شعار قسم مدونات

عفرين.. صفعة تركية روسية إيرانية

blogs - TurkeySoldiers
فعلتها تركيا.. وضربت
هل كانت لتفعلها لولا أنها نسقت مع روسيا وإيران في ضرب حلفاء أميركا؟ بالتأكيد، فلن تعبر تركيا الحدود إلى مسرح الصراع الدولي في سوريا وتُدخل جيشها إلى أرض تتزاحم في سمائها طائرات روسية وأميركية، وتضرب بيد من حديد عدوها الأزلي وحليف أميركا الوليد في المنطقة. ليست هذه هي العملية العسكرية الأولى لتركيا في سوريا، لكنها لا تختلف كثيرا عن عملية درع الفرات التي دخلت فيها لقتال تنظيم الدولة في جرابلس لسبب يشبه السبب الذي أدخلها اليوم، فالعملية العسكرية في جرابلس قبل أكثر من عام كانت تهدف لقطع الطريق على الوحدات الكردية الزاحفة باتجاه جرابلس بدعوى "محاربة الإرهاب".
 
وكانت العملية التركية بالتنسيق مع الروس والأميركيين، حيث كانت علاقة تركيا مع أميركا أقل توترا. أما اليوم فتركيا تدخل في حلف جديد مع أعدائها بالأمس "روسيا وإيران" وهذا الحلف دُفعت له بعد أزمة الثقة المتفاقمة مع أميركا المندفعة لدعم الوحدات الكردية في شمال شرق سوريا، وخصوصا بعد تمدد هذه الوحدات وسيطرتها على مساحات واسعة وإطلاقها شعارات مستفزة ومعادية لتركيا، كان أبرزها ما ارتفعت به أصوات التصريحات بأحلام الانفصال ونشر الخرائط للدولة الكردية المفترضة.
       
المكاسب الروسية الإيرانية

بالفعل وافقت روسيا وأذعنت إيران – صاحبتا النفوذ الأكبر في سوريا- على بدء العملية العسكرية التركية في عفرين بعد مشاورات طويلة ظن البعض أنها صفقة تنازل من تركيا تخلّت فيها عن آخر الأوراق المتبقية لها في سوريا. وعند الخوض عميقا في خفايا "غصن الزيتون" و-هو الاسم الذي أطلقه الجيش التركي على العملية- يتبيَن أن المصالح الروسية الإيرانية من العملية تتساوى مع مصالح تركيا منها، بل وربما تفوقانها في المكاسب ..لأن المكاسب التركية واضحة ، فعدو تركيا وهم الوحدات الكردية التي تسعى إلى إنشاء دولة على حدودها بمساعدة أمريكا وهذا ما تعتبره تركيا خطرا على أمنها القومي.

   
لكن عند الوقوف على المصالح الروسية والإيرانية تبدو العملية التركية صفعة مباشرة إلى حلفاء أميركا، وهي بالتالي صفعة للنفوذ الأميركي في سوريا والذي يسعى الروس والإيرانيون لتقويضه كي يتفرّدا بالقرار المنزوع من النظام السوري والمعارضة على حد سواء. فروسيا وإيران منذ بداية تدخلهما في سوريا تتجنبان الصدام المباشر مع أميركا، لكنهما لم تتهاونا مع فصائل المعارضة المدعومة من واشنطن واستهدفت روسيا بطائراتها عدة فصائل مدعومة من أميركا ولم تحرك أميركا ساكنا.

