه من بين كل 10 أفراد من جيل الألفية، هناك 2 فقط أرادا أن يصبحا مدريرين ناجحين، يقدران أهمية بذل الجهد في سبيل الوصول لنتائج فعالة، في المقابل سوف تلتقي بـثمانية اختار كل منهم أن يصبح فنانا، مغنيا، أو راقصا مشهورا، ومع هذا المزج بين "قفزة الشهرة" التي لا تحتاج إلى جهد، وانتشار الولع بالسيلفي، التطور الطبيعي لبرامج الواقع التي كانت كارديشيان أحد أبطالها يوما ما، ظهر الجيل المعاصر، ذلك الذي يمكن لمشهد عن ازدحام مجموعة من السواح ليلتقطوا صور السيلفي مع دولفين صغير السن على الشواطئ الإسبانية الصيف الماضي، ثم بسبب ذلك يموت هذا الدولفين، أن يلخص أوضاعه.

   

نتناسى أن نهاية العالم ربما لن تحدث حينما ندخل في عصر جليدي قارس أو تصيبنا صخرة عشوائية بحجم مدينة الإسكندرية انطلقت من حزام كويبر قبل ألف سنة، نهاية العالم ستحدث حينما نظل بشرا كما نحن الآن
نتناسى أن نهاية العالم ربما لن تحدث حينما ندخل في عصر جليدي قارس أو تصيبنا صخرة عشوائية بحجم مدينة الإسكندرية انطلقت من حزام كويبر قبل ألف سنة، نهاية العالم ستحدث حينما نظل بشرا كما نحن الآن
 

هنا أتساءل حقا عما فقدناه في رحلتنا إلى "لا شيء"، يشير ستيفن بينكر، النفساني ومتخصص اللغويات الشهير، في كتابه "الملائكة الطيبة عتنا" إلى أن تاريخ البشر، على عكس ما تبدي الحالة المعاصرة من بؤس، يميل للتفاؤل، فقد انخفضت معدلات العنف بصورة واضحة، وتراجعت الصراعات المسلحة، وارتفعت معدلات أعمارنا، لكن بينكر في الفصل التاسع يشير إلى أن هناك أربع ملائكة، كانت دائما هي رفيقنا في رحلتنا كبشر، إنها التعاطف مع الآخر، العقلانية والمنطق، التحكم في الذات تجاه شهواتنا للسادية والعنف، وحسنا الأخلاقي.

 

يقول هاروكي موراكامي: "إن كل واحد منا، في أعماق قلبه، ينتظر قدوم نهاية العالم"، يلفت ذلك نظري إلى أحد اهتماماتي الحالية، وهي الكتابة عن مشكلة التغير المناخي، الخطر الذي يلوح في الأفق واضحا يوما بعد يوم، والتوعية بها، لكني بالفعل أجد تفاعلا غريبا مع تلك النوعية من المقالات، حيث لا يهتم البعض بإيجاد حلول للأزمة، لكن فقط بالتساؤل عن: متى سوف يحدث الأبوكاليبس؟ متى سوف ينتهي كل شيء؟

 

لا أعرف، للمرة الثالثة في هذه التدوينة، لكن يبدو أننا في أثناء كل ذلك الضجر من الحياة المعاصرة، كل تلك الأمنيات بقدوم نهاية العالم، كل ذلك الفراغ في الذوات الممتلئة، نتناسى أن نهاية العالم ربما لن تحدث حينما ندخل في عصر جليدي قارس أو تصيبنا صخرة عشوائية بحجم مدينة الإسكندرية انطلقت من حزام كويبر قبل ألف سنة، نهاية العالم ستحدث حينما نظل بشرا كما نحن الآن، لكن نكون قد فقدنا إنسانيتنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.