شعار قسم مدونات

لا تفزع فكلهم عنان

blogs عنان

الحقيقة لا أعلم سبب الاندهاش المسيطر على جموع الشعب المصري أو العالم العربي أجمع من سياسة الإقصاء المتبعة لكل من خالف رأيه رأي الكتلة الحاكمة، ولا أخص هنا فصيلا معينا، فالحقيقة أن كل من مر على كرسي حكم المحروسة قد اتبع نفس النهج والأسلوب في التعامل مع المعارضة، فالإقصاء هنا ليس حكرا على فصيل معين فقط، كن حاكما لمصر واقص من تشاء.

الأمر ليس شخصيا لا بالنسبة إلى الفريق سامي عنان ولا إلى الرئيس -إن صح القول- عبد الفتاح السيسي كما لم يكن شخصيا لغيرهما، هي فقط سياسة وأسلوب متبع أعتقد أننا يجب أن نكون قد اعتدناه فلا يدهشنا أو يثير أسئلتنا يوما، بل أعتقد أننا يجب أن نقلق إذا لم يتبع الحاكم تلك السياسة، حتى أني أراهن أن الكثير كان جالسا منتظرا اللحظة التي يحرك فيها السيسي قلعته ليكش ملك عنان، ليس لشيء شخصي ولا لكون هذا السيسي وهذا عنان، فالأسماء هنا لا تختلف. تلك سياسة كل من مر على حكم مصر.

وبالرجوع إلى الوراء قليلا وبداية من ثورة 1952 تجد الكثير من المحطات التي تخبرك بأن نظرية الإقصاء متأصلة فينا منذ الأزل وليست حكرا ولا صنعت خصيصا لأحد، فنقف في أولى المحطات عند يوسف صديق أحد الضباط الأحرار وعضو مجلس قيادة ثورة 1952 والذي وبعد انتهاء الثورة كان ممن طالبوا بتحقيق الديمقراطية وعودة الجيش إلى ثكناته، كان صاحب الرأي الذي لم يلاق استحسان من لمع في أعينهم الحكم، فقام هو بتقديم استقالته، لتبدأ رحلة عقابه بالنفي أولا إلى سويسرا ثم إلى لبنان، ليجدوه فجأة أمامهم في مصر فقاموا بتحديد إقامته. ثم في 1954 عندما هب الشعب ثائرا مطالبا بعودة الجيش إلى ثكناته استطاع يوسف صديق أن ينشر رأيه في جريدة "المصري" ثم في "روز اليوسف" ليجد نفسه بعدها معتقلا في السجون الحربية. 

اتهم السادات الفريق سعد الدين الشاذلي بأنه تسبب بالثغرة التي استغلها العدو الصهيوني، مما جعل الشاذلي يرد مدافعا عن نفسه نافيا كل ما اتهم به ملقيا اللوم على السادات
اتهم السادات الفريق سعد الدين الشاذلي بأنه تسبب بالثغرة التي استغلها العدو الصهيوني، مما جعل الشاذلي يرد مدافعا عن نفسه نافيا كل ما اتهم به ملقيا اللوم على السادات
 

بالإضافة أيضا إلى الضابط خالد محي الدين، الذي نُفي هو الآخر إلى سويسرا جراء اعتراضه على بقاء الجيش ومطالبته بالعودة إلى الثكنات، تلك المطالب التي شاركه فيها أول رئيس لمصر محمد نجيب والتي لم ترض بقية من استهواهم الحكم وشهوته فقدم استقالته، ثم عاد ثانية ليجبروه هم بعدها على الاستقالة ولم يكتفوا بذلك بل حددوا إقامته حتى عام 1971 حين ألغاها السادات، ولكنه منعه من أي ظهور إعلامي حتى توفي. 

