شعار قسم مدونات

شقيق البطل!

Blogs- man
 البوهيمي الحق عملة نادرة في بلادنا.. المشكلة أن الناس اعتمدوا في تعريف البوهيميين على الفنان أحمد راتب في فيلم (يارب يا ولد)، فسلّموا معه أن البوهيمي هو الشخص الذي يفعل ما يحلو له، وهو تعريف لطيف لكنه منقوص، لأن البوهيمي الحق هو الشخص الذي يفعل ما يحلو له، دون أن يخشى مواجهة عواقب أفعاله، ودون أن يتهرب من تحمل مسؤولياتها، وهو ما يُخرج من مِلّة البوهيميين أدعياء كثيرين يتصورون البوهيمية شكلا ومظهرا، متجاهلين أنها موقف متكامل من الكون والوجود، قد يبدو لك لطيفا وسهلا، لكن ممارسته ستوصلك إلى نتائج ليست لطيفة بالضرورة، ولا سهلة بالمرة.
  

في أواخر عام 1994 سمعت لأول مرة كلمة (بوهيمي)، وهي تُطلق على شخص من لحم ودم، بعد أن كنت أقرأ عنها منسوبة إلى شخصيات عاشت في أمكنة وأزمنة بعيدة، كنت وقتها قد بدأت أتدرب في مجلة "روز اليوسف" التي كانت وقتها الأنجح في الساحة الصحفية، وكان يكتب فيها كبار كتّاب مصر ويتردد عليها أهم فنانيها، كانت تجاربي السابقة القصيرة في صحف أخرى بفتح الألف، قد علمتني أن أهم مفاتيح الصحافي المبتدئ في مكان عمله، ليس بالضرورة علاقته بالصحافيين الأقدم منه، لأن بعضهم قد يستمتع بتلويعه ومرمطته لتغذية طحالب نفسيته الخربة، وبعضهم قد يغض الطرف عن تلك المرمطة والتلويع، على أمل أن يتعلم الصحافي الشاب منها، أو باعتبار أن المرمطة قدر لا فكاك منه على الجميع، وبعضهم النادر جدا قد يقف إلى جانبه ضد التلويع والمرمطة، ولكن بعد أن تظهر أمارة أنه يستحق تضييع الوقت والجهد عليه، وفي ظل ذلك كله يظل مفتاحك الأهم إلى مكان عمل آمن، هو علاقتك بقدامى العاملين من سعاة وعمال بوفيه ومصاعد وموظفي أمن.

  

إذ بوسع من أراد من هؤلاء الذين قد تستهين بأهميتهم، أن يجعل حياتك جحيما، فيلطعك مثلا في مدخل الصحيفة كل يوم على ملأ من الجميع، بحجة التأكد من شخصيتك، أو لأنه يشك في صحة خطاب التدريب الذي تحمله، أو لأنك نسيت الخطاب في البيت، أو قد يؤخر كوب الشاي الذي طلبته، والذي كان وجوده أمامك لازما لإضفاء المزيد من الشرعية على تواجدك في صالة التحرير، أو يطلب منك ثمنا مبالغا فيه لفنجان القهوة متوقعا أنك لا تمتلكه، أو يزعق فيك حين تطلب منه شراء سندوتشات كالتي اشتراها لغيرك، طالبا منك خدمة نفسك لأنه ليس مرمطون الذين خلّفوك.

 

أما إذا رضي عنك كل هؤلاء أو حتى المهمون منهم، فيا سعدك ويا هناك، لأنك لن تحظى فقط بأهم ما يحتاج إليه صحافي ناشئ: الودّ، بل لأنك ستأخذ "شورت كَت" إلى زُبدة الأشياء، فتجد من يحذرك من هواة الخوازيق والزُنَب، ويدلك على فاعلي الخير والصواب، وينصحك بتحاشي الإدلاء بآرائك أمام فلان، وبضرورة التبسم الدائم لعلّان، فتتفادى مطبات يمكن لوقعها أن يؤلم "عظمك الطري"، لكن المشكلة أن وصولك إلى ذلك الرضا ليس له "كتالوج" موحد، لأن البعض يطلبه بالإكراميات والعطايا، فيصيبون حينا ويخطئون أحيانا، خصوصا في مجلة مثل "روزا"، اكتسب سعاتها وموظفوها سمعة أسطورية، لأنهم من طول عِشرتهم مع كتاب وفنانين متمردين ومشاغبين، أصبحوا بدورهم متمردين وذوي شخصيات خاصة.

