شعار قسم مدونات

هكذا أعيش في الدوحة

Blogs-Qatar
بعد تقديم طلب القبول الذي استغرق ما يقارب أربعة أشهر، بعد أيام طويلة من الانتظار، وبعد حصولي على الموافقة النهائية للدراسة في معهد الدوحة للدراسات العليا، سافرت وحيدة لأول مرة، لم أكن أعرف ما الذي سيواجهني بالضبط حين تطأ قدماي مطار حمد الدولي بالعاصمة القطرية الدوحة. قبل السفر بأيام قليلة، اختلطت مشاعري لتجمع بين شدة الحزن لفراق أسرتي الصغيرة ومدينتي تطوان بالمغرب، وكثرة الفرح الذي أعجز عن وصفه، سرحت بي أفكاري ووجدت نفسي ذاهبة إلى عالم يختلف عني في كل شيء. 
 
وبينما أنا أغلق حقيبة سفري، التي بقدر ما هي كبيرة لم تسع الأغراض الغالية التي انتشلتها من غرفتي لأجلبها إلى هنا، قلت في سري: "وأخيرا سأدرس الصحافة!". في الحقيقة، لم تكن قطر يوما على خارطة خياراتي شبه المعدومة، لم أكن أعرف أنني سأستقر في الدوحة، وأن المدينة ستعجبني، وفيها سأخطو أولى خطواتي نحو عالم الصحافة، ولم أتوقع يوما أنني سأجلس -كما أفعل الآن- للكتابة عن هذه التجربة الفريدة المليئة بالطموح والإنجاز. فور وصولي إلى هنا، شعرت أن نصف أحلامي قد تحقق! نعم، بمجرد وصولي إلى مرحلة المجيء إلى الدوحة وأن أكون طالبة دولية في ماجستير الصحافة هنا، شعرت أن هذا اختصر طريقا طويلا كنت سأمشي فيه إن بقيت في المغرب.
 

في الصحافة
قطر بؤرة الصحافة في العالم العربي؛ هنا مقر شبكة الجزيرة، أعرق مؤسسة إعلامية وأفضل المدارس التي من شأنها أن تعلمني الصحافة، وهنا تعقد العديد من المؤتمرات الصحفية والدولية التي يحضرها كبار الساسة والمثقفين ورجال الأعمال والكتاب. هنا، وخلال أربعة أشهر فقط، التقيت بكبار الإعلاميين والصحافيين من قبيل خديجة بن قنة، ومحمود مراد، وروعة أوجيه وآخرين. وفي الجزيرة الإنجليزية، استطعت أن أحصل على فرصة تدريب داخل غرفة الأخبار، حيث حظيت بالحديث مع ألمع الأسماء في الصحافة الأجنبية، وفي مدة شبه قصيرة، أنجزت الكثير من الأعمال الصحفية وعرفت عن كثب عالما كنت أراقبه من بعيد فقط.
 
قمنا بزيارة وكالة الأنباء القطرية حيث قضينا صباحا كاملا في الاستماع إلى مديرها وهو يحدثنا عن تجربة الوكالة مع الاختراق الذي تعرضت له
قمنا بزيارة وكالة الأنباء القطرية حيث قضينا صباحا كاملا في الاستماع إلى مديرها وهو يحدثنا عن تجربة الوكالة مع الاختراق الذي تعرضت له
 

في الدوحة أيضا، حضرت حصص تصوير البرامج التلفزيونية والنشرات الإخبارية والأفلام الوثائقية، واكتشفت عن قرب عالما كان يستهويني منذ طفولتي. قبل أسابيع قليلة، حضرت تصوير برنامج حواري يبث على قناة التلفزيون العربي، أبهرتني الاحترافية الكبيرة التي تُعد بها الأعمال الصحفية؛ كيف تستعد المذيعة، كيف يستقبل الضيوف، وكيف تضبط الصور في الكاميرا، كلها أمور كنت أتوق لاكتشافها وفعلت! في الأسبوع الماضي أيضا، شاركت في تصوير فيلم وثائقي في إحدى المتاحف بالدوحة، لم أتوقع أن يوميين كاملين من العمل الكثيف سينتج ثلاثين دقيقة فقط من الفيلم، عملت تحت ضغط رهيب ومن خلال ذلك تأكدت أن عالم الصحافة مليء بالتحديات والصعوبات، وهذا ما جعلني أحبه أكثر.

 
في الشهر الأول من فترة قدومنا إلى هنا كطلبة دوليين في ماجستير الصحافة، قمنا بزيارة وكالة الأنباء القطرية، حيث قضينا صباحا كاملا في الاستماع إلى مديرها وهو يحدثنا عن تجربة الوكالة مع الاختراق الذي تعرضت له في 24 من أيار/مايو 2017 قبل اندلاع الأزمة الخليجية بأيام معدودة. صدقا، لم أكن أظن يوما أنني سأحقق ما حققته في الدوحة؛ بعد ما كنت أتابع مستجدات الأزمة الخليجية عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وجدتني في حوار مع المعنيين بالأمر أنفسهم، شعرت بالفخر ووعدت نفسي أن أحب الصحافة أكثر وأكثر.
 

