شعار قسم مدونات

كيف أنجو منك يا ذكرى يناير؟

blogs ثورة يناير

يبدو أنه لا مفر من هذا اليوم؛ الخامس والعشرون من يناير. بدأت نسائمه تهب عليّ منذ استشهاد خالد سعيد في يونيو 2010، وتنظيم وقفات احتجاجية كانت المظاهرات الأولى التي أشارك فيها. حين قرأت الدعوات للتظاهر في يوم 25 يناير، قررت المشاركة دون تردد، لم يكن لدي أمل في أي شيء، أردت فقط التعبير عن غضبي واحتجاجي على مآلات حكم مبارك وتمهيد الطريق لجمال وأصدقائه من شلة رجال الأعمال. أذكر أنني قبل نزولي للتظاهر، تحدثت مع أخي الأصغر عن أهمية المشاركة، وعدم اليأس من التعبير عن أفكارنا، بعدها تلقيت اتصالا منه يسألني عن مكان المظاهرة لأنه قرر الآن المشاركة، ولم تكن مواقع المظاهرات محددة سلفا.

 

لم أقدر أبدا على نسيان بعض اللحظات. كنت قد اتفقت مع أحد أصدقائي على لقائه قرب المغرب في وسط البلد. في بداية المظاهرة كنت أخطط للذهاب إلى صديقي فور انتهائنا، لم يخطر ببالي أن مجريات الأمور ستنقلب فجأة على نظام مبارك، في لقطة ما لاحظت أن أعدادنا تزيد، هذه ليست كمظاهرات خالد رحمه الله، التي كانت لا تزيد عن المئات، الأمر مختلف.

 

من طبائع الأشياء أن من يسيطر بالقوة على السلطة، لا يتركها طوعا أبدا. من يصل إليها على ظهر دبابة لن يغادرها ماشيا على قدميه
من طبائع الأشياء أن من يسيطر بالقوة على السلطة، لا يتركها طوعا أبدا. من يصل إليها على ظهر دبابة لن يغادرها ماشيا على قدميه
 

توقفنا ليؤدي بعض المتظاهرين صلاة العصر، ثم واصلنا. كنت أفكر أن الأمر مختلف، دون أن أغير خططي لملاقاة صديقي. في موضع آخر لاحظت أن الأعداد تتضاعف، مظاهرات صغيرة تنضم إلينا فنتكاثر بسرعة في الشوارع. لحظة خروجنا من الشوارع الداخلية وعبورنا شريط السكة الحديد حيث الشارع الواسع الموازي له، رأيت منظرا لن أنساه؛ كانت المرة الأولى في حياتي التي أرى فيها مظاهرة دون أن يدرك نظري نهايتها، كنا كلنا مذهولين منتشين، لابد إذن من إلغاء موعد صديقي.

كيف ملأنا الشوارع بهذه السرعة؟

أفكر في ذلك كله بينما ينزل قليلون منا لتحرير توكيلات للمرشح خالد علي. هل يمكن أن يلهم هؤلاء القليلون مئات الآلاف، أو ربما الملايين، من اليائسين من التغيير؟ هل يكون عشرات الآلاف، الذين لم ييأسوا، جسرا لعبور الملايين إلى مساحة أرحب من الأمل؟ يقول كثير من الأصدقاء إن الانتخابات سوف تُزور، لكن إذا لم ينزل إلا بضعة آلاف من أنصار السيسي أو مئات الآلاف من الباحثين عن الخمسين جنيها التي يدفعها نواب البرلمان.. إذا نزل هؤلاء ألا يكون التزوير هنا يسيرا مضمونا؟ إذا آمن الناس بأهمية المشاركة فنزلوا بالملايين، ألا يساعد ذلك في منع التزوير؟ ربما يخاف بعض القضاة هنا من التزوير الذي يسهل إثباته، ربما يقبل الناس فكرة الاحتشاد والتظاهر احتجاجا على تزوير إرادتهم… على الأقل، سيكون لدينا 25 ألف توكيل، لـ25 ألف جندي صغير مستعد للانطلاق.