   

البوهيمي الحق هو الشخص الذي يفعل ما يحلو له، دون أن يخشى مواجهة عواقب أفعاله، ودون أن يتهرب من تحمل مسؤولياتها

كنت حسن الحظ، لأني نلت مبكرا رضا عم عبد الراضي كبير سعاة المجلة وأحد أهم شخصياتها، ومن رضي عنه عم عبد الراضي نال رضا كل العاملين بالمجلة، وعلى رأسهم موظفو الأمن الذين تقطع تكشيرتهم الخميرة من الأحلام، وما كان ذلك إلا لأني نلت قبلها رضا الحاجة سعاد رضا مديرة عام مؤسسة روز اليوسف وقتها، وهو رضا كان أجمل ما فيه أنه جاء عن طريق الكتابة لا شريك لها. كانت الحاجة سعاد شخصية أسطورية عاصرت صعود وانهيار المؤسسة مرات عدة، واحتفظت بأسرار أبرز من مروا بمجلتيها (روز اليوسف) و(صباح الخير)، وقد حظيت ببهجة صداقتها، حتى بعد تركي الصحافة، حيث كنت أستمتع بلقائها من حين لآخر في منزل أستاذي علاء الديب وزوجته السيدة عصمت قنديل، وكم ألححت عليها أنا وغيري، أن تكتب مذكراتها عن العمر الذي عاشته في مؤسسة كانت الأهم في تاريخ الصحافة المصرية، دون أن نستغرب أنها لم تفعل، لأن حجم ما ستحذفه خوفاً من غضب الزملاء وورثتهم، كان سيجعلها مذكرات منزوعة الدسم والنفع.

  

كنت يومها قد ذهبت لاستلام أول مكافأة عما نشرته في المجلة، ومع أنها كانت 75 جنيهاً فقط، إلا أنها تظل الأغلى على القلب والأكثر إبهاجا للوجدان، ارتبكتُ حين قال موظف الحسابات إن الحاجة سعاد طلبت رؤيتي، فدخلتُ إلى مكتبها أقدم ساقا وأؤخر فخذا، لأفاجأ بها تقابلني بحفاوة مربكة، وتحدثني عن بعض ما نشرته ولفت انتباهها، فسألت عني وعلمت أنني طالب في نهائي إعلام، ما جعلها تحرص على مقابلتي، وبعد أن سألتني بأمومة حانية عن أخبار الدراسة والسكن والأسرة، نادت على عم عبد الراضي، وأوصته بي خيرا، قائلة له عبارة مُلفتة فهمت أنها "سيم" بينهما: "خلي بالك منه، ده مش تبع حد".

 

كان لعم عبد الراضي برغم حدّة ملامحه، ضحكة عريضة سمحة، تفتح النفس على المجلة والحياة، وبفضله تحّسن موقفي في البوفيه فجأة، وأصبحت آخذ عددا مجانيا من "روز اليوسف" و"صباح الخير" كل أسبوع كغيري من الزملاء، لكن يبقى أهم ما قدّمه لي، تحذيري من الاصطدام بواحد من قدامى الصحافيين بالمجلة، كان من عادته أن يصطدم بالقادمين الجدد ويتعامل معهم بوصفهم فرائس قليلة التكلفة، وحين ذكر لي اسمه استغربت، لأنه كان يطابق اسم أديب شهير، كان فيما مضى من كبار كُتّاب المجلة، قبل أن تبعده عنها دوامة التجارب والمنافي، ثم تصل به تقلبات المواقف ليصبح كاتبا ذا شنّة ورنّة في أكبر صحف البلاد، واتضح أن صاحبنا هو أخوه الذي التحق بالمجلة منذ عقود، لكنه لم ينل نفس شهرة ونجاح أخيه.

