شعار قسم مدونات

مع سانشيز.. الخسران كسبان

سانشيز

سانشيز هو نجم هذا الأسبوع في إنجلترا وأوروبا والعالم، جزء منه مهاجم، جزء جناح، وجزء صانع لعب، اللاتيني يجيد لعب هذه الأدوار بنجاح، لا يمكن القول إنه مذهل في أي منهم، بإيجاز هو ليس أفضل مهاجم/ جناح/ صانع لعب في العالم، لكنه يفيد فريقه في كل مراكز الهجوم، سواء بالتسجيل أو الصناعة أو الضغط، ليساعد اليونايتد في مختلف المنافسات، خصوصا أنه بمقدوره اللعب في دوري أبطال أوروبا.

 

أصر مورينيو على جلب أليكسيس، وافق مدراء الأولد ترافورد على جعله اللاعب ذا الراتب الأعلى في البريمرليج، مع كونه مهما على الصعيدين الفني والخططي، بالإضافة للدفعة المعنوية المطلوبة إعلاميا وجماهيريا جراء ضمه، فالبرتغالي يعلم جيدا أن مان سيتي صار الفريق الأهم في مدينة مانشستر، قياسا بالنتائج والأداء واهتمامات الصحف والمحللين. وبعد الهزيمة في الديربي على أرضه وبين جماهيره، كان لزاما هزيمتهم ولو خارج الملعب، بالدخول في صفقة سانشيز وخطفه منهم في النهاية، بعد رفع راتبه الأسبوعي وترغيب إدارة آرسنال بمخيتاريان، لقد كانت خطوة موفقة من الألف للياء.

 

لا أضع كاشاي "شهرته" أبدا ضمن الصفوف الأولى، هو لاعب مميز ومفيد لأي مدرب، لكنه ضعيف بعض الشيء على مستوى صناعة القرار والذكاء داخل الملعب، بالمختصر معدل الـ IQ أو نسبة الذكاء له عادية، وهذه كانت أهم مشاكله في آرسنال، لا أموال فقط ولا بطولات كما يعتقد البعض، بل لأنه لعب دورا أكبر من قدراته، ليضعه فينجر كمحرك ودينامو التشكيلة، ويعطيه الحرية الكاملة كنجم الفريق الأول، رغم أنه أبدا لم يوجد ليكون البطل، هو فقط صديقه، لأن اللاتيني قراره أقل من فئة السوبر ستار الذين يفكرون قبل حتى أن تأتيهم الكرة، ويتخيلون اللعبة بالكامل قبل ثوان من حدوثها، في النهاية سانشيز غير أوزيل.

 

سانشيز يستطيع التواجد كمهاجم صريح أمام بوغبا وشركائه، وسوف يجد الدعم الكامل من الأجنحة السريعة كراشفورد ومارسيال، مع قدرتهم على استغلال تمركزه للتوغل من الخلف إلى منطقة الجزاء
سانشيز يستطيع التواجد كمهاجم صريح أمام بوغبا وشركائه، وسوف يجد الدعم الكامل من الأجنحة السريعة كراشفورد ومارسيال، مع قدرتهم على استغلال تمركزه للتوغل من الخلف إلى منطقة الجزاء
 

حول الإعلام مؤخرا صراع سيتي-يونايتد على سانشيز إلى منظور الألقاب والمال، من خلال تصدير نظرية بأن نجم شيلي اختار الراتب المرتفع عوضا عن الدوري شبه المحسوم، لكن الموضوع أعقد من ذلك، فمجموعة مورينيو أنسب له من كتيبة بيب، في الشق الخططي البحت. لن يبعد كثيرا عن حالة أغويرو مع الفيلسوف، حيث إن الأرجنتيني يعاني من كونه لاعبا مهمشا بالتشكيلة، لا يُطلب منه الهدف والأسيست كما اعتاد، بل يضغط ويمرر ويتحرك، وربما لا يلمس الكرة طوال التسعين دقيقة إلا في 4-5 لقطات، وهذا ما كان مجهزا سلفا لأليكسيس في حالة انتقاله إلى ملعب الاتحاد، مجرد عامل مساعد يخدم المنظومة، لا أكثر ولا أقل، كما استخدمه من قبل في موسم 2011-2012 في برشلونة.

 

يختلف الحال كثيرا في اليونايتد، لأن سانشيز سيحصل على أريحية أكبر، سواء لعب كمهاجم صريح/ متأخر أو جناح، محتفظا بضالته التي يفضلها دائما، ألا وهي الاحتفاظ بالكرة لفترة طويلة وعدم التمرير إلا في أضيق الظروف، وهي المعضلة التي واجهته مؤخرا، بعد نفاد صبر الجماهير من كثرة الكرات المقطوعة والهجمات المعطلة، لذلك فإن قراره قد يكون مرتبطا بالمادة، لكنها لم تكن أبدا الإجابة، لأن هناك عوامل أخرى تبدو أهم، كحرية اللعب داخل المستطيل وتقديمه كسوبر ستار يخدمه الفريق لا العكس.

