شعار قسم مدونات

حلم ثقيل

Blogs- mna walk
يفيض القلب بكلمات عجز اللسان عن نطقها وثقل عليه وصف معانيها، العقل يدركها ويفهمها ولكنه أخفق في صياغتها، والجسد يخطو بها وتعينه على شقاوة الدنيا وقساوتها، جعلها وقودا له تزوده للخوض في ساحات الحياة وأهوالها، فقليلا ما نحسن التعبير عما بداخلنا، ويكون الفعل بديلا لكلماتنا، أحاسيس فاقت الكلام لعظمها، وصغرت أمامها كلماتنا، ربما قاموسنا ضعيف لا يحتوي تعابير توازي أحاسيسنا.
 
وقديما حملت قلوبنا أحلاما تدفعنا بالأمل لنتغلب على جفاء الحياة وقبحها، واليوم أصبح الحلم حملا ثقيلا شاخ القلب منه وانحنى، لم يقدر على الحمل فمال وسقط على الأرض، وأصيب بجرح دائم لا يلتئم، ينزف دوما بلا انقطاع.
 
ولا أدري أكان الحلم ثقيلا لا يُحتمل، أم أن القلب ضعيف قد وهن، أدركت ذلك حينما خُضت المعارك من أجل لقمة العيش، وفهمت أن الذنب ليس ذنبي، لأن أوطاني للظلم راعية، سفهت الأحلام والأماني، وذو العقل مهاجر أو خلف القضبان ساكن، وأخو الجهالة يلهو على المناصب متقلبا، فالعيش في بلدي كفاح يلزمه قتال لأن تحيا، والعيش دار نسكنها والحلم طائر يرفرف فوقها، فكيف نرتقي إلى الحلم ولم نبلغ السكن، ولأجل هذا نضحي بسنوات العمر لنحظى بعيش كريم، وحينما نقترب من الحلم يكون العمر ضاع في ساقية العيش، وإن كان في العمر بقية تفاجأ بأن النهاية ما هي إلا بداية الحلم. في وطني محال أن تحلم، فالحلم لا يأتي إلا في المنام، والحلم للكبار شيء فيه خِبال، ولا حرج على الصغير في حلمه، فهو في نظرهم قاصراً قصير العقل والمقال.
 
صغارا كنا نحلم ، ونرسم المستقبل بعيون صغّرت الكون بداخلها، ونلون الدنيا بأحلام وأفكار مبدعة، نعيش المستقبل في الحاضر، قلوب بيضاء وصفحات صافية، فيوما ما سيقف العالم ليحيي هذا القائد المخلص الذي أنقذه من كارثة كادت تقضي عليه، سيكون يوسف في عفته، ولقمان في حكمته، يصرف بسخاء ولا يخاف الفقر، يستأنس الجميع بصحبته، إنه الوسيم خفيف الظل والمرح في طبعه، قوي يبدو كأسد الله حمزة، وزادت قوته بذكائه الحاد كخالد ابن الوليد، مسكين هذا الصغير مازال يحلم ومستغرقاً فيه، يندب حظه التعيس الذي جعله في القارة السمراء من بين سبع قارات، وزاده تعاسه أن أجداده كانوا فراعين، وتحطم كل شيء حينما جاء في زمن وضيع تعاني فيه بلاده ظلما يخنق الحريات، وضعوا الأحرار في السجون، وجعلوا السجناء خارجها.
 

إن قتلوا الأحلام فينا، ووزعوا اليأس علينا، لن يغيب الأمل عنا، سنحيا بالأمل واليقين في الله بأن الحق آت لا محالة وأن الباطل زاهق وإن كان ظاهرا
إن قتلوا الأحلام فينا، ووزعوا اليأس علينا، لن يغيب الأمل عنا، سنحيا بالأمل واليقين في الله بأن الحق آت لا محالة وأن الباطل زاهق وإن كان ظاهرا
 

أما آن الأوان للصغير أن يصحو من غفلته؟ فالحلم غفلة على أرض الواقع في وطني، وكأنها دعوة استجيبت فسقط الصغير ليصحو على صوت ارتطام بالأرض، فصاح بآهات من الألم، وبرز جانب من رأسه كأنه أراد الخروج منها، وصارت رأس الصغير مدببة، تحسسها وذهب في صمت لمرآته وبدى أن جبهته رفضت الانصياع لجانب رأسه وأعلنت معارضتها في لون أزرق قبيح المنظر، كان لابد للصغير من صدمه توقظه، فكان السقوط هو السبيل، فالحلم دقائق جميلة منقضية، تكون قاتلة لعيش مرير، وتصادمها مع الواقع يفضي للجنون، نصحوا من أحلامنا لننجوا منها، ونحيا كمن فضل العيش بعور على أن يحيا كفيفا، فالعيب ليس في أحلامنا إنما العيب في وطن يقتل الحالمين.

 
وسرعان ما كبر الصغير ومرت فترة التأهيل ليخوض الحياة وأطوارها، واندفع بسرعة فيها، تقوده أحلام ليحققها، أيقن أن الحياة ليست كما تخيلها، تشبه الغابة في نظامها ومحال أن تعبرها بدون سلاح، مستعد هو فقد أحسن العدة وتسلح بعلمه وأخلاقه ودينه ووضع مبادءه بين عينيه، وبسرعة اندفاعه كان الاصطدام سريعا، بدت صعوبات لم تكن في حسبانه كما تخيل، وكل صعوبة تبعده عن أحلامه، وما أكثر الصعوبات في أوطاني، فلدينا ترسانة ضخمة مضادة للأحلام، لم تكن أسلحته نافعة في تلك الغابة، ظهرت له اسلحة أخرى لم يكن يعرفها، فالجهل سم يوضع في العلم فيقتله، وسوء الأدب مطرقة تكسر الأخلاق، والإلحاد مرض يصيب الدين ويضعفه، وتسقط المبادئ تحت السلطة والمال، وهذا ليس تشكيكا في ضعف أسلحته، وإنما هي الدنيا تتقلب بين الخير والشر.
 
هون على نفسك يا صغيري فنحن في زمن الضيق، وأذكرك بحديث المصطفى "ربما تجزع النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال"، وادعوك لأن تحيا بالأمل واليقين في الله، فقلوبنا تحيا بالأمل، وكل قلب تملكه اليأس ميت حتى وإن كان النبض فيه، فالأمل هو روح القلب التي يحيا بها، حتى وإن قتلوا الأحلام فينا، ووزعوا اليأس علينا، لن يغيب الأمل عنا، سنحيا بالأمل واليقين في الله بأن الحق آت لا محالة وأن الباطل زاهق وإن كان ظاهرا، فهذا هو أملنا وحلمنا ويقيننا في الله والحمد لله رب العالمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.