 

لم يكن من عادة عم عبد الراضي الرطرطة في الحديث، فلم يكلف نفسه عناء تفسير تحذيره، لأعرف من أولاد الحلال معلومات عمن أصبحتُ أُطلق عليه لقب "شقيق البطل"، تمييزا له عن موقع "صديق البطل" الذي يلازم البطل في الأفلام، ويكون أحيانا أحب إلى الجمهور من البطل نفسه، أما شقيق البطل فكثيرا ما تسمع عنه دون أن تراه، وإن رأيته يكون ذلك في مشهد عابر، يمارس فيه الغتاتة على البطل، أو يتلقى منه نصيحة أو سُلفة أو جوابا يُكلّف بتوصيله إلى أم البطل.

 

اخترت شقة في عمارة قديمة، كان أجمل ما فيها شُرفتان، الأولى تُطل على بيت الأمة وضريح سعد زغلول وترى منها قلعة صلاح الدين مُطِلّة من بعيد
اخترت شقة في عمارة قديمة، كان أجمل ما فيها شُرفتان، الأولى تُطل على بيت الأمة وضريح سعد زغلول وترى منها قلعة صلاح الدين مُطِلّة من بعيد
 

كانت المعلومات التي عرفتها عن صاحبنا متضاربة بشكل زاد في غموضه وأسطورته، خصوصا أنني تأخرت في رؤيته، قال البعض إنه كان صحافيا لامعا بل وكان كاتبا أمهر من أخيه، لكن عاصفة غرام خائب لخبطت كيانه، وتضافرت مع إحباطه بأنه لم ينل شهرة ونجاح أخيه، ومع عدم رضاه عن تقلبات مواقف أخيه، فجعل ذلك كله منه سكّيرا نزِقا، يأتي إلى المجلة وهو مبسوط أكثر من اللازم، فيفتعل مشادة مع أي وجه جديد، فيضربه على قفاه، أو يبصق عليه، لكن البعض الآخر قال إن كل تلك الحكايات مبالغات، وإن علاقة الرجل بأخيه ممتازة برغم خلافهما، وكل ما هنالك أن الرجل ساخط على أوضاع البلد، ولذلك حين يلتقي بصحافي جديد ينكشه بسؤال: "وإنت بقى تبع مين من الحرامية؟"، وحين يلتقي بصحافية جديدة يحذرها من تسليم نفسها لفلان أو علّان، ولأنه لا يُزوق كلامه، يظنه البعض جلياطا، بينما هو لا يعجبه حال الصحافة المائل، الذي ظل يواصل التدهور بشكل دفع ثمنه الموهوبون مثله، وهم يرون المناصب التي كانوا أحق بها تذهب إلى المتردية والنطيحة وما قرف السّبع من أكله.

 

وأنه كان يتخذ من قناع السكير الغاضب فرصة لبهدلة "المديوكر"، الذين لم يجرؤ أحدهم على معاقبته، لمعرفتهم أنه سيحارب من أجل حقوقه، وسيسمعهم ما يكرهونه من أسرار وتفاصيل. لكن كل هذا لم يمنع آخرين من التأكيد على أن متلازمة "البوهيمي المتمرد" تأتي معها أعراض جانبية، من أخطرها إمكانية أن يأخذك على غرّة في ساعة شيطان، فيتعرّف على بعض منك بإصبعه الأوسط، لا بيده اليمنى، فتصبح مُسخة الرائح والغادي، وهو ما لم يحتمله البعض فهجروا المجلة، في حين صمد آخرون قاموا بالثأر لأنفسهم، أو طبقوا في زُمّارة رقبته.