 

سواء لعب جوزيه بخطة 4-3-3 أو 4-2-3-1 أو حتى 4-5-1، فإن سانشيز يستطيع التواجد كمهاجم صريح أمام بوغبا وشركائه، وسوف يجد الدعم الكامل من الأجنحة السريعة كراشفورد ومارسيال، مع قدرتهم على استغلال تمركزه للتوغل من الخلف إلى منطقة الجزاء، وهو الرسم الأفضل له وللفريق، بينما في حالة البدء بلوكاكو في المركز 9، للاستفادة من قوته البدنية في الصراعات الهوائية، فإن الوافد الجديد سيحصل على ميزة كسب الكرة الثانية، بعد تحولها من الجو إلى الأرض، لضرب الخصوم سريعا بالمرتدات القاتلة، مع أقل عدد من التمريرات باستخدام الجناح المقلوب، القادر على التحول من الطرف إلى العمق، وتسديد الكرات في الشباك مباشرة، في كل الأحوال مانشستر يونايتد فاز فنيا بهذه الصفقة.

 

آرسنال بالتأكيد غير سعيد بفقدان سانشيز، لكن هذه هي كرة القدم، ومع التسليم بالاختلاف الكبير في الأسلوب بينه وبين أوباميانج، إلا أن التعاقد مع الجابوني بمثابة الخطوة الموفقة لإدارة المدفعجية، فلاعب دورتموند سريع جدا بالكرة ومن دونها، يعشق القدوم من الطرف إلى العمق والعكس، وبارع في القطع خلف المدافعين واستغلال المساحات الشاغرة أمام المرمى. وبالعودة إلى تشكيلة فينجر الحالية، يوجد لاكازيت، المميز في البناء والاستلام تحت ضغط، والسيء في الركض والتسجيل من الحركة، لتكون فكرة دعمه بمهاجم سريع أمرا مقبولا، الأول يفتح طريقا والثاني يعبر من خلاله.

 

هنريك مخيتاريان  (رويترز)
هنريك مخيتاريان  (رويترز)

مخيتاريان أيضا نموذج مختلف تماما عن سانشيز وأوزيل، الأرميني وسط مباشر للغاية، يعشق التحولات ولعب دور الصانع الوهمي، بشغل المركز 10 على الورق، لكنه لا يتمركز داخله في الأغلب، بل يتحرك حوله ويستخدمه للتسديد وتسجيل الأهداف عندما تحن الفرصة، أرون رامسي الوحيد في تشكيلة آرسنال من يُشبهه إلى حد ما، ومع كثرة إصابات الويلزي وغياباته، فإن هنريك قادر على ملء مكانه أو حتى اللعب بجواره أمام تشاكا، لكن دون التفريط في أوزيل بالصيف، فالألماني ليس له بديل في السوق، وطريقة فهمه لتفاصيل التمركز تجعله مهما لزملائه، حتى وإن لم يلمس الكرة.

 

لم يعد السؤال عن 4-2-3-1 أو 4-3-3 أو 4-4-2 ومشتقاتها، فآرسنال يمكنه اللعب بثنائي هجومي وتحته ثنائي بين العمق والأطراف، أو مهاجم وحيد رفقة ثنائي من الأجنحة وثلاثة بالوسط، المهم في النهاية زيادة اللاعبين القادرين على التصرف في الفراغات الضيقة، عملا بالقاعدة الصحيحة التي تنص على تحسن مستوى أي فريق كبير، كلما تحصل على أكبر عدد ممكن من صناع اللعب، وفي رواية أخرى، كلما أوجد الخلطة التي تسمح له بوضع أكثر من إسم خلف الكرة لا أمامها.

 

ومن مانشستر وآرسنال إلى السيتي الذي لم يفز بسانشيز، وخسر ساعدا هجوميا جديدا، تحسبا لإصابة أحد نجوم الثلث الأخير، إلا أنه وجد منفذا للرد على حملات التشكيك التي طالته بالفترة الأخيرة، فدفع هذا الراتب الفلكي للاعب قارب على الثلاثين، يعتبر خيارا أقرب للرفاهية، ونسفا لفكرة أن السيتي فقط من يدفع في إنجلترا، ويبقى الفاصل هو الملعب فقط، أو كما قالوا، في الميدان يا حميدان!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.