شعار قسم مدونات

سامي عنان.. رؤية لخطاب الترشح وسياقاته

blogs سامي عنان

ربما لا يوجد حجر حرك مياه السياسية المصرية مثل الحجر الذي ألقاه الفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق، عبر خطابه الذي ألقاه قبل يومين معلنا فيه نيته للترشح لمنصب رئيس الجمهورية التي يجري الاقتراع فيها مارس/آذار المقبل. خطاب كان قصيرا في مدته قويا وملفتا في مضمونه، استحق لفت انتباه الكثيرين على مستوى الرسائل التي أرسلت بشكل مباشر وغير مباشر لجميع المؤثرين في رسم ملامح المشهد المصري مع اختلاف مستوى هذا التأثير، وعلى مستوى نبرة وهيئة سامي عنان نفسه التي جعلت أداءه في إلقاء الخطاب محل انتباه وإعجاب أيضا.

 

لا تعد قوة سامي عنان في أدائه أثناء إلقاء الخطاب مفاجأة، فبعد 4 سنوات من محاولته الأولى جرت أمور كثيرة حولت السيسي من صورة "الفتوة" الذي ينقذ البلد إلي صورة "البلطجي" الذي يختطف البلد بقوة السلاح، وأصبح عبئا على الكثيرين وغير مقبول في دوائر المنتفعين أو الخائفين المرتعشين من بطش نظامه، وهنا يطرح عنان نفسه بوصفه "الفتوة" الذي سيخلص الدولة/الحارة من سطوة البلطجي وسيكفي الناس مؤنة أو شر المواجهة المباشرة معه، لأنه قادم من نفس الخلفية ومن نفس مؤسسات القوة، ويرسل في ذات الوقت بهذا الأداء رسالة بأنه ما زال قادرا على المواجهة، ولديه أوراق كثيرة يواجه بها، ويبدو أنه يستند إلى قوة ما، وهي رسائل ترسخ صورة "الفتوة" المنقذ عنه.

 

على أية حال، هذه ربما الخطوة الأولى في تلك المعركة والتي مع قابل الأيام سيتكشف الكثير من خباياها ودور الأطراف الإقليمية فيها وسقف كل طرف في المواجهة، لكن إلى ذلك الحين علينا أن نقرأ الرسائل جيدا لنستطيع أن ندرك ما سيأتي لاحقا.

 

الرسالة الأهم بخطاب سامي عنان هي التي أرسلت للمجلس العسكري الذي يضم قادة الجيش ووزير الدفاع، حينما أشار عنان لضرورة موافقة المجلس العسكري على مسألة خوضه للانتخابات لأنه كان جزءا من المجلس
الرسالة الأهم بخطاب سامي عنان هي التي أرسلت للمجلس العسكري الذي يضم قادة الجيش ووزير الدفاع، حينما أشار عنان لضرورة موافقة المجلس العسكري على مسألة خوضه للانتخابات لأنه كان جزءا من المجلس
 
رسائل عنان

في قراءتي لخطاب عنان فإن أولى الرسائل التي أرسلها هي للسيسي نفسه ومن يحطيون به حينما اتهم اتهامات محددة  للسيسي، دون ذكر اسمه مباشرة، في قضايا تمس الأمن القومي، مثل إشارته إلى مسألة التفريط في الأرض قاصدا قضية تيران وصنافير، والمياه قاصدا سد النهضة الأثيوبي وحقوق مصر التاريخية في مياه النيل، ثم "توطن الإرهاب الأسود"، معرجا على الثورة القومية ولا سيما المورد البشري الذي قد يعني به أزمة المعتقلين أو البطالة أو تعيين غير الأكفاء في المنصاب القيادية وغيرها من القضايا التي تمس أعداد بشرية كبيرة تئن تحت وطأة عبد الفتاح السيسي ونظامه، ذاكرا تردي الأوضاع المعيشية، وهي أمور اعتبرها جميعها تستوجب إنقاذ الدولة المصرية أو اعتبار أن مصر في مفترق طرق بالغ.

 

المكون المدني بشقيه البشري والمعنوي كان حاضرا في رسائل عنان، حينما أعلن في خطابه الأول عن اسم نائبين له ينتميان للمدنيين؛ وهما الدكتور حازم حسني، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، كنائب له للثروة المعرفية والتمكن الاقتصادي والسياسي وكمتحدث رسمي له، والمستشار هشام جنينه، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، نائبا لشؤون حقوق الإنسان وتعزيز الشفافية وتفعيل الدستور، وهما اختياران أصفهما بالذكاء؛ فالأول رجل عرف عنه معارضته للسياسي بشكل علمي وقوي وبتصريحات متزنة، بينما الآخر معروفة معركته مع الفساد في الدولة المصرية والتي أطاح فيها السيسي به، وكلاهما من التكنوقراط.