  

ضغط العملية التركية قد يدفع الأكراد لإبرام صفقة مع النظام لتسليمه مدينة عفرين وبعض القرى التي لم يصل لها الجيش التركي بعد، وبهذا تكون الطريق قد قُطعت أمام تقدم الأتراك ولم يعد هناك مبرر لتقدمهم أكثر
ضغط العملية التركية قد يدفع الأكراد لإبرام صفقة مع النظام لتسليمه مدينة عفرين وبعض القرى التي لم يصل لها الجيش التركي بعد، وبهذا تكون الطريق قد قُطعت أمام تقدم الأتراك ولم يعد هناك مبرر لتقدمهم أكثر
 
صفعة للوحدات الكردية

ومع هذه الأطماع الروسية والإيرانية الجيوسياسية الممتدة من بغداد إلى بيروت مرورا بدمشق، فمن الطبيعي توجيه الصفعات للمنافسين في مسرح الصراع، والصفعة في عفرين قد تكون مباشرة إلى "الوحدات الكردية " الخارجة عن طاعة النظام والمرتمية في أحضان أمريكا، فهذه الصفعة ستعطيهم الدرس بأن أمريكا تتخلى عن حلفائها في المنطقة عند أول نِزال قد يكلفها الخوض في حرب برية شبيهة بغزو العراق والذي اصطدمت فيه مع السنة وخسرت الكثير، وكانت المكاسب للشيعة الموالين لإيران، ومن الواضح أن سياسة أميركا تغيرت بعد حرب العراق وأولوياتها تبدلت، فأميركا التي قادت تحالفا دوليا ودفعت بجيشها الجرار للإطاحة بنظام صدام حسين، دخلت في حرب استمرت لسنوات وخسرت الكثير من جنودها، ثم خرجت من العراق وإيران تُحكم سيطرتها على القرار السياسي في بغداد.
 
ولكن يبدو أن الوحدات الكردية ستفهم الدرس متأخرة ولم تتعظ أيضا من تجربة كردستان العراق قبل أشهر عندما أعلن القيادي الكردي مسعود البرزاني عن استفتاء استقلال الإقليم، مراهنا على موقف أميركي داعم لخطوته الجريئة وانتهى به المطاف بصمت أميركي ومعارضة من دول الإقليم وعلى رأسها تركيا وإيران، ثم دفع ثمنه عندما تقدمت القوات العراقية والميليشيات الإيرانية على مدينة كركوك لينتهي مشروع الإستفتاء، واليوم وبعد اطلاق الأتراك لأول رصاصة في عفرين خرجت التصريحات الأميركية الخجولة والداعية لضبط النفس تارة وتقديم العروض على الأتراك تارة أخرى. محاولِة توجيه ضغط سياسي غير معلن على تركيا لوقف العملية .
       

عفرين إلى أين؟

رغم هذا الصمت الإيراني والموافقة الضمنية للروس إلا أن النظام لم يتوقف عن لهجة الخطاب الواضحة في تصريحاته بوصفه التدخل التركي عدوانا على سيادة أراضيه، وخلف هذه التصريحات تتضح خفايا ونوايا إيرانية واضحة، فالوحدات الكردية لن تستطيع الصمود طويلا أمام الهجوم التركي ومعه فصائل درع الفرات المتعطشة لاسترجاع القرى التي خسرتها بسبب تقدم الوحدات الكردية، سيكون أمام الوحدات الكردية خياران: إما أن تعتمد على المحاولات الأميركية بالضغط على تركيا لوقف الهجوم، وقد كان هذا واضحا في العرض الأميركي لتركيا وهو اكتفاء الأتراك بمسافة أمان تصل إلى ثلاثين كيلو مترا داخل الأراضي السورية، وبهذا يكون الحل مرضيا للأكراد وأميركا التي تريد تفويت الفرصة على إيران . أما الخيار الثاني فيأتي حسب نتائج ضغط العملية التركية الذي قد يدفع الأكراد لإبرام صفقة مع النظام لتسليمه مدينة عفرين وبعض القرى التي لم يصل لها الجيش التركي بعد، وبهذا تكون الطريق قد قُطعت أمام تقدم الأتراك ولم يعد هناك مبرر لتقدمهم أكثر، وهذا سيرضي الأتراك جزئيا ولكنه ليس لصالح أميركا.. لأن دخول النظام هو مكسب جديد لإيران وروسيا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.