شعار قسم مدونات

لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها

Blogs- read
العجب لأنظمة عربية تُصنف نفسها بين الدول الديمقراطية المتقدمة، وفي نفس الوقت يأخذنا الحديث عنها إلى عالم يُصنف من الدرجة الثالثة، حيث الأمية مرتفعة، والبطالة مشكل عظيم، واغتصاب الحريات شكل من أشكال الديمقراطية لديها، أما الفقر فهو علّة تتفشّى في جسد الأمة بسبب استبداد وفساد الأنظمة التي تحكمنا.
 
لست ثوريا ولا مناضلا كي أتحدث عن الاستبداد وعن الحريات حيث الخطوط الحمراء منعدمة، وإنما الحديث سيكون عن مثل صيني ذي قيمة عالمية في التحفيز والتعلم والعمل وعدم الاتكاليات على الآخرين، كلمات بها درس جميل؛ فهي تعطي للمواطن الصيني فرصة الإبداع، والعمل بحيوية ونشاط، والأهم هو الشعور بالوجود وأن للإنسان قيمة في هذه الحياة.
 
لابد أن يتسأل بعضكم ما علاقة الحكمة الصينية بالفساد والاستبداد؟! لا عليك سنكتشف العلاقة بعد هذه الكلمات عن دولة الصين الشعبية التي نسمع عنها منذ الصغر، حيث الابتكار والإبداع في منتوجات غزت الأسواق العالمية، لتكون الصين حققت نهضة في وقت قياسي لأنها استطاعت أن تحول كلمات "لا تعطني سمكة ولكن علمني كيف أصطادها" إلى أفعال صناعية واقتصادية وزراعية. المجتمع الصيني حقق قفزة نوعية خلال فترة قصيرة، وللثورة الثقافية الفكرية دور كبير في ذلك، لكن الأهم أن المواطن الصيني أكثر جدية في تعلم وسيلة البلوغ إلى الحاجات وليس الوصول إليها وفقط من غير مشقة أو عناء، الصينيون هم أذكياء، فالوصول إلى السمكة أمر سهل، لكن كيفية الوصول إليها يحتاج إلى ممارسة وتعلم.
 
تعلّم الصينيون وأصبحنا نسمع أن دولتهم العظيمة قوة صناعية، وأضيف أنها دولة الأخلاق، دولة الإبداع، دولة العمل ودولة الإنسان. لكن هل هي دولة الحريات والديمقراطية؟ لا تخافوا فالشعب الذي تعلم كيفية صناعة السمكة لابد أنه تعلم كيف يصنع الديمقراطية، ولن ينتظر من العالم أن يقدم له دروس الديمقراطية، لكن في المقابل لابد أن نخشى من مصير أمتنا -نحن كعرب ومسلمين- ونتساءل هل تعلمنا معنى الديمقراطية؟
 
يؤسفني أن أكتب أن الأمة العربية أمة ضحكت من جهلها وعارها الأمم، حُكّامنا يستغلون الدين من أجل مصالحهم، أمتنا يؤكد فيها سياسيو البلاد من خلال خطابهم أنّ الدولة لن تعلمنا في الوقت الراهن صناعة السمكة بل ستسرق أصواتنا وتبيع لنا الوهم لتحقيق أحلامهم، بينما يعطون الشعب الفتات وبقايا السمكة موضحين أنّ بقاءهم على الكراسي هو حل لتجنب الفتنة وخروج الدجال، وبعض الفقهاء محترفون في الحديث عن "الفتنة أشد من القتل"، "الفتنة نائمة لعنة الله على من أيقظها".
  

العمل يبدأ بالعلم والعلم يبدأ بالقراءة، وأمة لا تقرأ لن تنال المجد ولن ترتقي
العمل يبدأ بالعلم والعلم يبدأ بالقراءة، وأمة لا تقرأ لن تنال المجد ولن ترتقي
  
عندما أسمع كلمة الفتنة من سياسيين وعلماء دين، أفكر دائما في سؤال أين الفقه السياسي في الدين الإسلامي؟ بحثت قليلا ووجدت شيخا من بلاد المغرب كتب واجتهد في هذا المجال، إنه الشيخ ياسين عبد السلام ونظرية الخلافة على منهاج النبوة. لفكره معنى ولنظريته أرضية للحوار وإشارة إلى نقطة البداية في طريق البحث عن كيفية صناعة السمكة في المجال السياسي وغيره من المجالات، إلا أن فكرة الرجل رحمه الله فُرض عليها الحصار كما يفرض على أي فكر تجديدي يظهر في هذا الزمان، وللإشارة لا يهمني أصل الفكر وأيديولوجياته بقدر ما يهمني صون كرامة الشعب وعيشه الكريم. حصار الأفكار ينتج عنه حديث الفساد والطغيان في سوامر التماسيح والعفاريت ليبقى الإنسان البسيط هو الضحية.
 
انتظرنا كثيرا من هؤلاء إلا أن الدولة بطيئة، أو أنها لا تبدل أي مجهود في السير قدما نحو الرقي بالشعب من خلال التنمية؛ تنمية بتأمين تعليم الشباب وترسيخ حب العمل في نفوسهم كي تُضمن للأمة حيوية في المجال الصناعي، والتجاري، والفلاحي والفني والرياضي.. بل يمكن القول إن سياسيي الدولة يؤكدون كل يوم أن مهمة الشعب هي الاستعباد والصمت عن الفساد والرضى عن الواقع ما دام المواطن تصله "سمكة اليوم". ويجتهد هؤلاء السياسيون في تشجيع الشعب على الطرب واللهو والقهقهة وتخويفه من مآسي البحث عن كيفية صنع السمكة.
 
عذرا يا سادة، السمكة لا تكفي في هذا الزمن، وإن كان لا يصل بعضها إلى الشعب المهمش الفقير كما أطلقوا عليه. يا شباب أمتنا تعلموا من الصين وابحثوا عن الريادة والعودة إلى العزة والكرامة وسط عالم لا يعترف إلا بالقوي، أيها الشاب اختر مع من تكون ولا يهم عمرك أو شكلك أو جنسك؛ فإما أن تختار أن تكون في أعلى الجنان أو في حفرة من حفر النيران، ومُخير أيضا أنت أيها الشاب أن تكون إما مع القادة أو مع الأتباع، أن تكون مع الأسود أو مع النعاج. لابد أنك اخترت أن تكون قائدا أسدا، فاطلب إذن صناعة السمكة وأدرك معنى قول الشاعر: "ومن طلب العلى بغير كد.. سيدركها إذا شاب الغراب".
 
كأن الشاعر يقول إن تحقيق النجاح والفلاح يتطلب مني العمل والعمل ثم العمل، ويوضح ذلك إسحاق نيوتن بقوله: "النجاح يحتاج منا ثلاثة أمور: العمل ثم العمل ثم العمل، والعمل يبدأ بالعلم والعلم يبدأ بالقراءة، وأمة لا تقرأ لن تنال المجد ولن ترتقي". أخي الشاب تعلم واقرأ وابدأ التغيير من نفسك واجعل هدفك أن تدع العالم يعرف أنك موجود، وحتما سترفع راية العلم والتغيير في الدنيا لتحتفل بها في الآخرة مع عظماء الأمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.