في الدراسة
أكاديميا، في فصل واحد فقط قضيته داخل أسوار معهد الدوحة للدراسات العليا، درست عند ثلة من الأساتذة الذين يشهد لهم بالكفاءة في مجالات تخصصاتهم، أساتذة لا يعرفون طريقا للتحطيم والإحباط والنقد اللاذع؛ غالبا ما سمعت منهم عبارات التشجيع والدعم للاستمرار في ما أنا عليه. فعلا، تأثرت كثيرا بطريقة تفكيرهم ورؤيتهم للحياة، جعلتهم قدوة لي بمساراتهم المتميزة؛ منهم فلسطينيون استطاعوا الفرار من ضغط الاحتلال وتوجهوا للدراسة في جامعات مرموقة فيها أبرزوا كفاءاتهم، ومنهم من ينشر مقالا عن الوضع السياسي في بلاده بين الفينة والأخرى، ومنهم من يستضاف في برامج قناة الجزيرة للتعليق عن حدث سياسي ما، ومنهم من عملوا في أبزر المؤسسات الإعلامية في العالمين العربي والغربي.
 
داخل أسوار معهدي أيضا، أعيش في جو ثقافي غني يلتقي فيه طلبة من مختلف أقطارالعالم. طلبة مختلفون لكنهم يتقاسمون شغف التعلم والاجتهاد وحب الاستطلاع
داخل أسوار معهدي أيضا، أعيش في جو ثقافي غني يلتقي فيه طلبة من مختلف أقطارالعالم. طلبة مختلفون لكنهم يتقاسمون شغف التعلم والاجتهاد وحب الاستطلاع
 

أكاديميون قادمون من مختلف الأجناس والأعمار والديانات، تعلمت منهم كيف أتقبل الرأي الآخر، كيف أحدد أهدافي وأنا مازلت في مراحل مبكرة من دراستي، كيف أفكر نقديا، كيف أكتب بحوثا أكاديمية كمية وكيفية، وكيف أخوض تحدي العمل الجماعي وتسليم التكليفات في الوقت المحدد، معهم قمت بمحاكاة مؤتمرات صحفية ودراسة بعض المساقات خارج تخصص الصحافة كفهم النزاعات الدولية والسياسة وقضايا في العلوم الإنسانية والجتماعية. معهم اشتدت رغبتي في استكمال دراستي العليا والوصول إلى أعلى المعايير في التعليم والبحث في مختلف العلوم.

 

في الثقافة
داخل أسوار معهدي أيضا، أعيش في جو ثقافي غني يلتقي فيه طلبة من مختلف أقطارالعالم، طلبة مختلفون لكنهم يتقاسمون شغف التعلم والاجتهاد وحب الاستطلاع، هنا أستمتع معهم بمشاركة مختلف الأطعمة المقدمة من المطبخ القطري، الهندي، اليمني، التركي، الإيراني، السوري، التونسي، الأوكراني، والسوداني، وأضف إلى ذلك محاكاتي للتنوع اللغوي. في رحاب المعهد، أجتمع مع طلاب من مختلف الجنسيات وأجدني استمتع كثيرا وأنا جالسة بينهم صاغية لحكايا بلدانهم. 
 
أفرح كثيرا عندما تلتحق بنا نجمة، الطالبة الصومالية التي عاشت في اليمن، أستفيد كثيرا من محاولاتها لتفسير كل كلمة نطقتها أنا والتقاط أخرى قالتها زميلتنا ناتاليا؛ الأوكرانية التي تقلد لهجتي المغربية بشكل مضحك، وأبتهج كثيرا عندما تأتي إيمان اليمنية لدعوتي للغداء متسائلة: "تشتهين كبسة؟".
 
المغاربة أيضا في معهدنا ملتحمون جدا، أذكر جيدا حفاوة استقبال مغاربة الدفعة السابقة لمغاربة الدفعة الحالية في الدوحة. في أول جمعة لنا في المعهد، تطوع جملة من الطبلة لإحضار الكسكس المغربي ومشاركته مع الجميع، شعرت يومها أنني في مسكني وأتناول الكسكس مع عائلتي! صدقا في هذه المدينة الجميلة بناسها وضوضائها، أجد ذاتي وأحقق أمنياتي واحدة تلوالأخرى. في البداية بدا لي الطريق وعرا؛ خفت وترددت كثيرا قبل المجيء، لكنني اليوم جد فخورة بما أنا عليه وما سأكون عليه مستقبلا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.