شعار قسم مدونات

أنا رجل أناني..أنا رجل مغرور

blogs - man

أيها الأصدقاء أريد أن أخبركم بكثير من الفخر والتمجيد أنني إنسان أناني ومغرور، وأني أحبني جدا مع كبير تقدير واحترام لنفسي. قد تعتقدون أني أحمق وبي جنون، والحقيقة غير ذلك، فأنا أكثر الناس تعقلا وإدراكا وإن كنت لا أصل إلى حد ادعاء الحكمة. فأنا أناني ومقتنع جدا بذلك، وليس الأمر مستبعدا لتقع مثلي في هذه الحال، يكفي أن تفقد كل شيء لتحب نفسك.

    

أتفهم ما ترسخ في أذهانكم من رواسب، كون الأناني حقير وذميم، وقد تمّ إخضاع أفكاركم هذه أيضا بكثير من الأنانية والتفضيل دون اهتمام لقيمة السلوك الإنساني كفعل حر، إذ الإنسان كائن غريب تحركه الرغبة و يتطلع إلى الفضيلة. أيها الأصدقاء أنا إنسان أحب الحياة وأحترم وجودي فيها، وليس لي نية المبالغة إذا أطلعتكم أنني أردد على نفسي بشكل مستمر عبارات مثل "أنا إنسان رائع"،"أنا استثناء جادت بي الطبيعة"، "أنا حجر كريم" وغيرها كثير..

     

حتى إني قد أقطف لنفسي وردة أو أهب لنفسي هدية، وربما أتفاجئ حتَّى عند فتحها وأقوم بذلك بلهفة واضحة وكأني لا أعلم ما تكون، فما أجمل أن يبذل المرء لأجله-لأجله هو فقط. إنني أشكر أمي ببالغ الامتنان أن أنجبت إنسانا عظيما مثلي، وإن كانت لي عيوب حقيرة فأنا سعيد جدا بكوني أنا. ولا تَحسبوا يا سادة أنه مرض وهلوسة، بل إنني لم أكن من قبل في قمة الوعي الذي أعيه الآن، وإني على يقين راسخ أن السعادة تكمن تماما في حب ذاتنا.

    

الإنسان الأناني إنسان عظيم يحتفظ بقيمته كاملة دون حاجة إظهارها للآخرين بعملية العَطاء والجود، فما جدوى أن أملك قيمة بهذه -العملية- لدى الآخرين؟ إني بذلك أنزع القيمة عن نفسي لأقايضها بقيمة أدنى زائفة، رهينة ما تحققه لدى الآخرين من عطاء. إن الإنسان المعطاء والخدوم في حقيقة الأمر إنسان فاقد لقيمته بل إنه نكرة، خدعوه بأن أخبروه أن الهمة في خدمتهم. لا يليق بالمرء أن يكون صاحب جود وكرم وهذه حالة الإنسان السّوي المتمتع بعزة نفسه وكبرياء مروءته.
      

حذائي ليس من النوع الرفيع،  وكذلك لا ألمِّعه بشكل يومي، ليس كسلا مني، ولكن لأن في الأمر قلة مروءة أن أنحني لأجل حذاء كل صباح
حذائي ليس من النوع الرفيع،  وكذلك لا ألمِّعه بشكل يومي، ليس كسلا مني، ولكن لأن في الأمر قلة مروءة أن أنحني لأجل حذاء كل صباح
 

أيها الأصدقاء أنا من هذا النوع -النوع الذي يحترم نفسه- حتى إذا أردت أن أخلق حديثا داخليا فإنني أستقي كل مستلزمات البروتوكول وكل عبارات السمو والاعتلاء تقديرا لقيمتي، هذا التكلف في التقدير أَحق لي من تقدير سفيه يتكلم بِغتّة "يثيرُ فيّ شهوة كسر أنفه"..

    

حتى أمام المرآة لا بد أن ألقي تحية تليق بي، وذلك بأن أنحني أمام انعكاس طيفي، وهنا لا بد أن أخبركم شئتم ذلك أم لا، أني أقضي ساعات طوال أمام المرآة أخاطب فيها نفسي، أغول في إشكالات فلسفية و نفسية عميقة استطردت على كبار الفلاسفة والعباقرة، حتى أنني في بعض الأحيان أعارض فكرتي، و أدفع في اتجاه نقضها بكل ما أتيتُ من حيل المرافعات، وحتى إن كنت مدركا بأنني أدلس على نفسي بتلك المرافعة الزائفة، إلا أنني قد أقتنع في بعض الأحيان بفكرتي الثانية، ضاربا بأصول المنطق عرض الحائط، وإن قبلت بفكرتي الثانية هذه، فليس سذاجة مني أو سهوا، بل لرغبتي الأنانية الطافحة في أن أكون دائما على صواب، وليس بمقدور أحد أن يغالطني حتى لو كنت أنا نفسي.

      

المرآة أيها الأصدقاء تثير في شهوة جامحة للكلام، وإني لأسترجع أحداث الماضي ليس جميعها بل تلك التي كنت أحس في نفسي أني خرجت منهزما فيها وخائبا، فأعيد تركيبها تركيبا دقيقا، بالطريقة التي تجعلني منتصرا بل إني أفتعل حتى ردودا لخصومي تجعلهم صاغرين سفهاء، وبذلك أخلق جوابا قاهرا لا سبيل للمقاومة معه أكثر..، وهذا هو دور المرآة بالذات، إنها لا تعكس صورنا فقط، بل تعكس قيمتنا أمام أنفسنا أيضا، لنرى كم نحن أوغاد وسافرون ونملك من الحقارة الشيء الكثير ونتمتع بغباء مدهش، و هذا ليس الأمر العجيب، فأي مخلوق له مقداره من الحقارة وانحطاط الأخلاق..

