شعار قسم مدونات

حين أحرجتني الإمارات مرة أخرى

مدونات - امرأة تونسية في مطار الإمارات

عادت العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية التونسية ودولة الإمارات العربية المتحدة، عدنا وكأن جرحا لم يكن. عدنا ولم يبق في ذهني إلا سؤال زميلي الباكستاني يوم جلسنا في المقهى الجامعي نتبادل أطراف الحديث حول بحثنا في مادة التبادل الثقافي، حين قال: لم أفهم بعد كيف لدولة عربية منعك من ركوب طيرانها الجوي؟

 

توقفت عن الرقن على جهاز الحاسوب أمامي واستدرت وكأن أحدهم وخزني بإحدى الإبر، لقد كنا ثلاثة منغوشا البنغالي وهدايات واجد من باكستان. نظرت إلى وجهيهما اللذين كستهما علامات الاستفهام والكثير من الحرج وكنتُ أتوسطهما وأحاول حفظ ماء وجهي بابتسامة صفراء علها تخفي الوجوم الذي اعتراني عقب السؤال. ولكن واجد أعاد طرح سؤاله بطريقة مرحة: لما كنت شاردة الذهن في ذلك الفيديو، هناك في مطار بيروت؟ هل لا تزال حالة التوتر مستمرة بين الإخوة العرب؟

 

عادة أستعين بأبيات مفدي زكريا في مثل هذه الأوقات: *نحن من قمم الأوراس ولسنا من نجد أو حلب، أجدادنا من الأمازيغ ولم يكونوا يوما من العرب *. ولكن ماذا سيغر ذكر الأمازيغ والعرب في ذهن هذا الباكستاني وذاك البنغالي الجالسين قبالتي منتظرين مني تحليلا لمظلمة تعرضت لها. فهؤلاء لا يفهمون أعراقنا، يروننا عربا أصحاب لسان واحد موحد وسحنة واحدة وعلي أن أشرح لهم أمرا يبدو مريبا! أمرا اكتشفت حينها بأنه لم يعد خلافا دبلوماسيا بل فضيحة! كيف لي إخبارهم بأنه بعد سبعين سنة من تأسيس جامعة الدول العربية تقوم الإمارات بمنعي من نزول ترانزيت على ترابها؟ وكيف لي أن أشرح لهم أن القرار لم يكن يشمل الذكور بل موجه للنساء فقط؟

 

أظن أن موقف الإمارات كان رسالة لتفنيد قصيدة كريم العراقي التي جاء فيها: نحن قوم أرضنا أم.. نلبي ما تشاء، ولها نقف احتراما نحن نحترم النساء

ولكني استجمعت قواي وشرعتُ في السفسطة وبمقدمة عصماء عن العلاقات بين دول الخليج ودول شمال افريقيا، وما تمر به المنطقة من أزمات سياسية منذ انطلاق ثورات الربيع العربي وما قبل ذلك من حرب الخليج وما عرفناه من أزمات سياسية، وأضفت بصوت عال: الأمريكان والصهاينة يكرهون أن يرونا بخير! وأسهبت في كلامي بلكنة إنجليزية ترافقها مصطلحات فرنسية لإضافة بعض البرستيج إلى خطابي الذي بدا مقنعا لمنغوشا البنغالي إذ جعلته يُصدق أن الأمر كان أكبر من منعي من ركوب طائرة، وأن المسألة عميقة عمق آبار النفط وتتجاوزنا نحن الشعوب المقهورة. وهكذا حفظت السفسطة ماء وجه العرب!

 

ومع عبارات مثل غموض والإشكاليات والأزمة والأعداء كانت تحليلاتي تلقى الإصغاء من واجد الذي نسي قصة منعي من ركوب الطائرة وتحولت دفة الحديث نحو الدولار ورغبات الأمريكان في السيطرة على خيرات العرب والمسلمين! ابتسمتُ وارتشفتُ من كوب الشاي الصيني وتنفستُ الصعداء، وحمدتُ رب العالمين الذي جعل لي أمريكا وإسرائيل أوراق توت أواري بها سوءات العرب!

 

بعد سبعين سنة من تأسيس جامعة دول العربية، أرفع جواز سفري أمام مكتب الطيران الإماراتي: سجل أنا كاتبة تونسية! سجل أنا الممنوعة من ترانزيت عبر إحدى مطارات العرب! أظن أن موقف الإمارات كان رسالة لتفنيد قصيدة كريم العراقي التي جاء فيها: نحن قوم أرضنا أم نلبي ما تشاء، ولها نقف احتراما نحن نحترم النساء. وأظنها معارضة لما جاء على لسان نبي العرب صلوات الله عليه يوم أوصى بالنساء خيرا، وأغلب الظن أنه حنين لزمن الجاهلية حيث وأد البنات وهن رضيعات، وانتهاك حقوق النساء.

 

هل من مذكر أشقاءنا بأن الظلم ظلمات، وهل من رسول يخبرهم: في حال ما خانتكم المبادئ استحضروا قيم الرجولة، وهل من تقي يُعلمُهم أن الحرب على النساء عار، وأن قتل الكحل في العينين لا يُسمى في عرف العرب انتصارا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.