شعار قسم مدونات

أن تحزن

Blogs-sad
كل منا عرف الحزن يوما، بكى يوما أو توجع قلبه من جرح ما يوما، كل منا إلا وقد مر بظروف صعبة، كل منا أحس يوما بأنه شقي، ولم ينم إلا بعد أن يحقن وسادته بدموعه الحارقة، كل منا عرف وجرب معنى الفشل، الخيانة، الفراق والموت، وأحس أن حياته تحولت إلى ظلام دامس لا تستحق أن تعاش، وبأنه واقع داخل حفرة سوداء لا يستطيع الخروج منها، كل منا أحس يوما بأن روحه متعبة مسجونة بين قضبان الحزن والألم، لا يعرف متى سيفرج عنه وكيف.. كل منا إلا وله قصة أدمت قلبه بطريقة أو بأخرى!
 
لكن الكثير من الناس يجدون عيبا في التعبير عن حزنهم، أو الاعتراف بدموع عينيهم، يظنون أن الشعور بالحزن والألم والوجع ليس إلا سلاح الضعفاء، فيوارون ويخبئون ما يحسون به، بل يكذبون على الناس وعلى أنفسهم حتى يبرهنوا أنهم أقوياء وأن لا شيء يهزمهم، فيتنكرون لمشاعرهم وأحاسيسهم، ليضيفوا ثقلا على ثقل!
 
فالحزن ليس بعيب، ليس بسيئة توارى وتخفى، هو جزء من التركيبة العاطفية للإنسان، عليه أن يجربها كما يجرب الإحساس بالفرح والسعادة، هو إحساس بوسعه أن يغير الكثير في حياة ابن آدم، بل يمكن أن يصنع المعجزات، وعلى المرء أن لا يخجل من هذا الإحساس، بل أن يعبر عنه ويعترف به ويتحمله، لأنه يدل على أنه إنسان بقلب، لا جماد لا يتحرك!
 
لا تخجل إن فشلت في مشروع ما، أو امتحان ما، فالفشل ما هو سوى مشروع نجاح، لا تغلق على نفسك داخل حفرة وتدفن كل أحلامك وطموحاتك بسبب فشل، فالفشل ليس بنهاية الحياة، بل يمكن أن يكون بداية لما هو أجمل، لأن ما سيعلمه لك الفشل، لن يعلمه لك النجاح أبدا!
 

علينا أن نحس بالحزن لكي نعرف معنى الفرح والسعادة، أن نبكي الدموع حتى نفهم معنى الابتسامة، أن نجرح لكي نتعلم كيف نتجاوز الألم بشتى أنواعه 
علينا أن نحس بالحزن لكي نعرف معنى الفرح والسعادة، أن نبكي الدموع حتى نفهم معنى الابتسامة، أن نجرح لكي نتعلم كيف نتجاوز الألم بشتى أنواعه 
 

لا تكتئب وتحكم على نفسك بالعزلة، إن افترقت عن إنسان تحبه، فبغض النظر عن ما حدث بينكما، والأسباب التي جعلتكما تنهيان القصة، فلقد كان أو كانت سبب سعادتك يوما، بينكما ذكريات جميلة تشهد على حبكما، وأحسست مع ذلك الشخص بشغف ولوعة الحب، فلا تندم أبدا على وقت أو لحظة، كنت فيها سعيدا حتى ولو لم تستمر!

 
لا تخجل من دموعك أمام منظر مؤلم، أو عند قراءتك أو سماعك قصة معينة حركت مشاعرك، فهذا يدل على أنك إنسان برحمة، فحتى الصخرة تنهار يوما أمام قوة المياه! ابك إن كنت تحس بالرغبة في إخماد نار العاصفة التي تجري داخلك بماء دموعك، عبر عن حزنك وألمك دون أن تخجل من ذلك، اعط لقلبك فرصة تضميد جراحه، اترك لنفسك فرصة الإحساس بالحزن والتعبير عنه دون خجل، لا تعذب نفسك بإخفاء الألم الذي تحسه، لأنك بذلك تضيق عليها وترهقها وتزيدها ثقلا على ثقل!
 
علينا أن نحس بالحزن لكي نعرف معنى الفرح والسعادة، أن نبكي الدموع حتى نفهم معنى الابتسامة، أن نجرح لكي نتعلم كيف نتجاوز الألم بشتى أنواعه.. فوراء كل نجاح قصة فشل، ووراء كل ربيع شتاء..!
 
اعط لنفسك الحق في الحزن كما في الفرح، أترك لكل حدث في حياتك بصمة داخل أعماقك، اعط لنفسك الحق في التعبير عن كل ما يخالجك، لا تجبر نفسك على أن تكون متناقضا متضاربا بين ما تحسه وما تظهره، واعط لكل إحساس داخلك حقه كما يجب.. لأنك إنسان كامل الإنسانية، ولا عيب في حزنك وشقائك أبدا! ابك فالدموع غسل للروح، واحزن كلما أحسست بالرغبة ولا تخجل من فعل ذلك، فكن على يقين أن قلبك لن يعرف السعادة الحقيقة أبدا.. إن لم يجرب حزنه ويتقبله بصدر رحب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.