شعار قسم مدونات

حديث غزة

Blogs- gaza
أينما ذهبت أو حللت تسمع الهمسات، والحوارات، والمناقشات، والمجادلات عن هذا الموضوع، في سيارات الأجرة، وفي الأسواق، وفي المحلات التجارية، وفي الجلسات الشبابية والعائلية، وفي كل مكان لا حديث يعلو فوق حديث الوضع الإقتصادي المنهار والمشقات والصعوبات الكبيرة التي يواجهها الناس من أجل الحصول على لقمة العيش، فالكل يشتكي ويتألم ويتوجع من الوضع البائس الذي وصل إليه قطاع غزة.
 
لم يعد هم الناس اليوم القدس أو صفقة القرن التي تسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، بل أصبح الهم الأول والأخير توفير لقمة العيش والقدرة على توفير المتطلبات والاحتياجات الضرورية، ليحفظوا كرامتهم أمام أسرهم.
 
وإن المحزن في الأمر هو حالة الانفصال بين واقع سكان قطاع غزة وبين واقع قادته وساسته، ففي الوقت الذي يعاني فيه أهالي قطاع غزة الأمرين من الوضع الإقتصادي المنهار ترى كثيرا من القادة والساسة يعيشون في حالة اقتصادية مرهفة ولا يحسون بالمرارة التي يعيش الناس، مما يؤدي إلى شعور مضاعف لديهم بالألم وتزداد لديهم حالة السخط والغضب من هذا الوضع الاقتصادي البائس، ويتساءلون لماذا القادة يعيشون وضعا غير الذي نعيش فيه؟ لماذا يطالبوننا بالصبر والصمود في الوقت الذي هم فيه لا يصبرون وأوضاعهم الاقتصادية غير أوضاعنا؟
 
لقد وعد الناس أثناء الحرب الأخيرة على قطاع غزة بأن تتغير أوضاعهم إلى الأفضل، وخرجت وعود بإقامة مطار وميناء لقطاع غزة، ولكن ماذا حصل بعد الحرب؟ لقد حدث العكس تماما، فالسنوات الثلاث التي تلت حرب عام 2014 على قطاع غزة كانت من أشد سنوات الحصار وطأة على الناس وأكثرها إرهاقا لهم، وبلغ الوضع الاقتصادي من السوء ما لم يبلغه من قبل، وبلغت البطالة نسبة قياسية مقارنة بالسنوات السابقة للحصار، وفي الوقت ذاته بلغ تعداد سكان قطاع غزة أكثر من مليوني نسمة، ليزداد الوضع قتامة، ففي حين يزداد عدد السكان بشكل كبير، تزداد المشاكل الاقتصادية بشكل أكبر وأسوء، مما يهدد بحدوث كارثة إنسانية على كافة الأصعدة.
 
الوضع الاقتصادي يزداد كل يوم سوءا عن اليوم الآخر، والفقر أصبح المهيمن على سكان قطاع غزة، والمشاكل الإجتماعية الناتجة عن هذا الوضع تزداد، وبات الانفجار وشيكا ولن يرحم أحدا
الوضع الاقتصادي يزداد كل يوم سوءا عن اليوم الآخر، والفقر أصبح المهيمن على سكان قطاع غزة، والمشاكل الإجتماعية الناتجة عن هذا الوضع تزداد، وبات الانفجار وشيكا ولن يرحم أحدا
 
وفي ظل تلك الأوضاع السيئة أتت المصالحة لتبعث أملا في القلوب المليئة بالمرارة والحزن، واستبشر الناس خيرا وقالوا إن الأيام المقبلة ستكون أفضل وأجمل من الأيام السابقة، ولكن كالعادة ساستنا وقادتنا يخيبون الظن فيهم، فبدأ التنصل من استحقاقات المصالحة وزادت المعاناة أكثر من السابق، وأصبح الوضع الإقتصادي في قطاع غزة على شفا جرف هار، وأصبح الناس يمشون في الشوارع كأنهم سكارى وما هم بسكارى ولكن الأوضاع المعيشية الصعبة أصبحت عبئا كبيرا يثقل كواهلهم ويضعف إحساسهم بأي شيء آخر.
 
إن الخطب الرنانة والشعارات الطنانة أصبحت لا تجدي مع أناس لا يستطيعون توفير لقمة عيشهم في الوقت الذي يرون فيه قادتهم يسبحون في فضاء غير فضائهم ويتكلمون بلسان غير لسانهم، ويعيشون حياة غير التي يعيشونها ولا يشعرون بمدى الألم والمرارة التي يحسون بها عند رؤية الحسرة في عيون أبنائهم وزوجاتهم.
 
إن أول الأشياء المطلوبة من القادة اليوم أن يعيشوا مثل ما يعيش الناس، وأن يكونوا لهم قدوة حسنة، عندها سيقف معهم الناس صفا واحدا ولن يخذلوهم أبدا، ولكن أن بقي الحال على ما هو فسيكون الانفجار القادم لسكان قطاع غزة كبيرا وهائلا، وسيدمر كل شيء في طريقه، ولن يرحم أحدا أبدا، ولن يسمعوا حينها لأصحاب الخطب والشعارات الذين لا يطبقون منها أي شيئا، ولنا في ما حدث في الربيع العربي عبرة وعظة لكل من ألقى السمع وهو شهيد.
 
يا قادتنا وساستنا عودوا إلى أحضان الناس وكونوا معهم واشعروا بما يشعرون به، ولا تجعلوا بينكم وبين الناس حاجزا وحجابا سيؤدي إلى تدميركم أنتم وليس أحدا غيركم، فاستيقظوا من غفلتكم يرحمكم الله قبل أن يفوت الأوان ولات حين مناص، فالوضع الاقتصادي يزداد كل يوم سوءا عن اليوم الآخر، والفقر أصبح المهيمن على سكان قطاع غزة، والبطالة بين الشباب تزداد كل يوم، والمشاكل الاجتماعية الناتجة عن هذا الوضع تزداد تعقيدا كل يوم، وبات الانفجار وشيكا ولن يرحم أحدا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.