     

العجيب يا سادة هو أننا نتلذذ بشغف ونحن ننظر بعين من الفخر لأعمالنا الشريرة فنبتسم زيادة وأكثر، مبتهجين بهذه الانتصارات العظيمة التي خلقناها.. "إن دورها هي أن تجعل من حقارتنا انتصارات".. هآ أنتم تلاحظون إلى أي حد الإنسان مجنون، وهذا أمر مجبول عليه، وكل أولئك الذين يدعون الحكمة و يبالغون في التعقل، هم في الحقيقة مجرد حمقى، أصابهم السفه وظنوا من فرط الغباء أنهم أناس صالحون، يتمتعون بوقار وشرف أعلى مما يتمتع به الإنسان الذي يتصرف وفق الطبيعة..

   

الإنسان شرير بطبعه وهو بذلك يتصرف وفق ما تمليه قوانين الطبيعة، وليس بما يتصنعه المتعقلون أصحاب الحكمة المتغطرسون

وقد وصل هؤلاء من الغباوة والمجون حدّ التفاخر والاستعلاء لا لي شيء، إلا لكون أحذيتهم ملمعة بشكل أنيق وجيد، أكثر من الإنسان الطبيعي والذي مع بالغ الأسف يحتفظ حذاؤه بغبار الأسبوع الماضي، حتى أمكن لك كتابة اسم حبيبتك عليه..، ورغم أنه ليس من شأنكم ولكن لربما ظننتم أنني أتكلم عن حذائي في هذا، أخبركم أيها السادة أن حذائي ليس من النوع الرفيع، وكذلك لا ألمِّعه بشكل يومي، ليس كسلا مني، ولكن لأن في الأمر قلة مروءة أن أنحني لأجل حذاء كل صباح، وأن أمنحه كل هذا الاهتمام، والواقع أني لا أولي اهتماما حتى للإنسان، فكيف بقطعة جلد قذرة.

     
في الحقيقة، وحتى أكون صريحا فعبارة "لا أهتم حتى بالإنسان" فيها نوع من المبالغة الفجّة، وقد دسستها عنوة لأظهر لكم أنني مغرور وعبثي، وأعلم أنني فشلت في إقناعكم بذلك وأقر به. ولكن أيها الأصدقاء أنا لا أريد أن أقنعكم لماذا أنا أناني ومغرور، لأنه لا يهمني رأيكم ولا نصيحتكم، وأنا على دراية تامة أنكم تحتقرون هذا النوع، وتميلون إلى حب الطيبين والأخيار، وتؤمنون إيمانا راسخا بانتصار الخير في آخر المطاف.
    
ولكن أيها الأعزاء هل سألتم يوما كم هي اللحظات التي كنتم فيها أشرارا ولا تريدون للخير أن يَتِم!؟ دعونا نسلم بسداجة أنكم أنتم هم الأخيار طوال الوقت، هل تخيلتم لو أنكم كنتم على النقيض من ذلك؟ و كنتم أنتم الأشرار بالضبط في كل الأحداث التي كسبتموها بانتصار الخير على الشر، هل ترضيكم النتيجة الآن؟ بديهيا لا، أليس من حق الشرير أن يحتفل بلذة الانتصار؟

 

إن السؤال الآن أيها الأعزاء، هو ماذا لو كان الأشرار على حق وصادقين في شرهم وكان الطيبون الأخيار هم المخطئون؟ إذ ليس على الحب أن ينتصر دوما، فالشر له نصيب من الانتصار أيضا. هل فهمتم أن الإنسان مجبول أيضا على الخسة والدناءة، وأن أكثر الناس نذالة هو على جانب عظيم كذلك من الطيبوبة وحب الخير.

  
إذا دعونا نسلم بذلك- بأن الإنسان شرير بطبعه- وهو بذلك يتصرف وفق ما تمليه قوانين الطبيعة، وليس بما يتصنعه المتعقلون أصحاب الحكمة المتغطرسون، هل بعد هذا نملك الحق في أن نلوم كل أولئك الذين ألحقوا بنا الأذى؟ هل نملك الحق في محاسبتهم؟ أليس من الجائز أن نحاسب أنفسنا بأننا لم نكن أنانيين بما يلزم، وبما لا يدع مجالا لظهورنا السادج كطيبين أغبياء..

  

إن الإنسان الطيب الساذج، إنسان يجهل مصالحه الحقيقية، ولا يأخد أمور حياته بالمنطق السوي، وفي هذا يتخذ الإنسان الشرير؛ الذي يتصرف وفق الطبيعة، طريقه نحو النجاح، ووفق ما تُمليه الرغبة و المصلحة. أليست هذه خدعة كبرى-أن نكون طيبين- …… لقد خدعوك يا صديقي بأن أوهموك بقولهم إن الأنانية شيء ذميم، وقد دفعت ما يكفي من ثمن، جراء هذه الموعظة الأفلاطونية الساخرة، جرب الآن أن تكون أنانيا ومغرورا وحتى شريرا …ربما ستكون أفضل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.