مرورا بكمال حسين أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة والذي عند اصطدامه مع الرئيس حينئذ جمال عبد الناصر بسبب اعتراضه على الحريات والسياسات المتبعة فوجئ بتحديد إقامته عام 1965 في إحدى الاستراحات بالهرم، كما كان الأمر مع عبد الحكيم عامر، الذي بعد خلافاته مع جمال عبد الناصر عقب حرب 1967، أو كما تسمى النكسة، وبعد القرار الرئاسي بتنحيته من قيادة الجيش وتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية الأمر الذي أزعج عبد الحكيم عامر مما جعله يعود إلى بلدته إسطال، ثم عاد ثانية إلى منزله بالجيزة ليجد نفسه بعد شهر واحد فقط من عودته قد وضع قيد الإقامة الجبرية حيث توفي في سبتمبر من العام نفسه مسموما، الأمر الذي حمل خلافات كثيرة بين أنه قد انتحر، وبين عائلته وآخرين ممن يدعون بأن السم قد دس له عمدا من قبل أجهزة أمنية.

ليأتي الفريق محمد فوزي قائدا للجيش خلفا لعبد الحكيم عامر والذي نهض الجيش على يديه وشهد تطورات فعالة ومؤثرة واستمر حتى عام 1971، ثم استقال احتجاجا على سياسات الرئيس السادات، وتطبيقا لسياسة الإقصاء تم اعتقاله هو ومجموعة كبيرة معه وحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة لاتهامه بالتآمر ضد الرئيس السادات في ما عرف بثورة التصحيح. 

الإقصاء ما هو بجديد ولا مستحدث تلك سياستهم المتبعة قانون
الإقصاء ما هو بجديد ولا مستحدث تلك سياستهم المتبعة قانون "اللي مش عاجبك مشيه" مسيطر ومهيمن على كل من تطأ قدماه حكم مصر فلا مجال للاندهاش كلهم كانوا وسيكونوا عنان
 

ثم نصل إلى الفريق سعد الدين الشاذلي، الذي لا يختلف عليه اثنان، صاحب العقلية العسكرية الفذة وباعث الحماس والإرادة في الجيش المصري كله من خلال التوجيهات التي أصدرها، فنجد اختلافا بين الفريق الشاذلي من جهة وبين السادات والمشير أحمد إسماعيل من جهة أخرى، فبعدما خالفا نصائح الشاذلي وأمر السادات بتقدم قواتنا في حرب أكتوبر إلى خارج نطاق الحماية الجوية، مما جعلنا محاصرين من الجيش الإسرائيلي وحول نصرنا إلى هزيمة، عادوا مرة أخرى ليخالفوا الحل الواقعي الذي قدمه الشاذلي للخروج من هذا المأزق، وعند احتدام الخلاف قام السادات بإقصاء الشاذلي فترة قصيرة خلال الحرب قبل ن يقرر إنهاء أي علاقة للشاذلي بالقوات المسلحة وإرساله خارج مصر وتعيينه سفيرا لمصر في لندن، ثم في البرتغال حيث استقال منها نتيجة اعتراضه على معاهدة كامب ديفيد وذهب إلى الجزائر كلاجئ سياسي.

وزاد الأمر اشتعالا حين اتهم السادات الفريق سعد الدين الشاذلي بأنه تسبب في الثغرة التي استغلها العدو الصهيوني، مما جعل الشاذلي يرد مدافعا عن نفسه نافيا كل ما اتهم به وملقيا اللوم على السادات لتجاهله نصائح كل من حوله واتخاذه قرارات خاطئة تسببت في قلب الموازين، بالإضافة إلى تضليل الشعب في كتابه "حرب أكتوبر" الذي كان سببا في محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة وفور عودته إلى مصر عام 1992 في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك قبض عليه ليقضي مدة الحكم وسحبت منه جميع الأوسمة والنياشين.

والحقيقة أن لا أحد كبير على سياسة الإقصاء، فالسادات الذي فعل ذلك كله بالشاذلي وغيره هو الآخر قد تم اغتياله اعتراضا على معاهدة كامب ديفيد من قبل قيادات في الجيش معترضة على تلك المعاهدة.

كل تلك كانت محطات من التاريخ استحقت الوقوف والتدقيق، تكملها محطات أخرى لن أتحدث عنها لأننا عاصرناها بأنفسنا قد يكون آخرها اعتقال العقيد قنصوة ورئيس الأركان الأسبق سامي عنان، لنعلم أن الإقصاء ما هو بجديد ولا مستحدث، تلك سياستهم المتبعة؛ قانون "اللي مش عاجبك مشيه"، مسيطر ومهيمن على كل من تطأ قدماه حكم مصر فلا مجال للاندهاش كلهم كانوا وسيكونوا عنان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.