 

لا أعرف العدد الفعلي لتوكيلات خالد، كما أحترم حق كل إنسان في تقدير الموقف والاختيارات المناسبة له، ما أعرفه أن سبل التعبير والتغيير تضيق بنا يوما بعد يوم، وأن مستوى القمع لا يمنحني أملا في التغيير بانتخابات أو بأية عملية سياسية سلمية منظمة، بل يضغط القمع وسياسات التفقير على الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى الدّنيا، حتى يقترب انفجار مخيف، قد يأخذنا إلى كوابيس داعش والاقتتال الأهلي.

 

ترشح عنان للانتخابات مكسب مهم، مع أنه لا يمثل أحلام يناير، بل كوابيسها، لكن أي حراك سياسي ممكن هو مكسب لنا جميعا
ترشح عنان للانتخابات مكسب مهم، مع أنه لا يمثل أحلام يناير، بل كوابيسها، لكن أي حراك سياسي ممكن هو مكسب لنا جميعا
 

من طبائع الأشياء أن من يسيطر بالقوة على السلطة، لا يتركها طوعا أبدا، من يصل إليها على ظهر دبابة لن يغادرها ماشيا على قدميه. سُجِن العقيد النبيل قنصوة ست سنوات، واحتُجِز شفيق في فندق فاخر حتى يراجع نفسه و"يتحرى الدقة". لا أدري كيف سيتدبرون أمرهم ليمنعوا عنان من الترشح، هذا النظام لا ييأس ولا يخجل، فقد سجنوا العقيد قنصوة بتهم منها الظهور بالزي العسكري والإدلاء بإعلان الترشح؛ وهي ذات الأفعال التي أتاها السيسي ليعلن ترشحه سنة 2014، لهذا لا أشك في أن النظام سيمنع أي مرشح "حقيقي"، وأعني بحقيقي أنه ينتقد السيسي علنا ويرى ضرورة إزاحته عن السلطة، ويمنعه الإعلام المصري من الظهور ببرامجه؛ على ذلك لا يعد مرتضى منصور مرشحا حقيقيا لأنه يمدح السيسي ويعلن أنه سيصوت له لو لم يشارك في الانتخابات كمرشح، كما يستضيفه الإعلام المصري ويمنحه الوقت الذي يشاء.

 

هذا النظام إذن لن يسمح بأن ينافس السيسي خالد أو عنان أو غيرهما، فلماذا اخترت عمل التوكيل لخالد؟ لأنني أحلم بتأسيس تيار مدني معارض للنظام القائم، وفي هذه الظروف لن يتأتّى ذلك على نحو حزبي أو بالانخراط في عمل أهلي.. كل المنافذ مغلقة، لا يبدو متاحا لنا إلا أن نحاول تأسيس كيان ما يمثل أفكارنا، لا أرى ذلك متاحا إلا من خلال حملة انتخابية منظمة قدر الممكن.

 

بهذا المعنى أيضا يكون ترشح عنان للانتخابات مكسبا مهما، مع أنه لا يمثل أحلام يناير، بل كوابيسها، لكن أي حراك سياسي ممكن هو مكسب لنا جميعا، أي "لا" صريحة للسيسي مفيدة لنا مهما كان قائلها بغيضا. لا أتوقع أن ينتظم الغاضبون في كيان مفاجئ ليمارسوا أي عمل سياسي كالتظاهر أو الإضراب أو العصيان المدني، ربما ينفجرون بعنف دموي، أما الحراك السياسي فلا بد له من بناء تنظيم. هذه الـ"لا" الصريحة للسيسي هي المظلة التي يقف تحتها أنصار خالد أو عنان أو غيرهما؛ كل في تنظيمه، أو خندقه الخاص. لدي أمل كبير في أيام أخرى كيوم الخامس والعشرين من يناير، وربما أجمل منه، هكذا جعلتني ثورة يناير: مدمنا للأمل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.