شعار قسم مدونات

جذور.. المحاربة من أجل الحرية

Blogs- roots

نحن لا نرى إلا ما نريد ولا نريد إلا ما نرى، وأنسب الأوقات هو الوقت الذي نقف فيه وقفة صادقة مع أنفسنا، تلك اللحظة المليئة بالصدق، الصدق ولا شيء آخر! اللحظة التي تعترف فيها لنفسك بأخطائك دون أن تحاول أن تجد أي منفذ للفرار من حديث النفس.
 

فمِنا من يفرون من أنفسهم بالجلوس وسط الصخب حتى يتسنى لهم عدم سماع ذلك الصوت الداخلي الذي ينادي بوقفة لتقييم الماضي وإيضاح الرؤية ليتسنى العيش في المستقبل بسلام داخلي تام، ولن تجد هذا السلام دون ألم، لا تزال كلمات أستاذي ترن في ذاكرتي: "لكل شيء ثمن"، فالسلام الذي نصبوا إليه لا يعني الهدوء والسكينه، فالهدوء الخارجي قد يصاحبه إعصار داخلي، والهدوء الداخلي تصاحبه حكمة وتريث وبال مرتاح، ورأسك التي يمكنك أن تضعها آخر اليوم على وسادتك وأنت تعرف أنك قد أبليت حسنا.
 
تعتبر الأفلام إحدى الوسائل الثقافية والإعلامية الأكثر أثرا على المشاهد والتي يمكنها أن تحمل في طياتها معاني عميقة وذات أثر لا يستهان به، يمكنها أن تحول وتشكل الأفكار لديك حيث ينشغل العقل باستقطاب الأفكار أكثر من تحليلها، لذا كلما كانت القصة في طياتها ذات معنى ومغزى كان الأثر عميقا ثابتا كجذور شجرة وجدت طريقها إلى الأعماق فعرفت كيف تظل ثابتة، وقد شاهدت الكثير من الأفلام وكنت دائما ما أتحرى في اختياري أن أشاهد شيئا ذا هدف ومغذّ، شيئا لا أكون بعد مشاهدته كما كنت قبله، أن تؤمن بأنك يمكن أن تتحرى الحكمة في كل ما تراه أو تسمعه أو تمر به.
 
"ROOTS" ليس مجرد فيلم يحكي قصة فتى إفريقي اختطِف من أهله وبيع كعبد في أمريكا، فقد حمل الفيلم معاني سامية كالتمسك بالأحلام مهما بدت مستحيلة، والمحاربة لأجل الحرية مهما بدت بعيدة كنجم في السماء تنظر له كل ليلة بإعجاب ولكنك لست قادرا على بلوغة بعد، والمعاني السامية للأسرة، فعلى الرغم من بيع البيض لأبناء عبيدهم كان هنالك أمل باللقاء، أمل بأن تجتمع هذه الأسرة ذات يوم حتى وإن بدى الحلم كضرب من الخيال في وقت كانت السيطرة للرجل الأبيض بحكم لونه الخارجي، ولكنه لم يكن يحمل شيئا من هذا اللون في داخل.
 

الحرية إذا نسبية تأخُذ علاقة طردية مع كل ما نؤمن به وعكسية مع كل ما يهدد هذا الإيمان، فنحن إذا أحرار بما نؤمن
الحرية إذا نسبية تأخُذ علاقة طردية مع كل ما نؤمن به وعكسية مع كل ما يهدد هذا الإيمان، فنحن إذا أحرار بما نؤمن
  

وكيف أن سارة الطفلة البيضاء التي ولدت مع تزامن ولادة كيزي ابنة كونتا كينتي بطل القصة كانت تعتبر كيزي صديقتها الحميمة، وقد علمتها القراءة في الوقت الذي لم يكن من حق العبيد أن يتعلموا، كانت سارة طفلة حاملة للفطرة التي جبلنا عليها، لذا اتخذت من كيزي صديقة لها، ولكن أهم رسالة بعث بها الفيلم في نظري كانت عن طريق "توم" الرجل الذي اشترى كيزي، كان عبدا قبل أن يكون سيدا، كان عبدا لهواه مقامرا على "صراع الديكة"، وقد خسر كل ماله وأرضه في آخر المطاف، فليس هنالك عبودية أسوأ من أن تكون عبدا لهواك.
 
فالحرية في الفيلم كانت تمثل لكل واحد من أبطال القصة شيئا مختلفا، فكانت تمثل لكونتا كينتي أنه محارب، والمحارب شجاع ويبقى يحارب إلى آخر نفس، ومتى ما أعلن راية الاستسلام لكونه بيع كعبد سوف يصبح عبدا حقا، وكانت تعني لكيزي حرية الفكر فكانت ترى أنها ليست بعبدة طالما هي حرة الفكر، تمتلك عقلها وتعرف كيف تضبط ردود أفعالها وتتحكم في نفسها، وكانت تعني لجورج ابن كيزي العائلة، كما عنت لتوم ابن جورج أن يكون حرا من العبودية للبشر.
 
فالحرية إذا نسبية تأخُذ علاقة طردية مع كل ما نؤمن به، وعكسية مع كل ما يهدد هذا الإيمان، فنحن إذا أحرار بما نؤمن به، أحرار لأننا نملك زمام أنفسنا، أحرار لأننا نعرف من نكون وما نريد أن نصبح عليه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.