 

أما المكون المدني المعنوي فتمثل بدءا في تسمية منصب كلا النائبين، فالرجل تحدث عن "حقوق الإنسان" و"الشفافية" والتميكن "السياسي" و"المعرفة"، في حين تضمن بقية خطابه التأكيد على "التعددية" و"الحريات" و"روح العدالة" التي رأى أن غيابها "حمل القوات المسلحة المصرية وحدها مسؤولية المواجهة دون تكامل مع الجهاز المدني للدولة بشكل يوازن بين دور السلطات المختلفة، والشق الأخير المشار إليه يمكن استنتاج أنه ليس مجرد رسالة لداعمي مدنية الدولة فقط، بل لقطاعات داخل القوات المسلحة قد لا تروقها المسؤوليات الكثيرة والمواجهة الدائمة والمرهقة للقوات المسلحة، ويورطها في مواجهات لا تكون في صالح صورتها العامة.

 

أما الرسالة الأهم والأبرز في ذلك الخطاب فهي التي أرسلت للمجلس العسكري الذي يضم قادة الجيش ووزير الدفاع، حينما أشار عنان لضرورة موافقة المجلس العسكري على مسألة خوضه الانتخابات لأنه كان جزءا من المجلس، وذلك بموجب قرار صادر بعد الثورة يمنع أعضاء المجلس من الترشح للرئاسة دون أخذ موافقة المجلس، وهنا فإن عنان ألقى الكرة في ملعب الجيش وقادته وهي المؤسسة الأكثر قوة وتأثيرا، فإن وافقوا فإنه بذلك يكون حقق نجاحا معنويا هاما ضد السيسي، ورسخ انطباعا بأنه مدعوم من الجيش أو أجزاء منه.

 

الصورة الأعم والأكبر التي تخرج بها من كلمة عنان، بأن الرجل سيخوض الانتخابات وفق التقاليد المعتادة للدولة المباركية؛ وهي طمأنة الأطراف القوية في الدولة وجعل الاعتبار لها أولا

في حين أنه إذا ما تم رفض طلبه، فسيكون إشارة بأن عليه أن يخوض المعركة بأدوات أقل، ويظهر المجلس العسكري بمظهر المنحاز حينما وافق على السيسي مرشحا قبل 4 أعوام وهو وزير للدفاع، وهو انتصار "أخلاقي"، ومن ثم ذكر تلك النقطة بهذا الشكل العلني والمركز في صورة عامة يعني إدراكه لأهمية إعلانها أمام الناس وجعلها محور جدل.

 

وإذا كان عنان قد وجه رسائل مباشرة لأجهزة الدولة عن مسألة الحياد بين المرشحين، وتحدث بشكل واضح عن خصمه مهاجما إياه ومنوها لملامح رؤيته العامة، فإن أطرافا أخرى لم يأت على ذكرها وهي جماعة الإخوان المسلمين والرئيس السابق والمعزول في السجن محمد مرسي، وأطراف إقليمية كالسعودية والإمارات وتركيا، وأعتقد أن هذا الصمت مقصود، فالرجل لا يريد أن يستبق الأحداث، فالمعركة الأهم هي انتزاع قبول ترشحه بشكل رسمي، فضلا أنه لا يريد أن يحرق جميع أوراقه بالدخول في جدل جانبي الآن رئيسي بعد ذلك، ناهيك عن شائكية هذه الملفات في أسئلتها الرئيسية والتي تحتاج إلي وقت أطول ودقة بالغة.

 

لكن الصورة الأعم والأكبر التي تخرج بها من كلمة عنان، بأن الرجل سيخوض الانتخابات وفق التقاليد المعتادة للدولة المباركية؛ وهي طمأنة الأطراف القوية في الدولة وجعل الاعتبار لها أولا حتى لو خاطب شرائح أخرى، هذا مع التأكيد على دور القوات المسلحة حتى ولو في صورة التكامل مع الجهاز المدني للدولة، ومخاطبة جمهور السياسة "الصامتة" والذي هو أقرب للفكر "الدولتي" والراغب دائما في الاستقرار، ومن ثم عنان يخاطب شرائح كانت ممثلة ومحسوبة على السيسي من أجل خصمها منه.

 

وبرأيي، إن السياق الذي يحيط بالعملية الانتخابية يجعل من عدم ذكر خالد علي أو الإشارة إليه والتركيز فقط على السيسي، هو أن الأول ليس متورطا فيما تورط فيه السيسي، وليس مسؤولا رئيسيا عما يجري، فضلا عن أن أي انتصار لخالد علي، وبالعكس مع عنان، يجعل كلا الطرفين منتصرين في الجولة الأولى من المعركة؛ وهي انتزاع بطاقة الترشح الرسمية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.