شعار قسم مدونات

عندما سقط رقم واحد

مدونات - شموع الميلاد

عندما دقت الساعة الثانية عشر صباحا، انطفأت الأنوار والشموع من حولي، الجميع يغنون لي، وقبلاتهم تنهال علي من الأيمن والأيسر، والداي وضعا أمامي كعكةَ الميلاد كما يفعلان كل سنة، قطعت الكعكة بكل سعادة، وعندما حان وقت تقديم الهدايا كانت المفاجأة أن أمي اشترت لي طوقا من الذهب كهدية بدلا من دمى الباربي الزهرية كما كانت تفعل عندما أتممت بقيةَ أعوامي الماضية رغم علمها بأني مهووسة بهن، استغربت كثيرا.. فحركت أصابعي وقلبتها لأحصي سنيني، عرفت حينها أن الدمى لم تعد تليق بفتاة أتممت عامها العشرين من وجهة نظرها على الأقل.

   

قبل أربعة، خمسة، ربما ستةَ أعوام.. كنت طفلة صغيرة.. نظرتي للحياة بيضاء نقية.. لا أتوقع الإساءة أبدا؛ لا أعرف أي مفهوم يعكس مفهوم اللاحب، فدائما أستقبل الكلام بصدر رحب وأحاول تبرير أفعال الناس وأقوالهم التي لم يأبهوا بها أصلا.. كنت أظن أن الجميع يعيشون بسعادة؛ فما كنت أرى أن هناك شيئا على هذه الأرض يستدعي الألم.. قد تجدني فرحة طوال اليوم بفعل كلمة طيبة أو هدية وضيعة من أحدهم؛ فسعادتي لم تكن تتجاوز هذا الحد من السذاجة.

    

عندما سقط رقم واحد من عمري.. رن صدى سقوطه بأذني كقنبلة نووية أيقظتني من غفوتي وجهلي بكل ما يحيط بي.. أحسست بأن كل شيء سيبات مختلفا، وما كان يصلح البارحة لا يصلح غدا؛ إنها لَنقلة عقلية وليست رقمية فحسب.. أنا ابنة العشرين عاما من الآن فصاعدا يجب علي التربص جيدا بين حشد من الجماهير الغافلة عن الواقع.. سأكون سيدة قراري وأنا وحدي من أتحمل مسؤولية أفعالي وأقوالي. أصبحت أنظر للحياة من منظور آخر..

    

أدركت الكثير من المفاهيم والمبادئ التي كانت تتردد على مسامعي طوال الوقت وفهمتها بشكل أعمق بكثير مما كنت أتصور. عرفت أن الأحلام والطموحات هي الأكسجين وحقنة الأنسولين التي تشعرك أنك ما زلت على قيد الحياة وأنك إنسان ذو قيمة لا عبء على هذا المجتمع. وأن النجاح لن يأتي ليطرق بابك إن لم تدعه للزيارة، ولن يأتي أحدهم ليقدمه لك على طبق من ذهب وأنت مستلق على أريكتك.. فالنجاح يتطلب منك السعي والجد والاجتهاد، يتطلب سقوطك ونهوضك بشكل أقوى كل مرة؛ فهو الشيء الوحيد الذي سيكبر معك كل يوم ويجعلك تكبر بعين نفسك.. "انجح من أجلك لا من أجلهم".

 

تعلمت أن أعيش لي.. وأسعد نفسي بنفسي.. تعلمت أن أفعل ما أحب وإن كان غير مرغوب بالنسبة لهم، حتى لو أحببت القفز من أعلى الشمس؛ لفعلت ذلك
تعلمت أن أعيش لي.. وأسعد نفسي بنفسي.. تعلمت أن أفعل ما أحب وإن كان غير مرغوب بالنسبة لهم، حتى لو أحببت القفز من أعلى الشمس؛ لفعلت ذلك
  

تعلمت أن كل صفعة رمتني بها الحياة أرضا ستمنحني فيما بعد أضعافا من القوة للنهوض وحدي والتصفيق بحرارة.. فالتصفيق لا علاقة له بالفرح.. فأنا اليوم أصفق لكل عثرة تمنحني المزيد من الوعي والإدراك اللامتناهي بكل ما يحدث على هذا المسرح الكروي الواسع؛ فدرس الفيزياء لم يكن مجرد أرقام وحسابات عابرة، فأنا أعرف أن لكل فعل رد فعل؛ إن دفعني شيء ما خطوة إلى الوراء، ما سيكون رد فعلي إلا التقدم خطوتين إلى الأمام.."انهض وانفض غبار الفشل وتابع طريقك".

   

وإن الرضا والقناعة بالقدر خيره وشره هو أول خطوة نحو سكينة النفس وهدوئها، وكل ما يحدث لي هو شيء مقدر من الله ليغمرني بخيره.. فمع كل موقف كانت تصيبني دهشة تجعلني أعيد ذاكرتي إلى الخلف لأدرك تدبير الله لي في كل مرة كنت سأذهب فيها إلى الهاوية ولم أفعل.. فعندما مرت السيارة من جانبي و أنا على بعد خطوتين منها ونجوت من الموت أصبحت أعد للعشرة قبل عبوري الشارع.. عندما قابلت أناسا فاعترضتنا ظروف فابتعدنا تعلمت أن أحسن الاختيار لمن حولي في المرة القادمة.. عندما كسرت تماما ومر أحدهم لينتشل فتاتي الأخير بعدما حسبت مروره مرور الكرام عرفت أن الله يسخر لنا من لدنه أشخاصا يجعلوننا ندرك دناءة من كان السبب في هزيمتنا.. "اتركها لله فربك أعلم بها".

   

تعلمت أن أعيش لي.. وأسعد نفسي بنفسي.. تعلمت أن أفعل ما أحب وإن كان غير مرغوب بالنسبة لهم، حتى لو أحببت القفز من أعلى الشمس؛ لفعلت ذلك. فالجميع مشغولون بأنفسهم ولا أحد سيكترث لأمري إلا عندما يسمعون صوت أنيني ليروا ضعفي لا للوقوف بجانبي.."فكن صديق نفسك". ولأنني أدركت وعرفت وتعلمت ما يفوق العشرين حكمة والعشرين مبدأ التي كانت تنضج بداخلي منذ أن كان عمري سنة واحدة لا أدركها اليوم؛ عرفت أنني أكبر بفعل المواقف لا بفعل السنين "كبر يوم ميلادك ألف سنة لا سنة واحدة".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.