شعار قسم مدونات

هكذا تتسلل الأحلام

blogs خالد علي

عجيبة أحلام البشر، عجيبة حيلها الكثيرة لتتسلل إلى أرواحنا كلما حاولنا نسيانها. لأسباب كثيرة معقدة، قررت الابتعاد خطوة عن ذلك الحلم. حاولت تأجيل التفكير فيه والتعلق به، ليس لأنني تخليت عنه، بل لأقدر على مواصلة الحياة. طاردت أحلاما أخرى شخصية، كلما انهمكت في السعي وراءها، واقتربت من نيلها، اطمأنت نفسي وهدأ اشتياقي لحلم يناير. هو حلم مستحيل منذ سنوات، ويبدو الآن أكثر استحالة. الأقسى أن كل ما حدث ويحدث، يحقق الكابوس النقيض لحلم يناير؛ القمع يزداد جنونا، الحرية تنحسر، العدالة الاجتماعية تتحقق بتوزيع الجوع على الجميع.

 

حتى الانتخابات تزداد كل يوم هزلا وتصبح أشد انحطاطا، مع أننا لم ننتظر منها منافسة ولا نزاهة. انتظرنا فقط فرصة صغيرة لتصويب بعض أخطائنا بعد ثورة يناير، أي انتظرنا أن نتمكن من بناء كيان ما يمثل التيار المدني؛ كيان يتأسس على أفكار واضحة ومبادئ تنحاز صراحة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. أردنا أن نقتنص فرصة لتكون حملة خالد علي نواة لهذا التيار؛ سيكون للحملة مندوبون ولجان فرعية وأعضاء ملتزمون بالدعوة لأفكارها… كل ذلك مهم كان ينبغي البدء في تأسيسه منذ 12 فبراير 2011، لكننا لم نكن قد جربنا الثورة من قبل؛ كانت ثورتنا الأولى فلا مفر من التعلم القاسي من دروسها.

 

مؤسف أننا وعينا ذلك الدرس متأخرين، بعد أن تمكنت الثورة المضادة من غلق أي مجال لأي ممارسة سياسية، وليس لأي حراك ثوري فحسب. لذلك رأينا الحملة الانتخابية وسيلة وحيدة متاحة، بعد أن بدأت اعتقالات منظمة لأعضاء في الأحزاب السياسية التي تمارس العمل السياسي العلني، وهو ما يهدد بانفجار شعبي مخيف مع اشتداد موجات الغلاء وقسوة الجوع الذي يمس الآن عشرات الملايين من الفقراء بعنف لم نعرفه من قبل. يظن السيسي ونظامه أن القمع سيسكت الجوعى إلى الأبد، مع أنه لا يزيد عن كبت للغضب والمعاناة حتى ينفجر كل شيء. يحذرنا هذا النظام كثيرا من مآسي سوريا والعراق واليمن مع أنه يقودنا إليها مباشرة وبإصرار عبثي.

 

كان مهما أن ينسحب خالد. كان محبطا أيضا لأن استحالة الحركة وانسحابنا من المجال العام يؤديان في أحسن الأحوال لاستمرار الأوضاع القائمة، إن لم يكن تدهورها
كان مهما أن ينسحب خالد. كان محبطا أيضا لأن استحالة الحركة وانسحابنا من المجال العام يؤديان في أحسن الأحوال لاستمرار الأوضاع القائمة، إن لم يكن تدهورها
 

منذ تعويم الجنيه المصري والإجراءات الاقتصادية المصاحبة له، فكرت كثيرا في تخفيف تعلقي بحلم يناير إلى أن يصبح الظرف العام مهيأ لهذا الحلم، لا أدري متى وكيف سيحدث ذلك، تمنيت فقط ألا يغرق في الابتعاد. بعد ارتفاعات جنونية متتالية للأسعار، وبعد جوع حقيقي قاس، لا يزال كل شيء يبشر بالاستسلام العام، حتى الممسوسون بحلم يناير أصاب بعضهم ضرر نفسي كبير، انقلب إلى استسهال التخوين والمزايدة والميل الدائم لرفض الحركة والتفكير. لا مساحة للحلم إذن كي لا ننهار.

 

ورغم ذلك كله، ومنذ انطلقت حملة خالد، تطوع فيها مئات من الشباب الذين لم يشهد بعضهم ثورة يناير لحداثة سنه. لم يكن لديهم أمل في فوز خالد، ونالوا هجوما وتشويها وتربصا أمنيا كافيا لكسر أي حلم، لكنهم واصلوا. هؤلاء الشباب الذين لا أعرف أشخاصهم كانوا المدخل الذي تسلل منه حلم يناير مرة أخرى.

 

كان مهما أن ينسحب خالد. كان محبطا أيضا لأن استحالة الحركة وانسحابنا من المجال العام يؤديان في أحسن الأحوال لاستمرار الأوضاع القائمة، إن لم يكن تدهورها.. انسحب خالد وظلت هذه الروح الجميلة لهؤلاء الشباب المجهولين وقودا سيشعل حلم يناير في قلوبنا. فشكرا لهم من القلب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.