 

كان طبيعيا ألا أنشغل بالتحقق من نوع ودوافع بوهيمية أخينا أو بتتبع حكايته مع الزمان، بقدر انشغالي بتأمين جبهتي الداخلية من عدوان مباغت، ولذلك أصبحت أخرج من باب مصعد المجلة فأدور بجسدي دورة كاملة في أروقة المكان، بحثا عن ملامح وجهه الذي قيل إنه كان نسخة من وجه أخيه الشهير، حتى أنني بسبب ذلك الارتباك أهدرت فرصة السلام والكلام مع أحد كتّابي المفضلين، الروائي الكبير فتحي غانم، الذي كان قد جاء لتسليم مقاله الأسبوعي، ولعله لم يفهم لماذا كان "شَحطٌ" مثلي، يسير متلفتا في كل اتجاه، وهو يكاد يُلصق ظهره بحائط الممر الضيق، وهو سلوك لم أتوقف عنه، إلا حين أقسم عم عبد الراضي أن ما سمعته تشنيعة بحق رجل قلبه مثل "البفتة البيضاء"، وكل مشكلته أنه بحالات، لكن أقصاها وأقساها لن يصل إلى حد غرف الآخرين، بل الإمساك بخناقهم إن كان متعكر المزاج، والتريقة عليهم إن راقت غزالته وعَمُرت طاسته، لكنني بعد أن سمعت بدخوله خناقة عاصفة مع رسام كاريكاتير شاب، تطورت إلى تبادل اللكمات والشلاليت، عدت لالتزام أقصى درجات الحذر، خاصة بعد أن علمت أنه عاد للتردد بانتظام على المجلة لمشاكسة أهلها، برغم توقفه عن الكتابة فيها منذ زمن بعيد.

 

وبعد طول تحرُّز، جاء لقائي "المرتهَب" به، كنت يومها قد غادرت المجلة ساعة عصاري، لأقف قُرب مدخلها المطل على شارع القصر العيني، منتظراً مرور صديق لنذهب إلى ندوة ما، وفجأة ألفيت شقيق البطل يقترب من مدخل المبنى، كان التعرف عليه سهلا، فقد كانت ملامحه فعلا تطابق ملامح أخيه، توترت وأسرعت بعبور الشارع إلى الجهة المقابلة زيادة في التأمين، لأفاجأ بهاتف يهتف بي: "إنت ياله، إنت يا تخين، خد عندك رايح فين، استنى عايزك"، انتفض جسدي من الذعر، وأنا أدعو الله ألا يكون هو الهاتف، وألا أكون أنا المهتوف به أو المهتوف فيه، وحين وصلت إلى الرصيف المقابل واستدرت، وجدته يشير نحوي بحركات عصبية مواصلا الهتاف، وهو يهم بعبور الشارع.

 

كان طبيعيا ألا أنشغل بالتحقق من نوع ودوافع بوهيمية أخينا أو بتتبع حكايته مع الزمان، بقدر انشغالي بتأمين جبهتي الداخلية من عدوان مباغت

ولأنني كنت أقف في تمام الخامسة مساء في شارع القصر العيني المزدحم بالخلائق والمركبات، لم يكن لدي الاستعداد للمخاطرة بخوض تجربة التوقف والتبيّن مما يريده، فأخذت أهرول مبتعدا، وحين نظرت خلفي للتأكد من مسافة بُعدي عنه، فوجئت به يمد خطوته وهو يواصل الإشارة لي والهتاف فيّ بما لم أعد أتبينه، فقررت التخفف من أثقال الحسابات، وأطلقت ساقيّ للريح، وكانا لم يلتقيا بها منذ زمن بعيد، ولذلك لم يكن من الحكمة الاعتماد عليهما وأنا أعرف سابقا خذلانهما لي، خاصة أنه بدأ الجري خلفي، ولذلك ما إن اقتربت من محطة الأتوبيس المجاورة لمقهى النادي النوبي، حتى استعدت مهاراتي القديمة كحارس مرمى، وطِرت نحو باب أتوبيس كان قد انطلق لتوه، ليعينني على التوزان فوق درجات سُلّمه مواطنون شرفاء، لم يفهموا لماذا أجري هارباً من رجل عجوز يصرخ غاضبا: "خد يا عبيط رايح فين.. خد لما أقولك".

