شعار قسم مدونات

العلاقات العاطفية.. والثقافة المستوردة

Blogs- muslim couples
إن الإعلام على شقيه المرئي والمسموع هو من كان له النصيب الكبير في إنتاج هذه الثقافة الموسومة بالعلاقات العاطفية بعد أن قام باستيرادها من الغرب؛ من خلال المسلسلات المدبلجة أولا، ثم من خلال الأغاني المتنوعة والتي سببت إجهادا كبيرا للمألفين بعد أن أعيتهم السيناريوهات القديمة والكلاسيكية، فجعلوا يقومون بإبداع سيناريوهات جديدة تتوافق والواقع المعيش العاطفي اليومي.
 
فالفكر العربي لم يكن وليد اللحظة والفجأة، بل هو تراكمات أفكار عديدة تم حقنها على مدار سنوات طويلة ماضية وتمت ممارستها من وراء شاشات التلفاز، وفي خبايا المجلات المتسربة من خلف الرقابة، مما أنشأ نمطية "Stereotype" معينة تتحكم في المجتمع، ناهيك عن "الولكمان" (Walkman) وأجهزة "mp3" التي امتلأت بشتى الأغاني التي تعكس بالضرورة المشاعر المخبأة في صدور الشباب. وأدى ذلك في النهاية إلى ظهور هذه الثورة العاطفية التي تعتبر من إشكاليات العقل والعقلانية في الفكر العربي، وهذا بالطبع إن كان يجوز إطلاق هذا المصطلح عليها ولو اعتباطا، فقبل عقود من الزمن قليلة فقط، كان من المستحيل أن يعترف شاب بحبه لفتاة أو يحصل العكس أو يعقد كل من الطرفين علاقة عاطفية دون أن تتم إراقة الدماء تحت مصطلح واحد ووحيد هو الشرف.
 
الحديث عن العلاقة العاطفية في المجتمع العربي كمستجد سيجعلنا لا محالة نتحدث عن الأسباب التي بلورت هذا الأمر الذي يعتبر دخيلا ونقيضا للثقافة العربية المتداولة، ونلج إلى ذلك من خلال الكشف عن الغناء الذي كان له النصيب الأكبر في تشجيع هذه الأمور وإظهارها للعيان واعتباره سببا أساسيا، وحين نتحدث عن المجتمع الشاوي الموجود في شرق الجزائر كنموذج سنجد ببساطة أن السبب المذكور أعلاه كان له دور كبير في إزالة الكثير من الحدود والعقبات، دون المساس بهيكلة المجتمع السطحية.
 
إن كان الهاتف الذكي يتطلب فحص التطبيقات قبل تثبيتها، فاعتناق الأفكار دون فحصها سيصيب الفكر بعطب لا محال

لتوضيح الفكرة أكثر؛ فالمجتمع الشاوي يشبه إلى حد قريب منطقة الصعيد في مصر، وهو مجتمع محافظ بدرجة كبيرة، والحب والعلاقات العاطفية في شوارعه تعد من المحرمات بدرجة كبيرة، والموت ببساطة هو جزاء من تسول له نفسه الاقتراب من هذا الخط الأحمر -ونوضح هنا أننا نتحدث عن هذا المجتمع ربما قبل عقد أو عقدين من الزمن، لأن الأمر قد اختلف بالكامل في وقتنا الحالي- لكن الأغاني الشاوية استطاعت أن تعري ببعض العبارات المستخدمة اصطلاحا الكثير من المكبوتات.

  
حيث لم يكن من الصعب أن يدس الكثير من تفاصيل المرأة بوصف مفاتنها وإبراز اشتهائها دون أن يجرم مؤلف الأغنية، والمغني على حد سواء، فنجد هذه الأغنية مثلا: "يَا شَجْرَةْ المشْمَاشْ يَا لِّي مْدَرْبِي عَلْى الأَحْوَاش، يَا طَفْلَة سُوجِي تْرَاشْ.." قد تكون الدارجة المغاربية بصفة عامة غير مفهومة عند المشارقة العرب، لكن كلمات هذه الأغنية -سطحيا- أيضا عند الشاوية ستكون بريئة بشكل كبير، فترجمتها لا تتعدى كون المغني يقوم بوصف شجرة المشماش التي تتدلى فروعها على جدار فاصل في إحدى البيوت، لكن المعنى الاصطلاحي يتجاوز هذا المفهوم بكثير، حيث يكمن مراد المغني في التغني بالمرأة من خلال إرسال هذه الرسائل المشفرة.. وهكذا دواليك.
  