 

في اليوم التالي، كانت المفاجأة التي عرفتها من أكثر من زميل قديم، أن شقيق البطل جاءهم مستغربا من هروبي منه، خاصة أنني كدت أقتل نفسي وأنا أندفع نحو أتوبيس متحرك، وأنه كان يريد فقط أن يسلم علي ويبدي رضاه عن بعض ما كتبت، وبالطبع أنكرت أن أكون قد جريت خوفا منه، أو أن أكون قد رأيته أصلا، ولتتسق كذبتي، قلت إنني طرت بالفعل باتجاه أتوبيس 803 (أم المصريين ـ حدائق القبة) المتجه صوب بيتي، لكي لا أضطر لانتظار التالي له نصف ساعة، ولم أحفل بتعليقاتهم الساخرة، لأنني كنت سعيدا بنَيل رضا البوهيمي المهيب الذي لا يأمن القادمون الجدد جانبه وأصابعه، ولذلك حين التقيته بعدها بيومين في أروقة المجلة، توجهت نحوه بخطى واثقة، على مرأى ومسمع من المحيطين، لأمد يدي نحوه محييا وناطقا باسمه مسبوقا بلقب "عمّنا"، شاكرا التحية التي أرسلها لي مع الزملاء، فما كان منه إلا أن رفع نحوي عينين زائغتين، وترك يدي معلّقة في الهواء وابتعد ليتركني غارقا في خجلي، ومتجنبا التركيز مع ما حولي من ضحكات، ولم يخرجني مما أنا فيه، إلا عبارة فاجأني أنها جاءت من عم عبد الراضي بالذات: "احمد ربنا إنها جت على قد كده".

 

لم يطُل مقامي في "روز اليوسف"، غادرتها بعد نحو عام، لكن علاقتي بشارع القصر العيني طالت واستمرت، وكنت في أوقات متفرقة، أرى صاحبنا يسير فيه، أحيانا في هدوء وسكينة، وأحيانا وقد بدا عليه الغضب، وسار يُخانق ذباب وجهه، وحين تطلبت الظروف أن أنتقل من الجيزة إلى شارع القصر العيني، لأسكن قريبا من مقر عملي بصحيفة (الدستور)، اخترت شقة في عمارة قديمة، كان أجمل ما فيها شُرفتان، الأولى تُطل على بيت الأمة وضريح سعد زغلول وترى منها قلعة صلاح الدين مُطِلّة من بعيد، والثانية داخلية تبُص على ظهر العمارات الواقعة في شارع حسين حجازي، وقد تحولت المساحة الفارغة بين العمارات، والمصممة لإدخال النور والهواء إلى مقلب زبالة مُعتبر.

 

فكأنك بذلك تطالع وجهي الحياة والقاهرة معا، أو هكذا كنت أفلسف الأمر لأبرر غلوّ الإيجار، ثم اكتشفت مع مرور الوقت أن بلكونة المنظر القبيح تتميز في ظهريات الصيف وعصرياته بطراوة فريدة، فكنت أهرب إليها من حين لآخر، حريصا على عدم إطالة النظر إلى الشبابيك والبلكونات، منعا للخناقات التي يثيرها وجود العُزّاب في عمارات تكتظ بالعائلات، ليخرجني من التركيز في رواية كنت أقرأها ذات عصرية، صوت غير مألوف هتف بي: "يخرب بيتك هو انت يا وله"، وحين رفعت رأسي، وجدت شقيق البطل يقف بملابسه الداخلية في بلكونة مجاورة، وقد بدا في أشد حالاته يقظة، قائلا بسعادة غير مبررة: "آدينا بقينا جيران يا حلو"، فلم أدرِ إن كان ذلك حفاوة أم تهديدا. 
ولم يكن ذلك آخر عهدي به. 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.