وتبقى العلاقات العاطفية باختلاف الأزمنة والأماكن سائدة، ويستمر مسلسل هذه الدراما اليومية ببطلين دائمين هما المرأة والرجل، وكان تقديم المرأة عن الرجل لضرورة حتمية تكمن في أهمية الطرف الأول في الغالب في تقرير الرفض أو القبول، فالطرف الثاني في أغلب الحالات هو الطالب. وهذا ما صورته لنا السينما الغربية والمسلسلات المستوردة من الغرب، وأخص بالذكر المسلسلات المكسيكية المدبلجة، ففي فترة ماضية كانت هي المسيطرة على الشاشات، قبل أن نستورد من قبل الممون الجديد التركي "المسلسلات التركية" صاحبة الثقافة الأقرب إلى ثقافتنا والمتمردة عليها بشكل كبير.. وبالطبع كان لها الأثر البالغ في إضافة رؤية جديدة، تجعل أفكارا جديدة تتلبس فئة الشباب بالتحديد، وتلون أحلامهم بآمال زائفة، وتمنحهم مفاهيم خاطئة عن الحب، فببساطة إن كانت الإباحية لا تُعلم الثقافة الجنسية، فلا يمكن للمسلسلات العاطفية أن تُعلم الحب.
   

العلاقات العاطفية المتداولة في حياتنا اليومية بين شباب هذه الألفية، لا تعدو كونها صورة مشوهة في الغالب، لأن شبابنا ببساطة لا ينظر إلى الحياة بجدية بحتة
العلاقات العاطفية المتداولة في حياتنا اليومية بين شباب هذه الألفية، لا تعدو كونها صورة مشوهة في الغالب، لأن شبابنا ببساطة لا ينظر إلى الحياة بجدية بحتة
 
ثم إنه ثمّة مسار معين تسلكه العلاقات العاطفية منذ القدم بغض النظر عن شرعيتها، فتكون العلاقة في بدايتها مشبعة بالمشاعر الجياشة، ومحاولة كل شخص إبراز مفاتنه الشخصية للآخر.. وهذا يكون في فترة الصعود من نقطة الانطلاق إلى غاية الذروة (summit)، حيث يتلاشى الستر ويزول التكلف ويظهر كل على سجيته وحقيقته، وبعدها مباشرة يحصل الانحدار، حيث تتناقص رغبة الطرفين لبعضهم البعض ويزول ذلك الانجذاب، وربما يبدأ نوع من الشرخ في العلاقة يتضح ويتوسع على حد سواء.. وفي الطريق المنحدر نحو الأسفل تنصهر أيضا تلك المشاعر وكأنها لم تكن، وهذا يدعو في الغالب إلى حدوث الانفصالات، فالمسار الذي تسلكه العلاقات العاطفية هرمي الشكل، ويعود ذلك لقلة المسؤولية التي لا يتحلى بها كل من الطرفين، إضافة إلى النظرة الخاطئة التي يحملها كل طرف والتي كما تحدثنا آنفا أنها مستوردة من ثقافة أخرى، ولا يمكن اعتبارها في كل الحالات كمرجع.
  
يقول مصطفى محمود في كتابه في الحب والحياة: "هناك نوع من عدم التوافق حاليا بين تفكير المرأة وتفكير الرجل.. هناك اختلافات جوهرية في أسلوب الحياة وأسلوب الفهم بين الاثنين…" وأرجع هذه الاختلافات إلى الصورة النمطية التي يحملها كل طرف عن الآخر نظير الثقافة التي تشبع بها من خلال الإعلام.
  
في الختام، أود أن أوضح فكرة كون العلاقات العاطفية المتداولة في حياتنا اليومية والمنتشرة بشدة بين شباب هذه الألفية والتي أصبحت تعتبر بشكل كبير ضرورة حياة، لا تعدو كونها صورة مشوهة في الغالب، لأن شبابنا ببساطة لا ينظر إلى الحياة بجدية بحتة، ولا أقصد بقولي هذا أني لا أثق في شبابنا اليوم أو في فكره، لكننا في حاجة إلى التصالح مع أنفسنا بدرجة أولى، وعدم الانصياع للعواطف تأسيا بالفكر الغربي أو الأوروبي، فإن كان الهاتف الذكي يتطلب تفحص التطبيقات قبل تثبيتها، فاعتناق الأفكار دون تفحصها سيصيب الفكر بعطب لا محالة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.