شعار قسم مدونات

الردع المفقود.. كيف تدير إسرائيل حربها مع المقاومة؟

Blogs- israel soldier
تقوم العقيدة الأمنية الإسرائيلية على عدة مبادئ منها مبدأ الحسم، الذي يعتمد على تدمير قوات العدو وتدمير رغبته في مواصلة القتال أو التفكير في شن حرب، لكن هل تحقق هذا المبدأ في حروب الجيش الإسرائيلي مع المقاومة سواء الفلسطينية أو حزب الله، وإذا كان كذلك فلماذا يشن حروبا متتالية ضد قطاع غزة ؟!
 
في شهر أغسطس من عام 2015، أصدر الجيش الإسرائيلي إستراتيجيته العسكرية التي حملت توقيع قائد هيئة الأركان غادي آيزنكوت واستعرضت كيفية رد الجيش في حال نشوب أي مواجهة، والإصدار كان أشبه بعملية تحديث للعقيدة الأمنية الإسرائيلية في ظل الحروب التي خاضتها إسرائيل، خاصة حرب 2014 مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة واستخلاص العبر.
 
وتكمن أهمية الوثيقة في أنها استخلصت نتائج حربي لبنان الثانية 2006، وغزة 2014، حيث برزت فيهما أخطاء نبعت من عدم فهم الأوامر بتحديد أهداف الحرب، وتعريف الحسم والانتصار، فما تعريف الحسم والانتصار في العقيدة الأمنية الإسرائيلية؟ الحسم مبدأ يتبعه الجيش الاسرائيلي موجود في العقيدة الأمنية ويقوم على تدمير قوات العدو أو أجزاء كبيرة منها وصولا إلى قتل الرغبة لدى قواته في مواصلة القتال، ما يحقق نصرا.
 
وتقوم نظرية الحسم النسبي أو التكتيكي على ضرورة أن تكون يد الجيش الإسرائيلي هي العليا في كل مواجهة قصيرة أو طويلة، كما أنها تقوم على ضرورة أن يأخذ المخططون لأي عملية بعين الاعتبار مدى تأثيرها على الوعي الجمعي الفلسطيني، وفي المقابل إن هذه العملية التي سيقومون بها لا تستطيع وحدها تحقيق النصر. لكن وجهة النظر الإسرائيلية لم تعد ترى في المواجهة المحدودة خاصة مع الفلسطينيين أن هناك شيئا اسمه حسم عسكري أو حسم استراتيجي يؤدي الى انتصار واضح المعالم، وترى عقيدة المواجهة المحدودة أن النصر يتحقق بالنقاط والتأثير المتراكم في الميدان وفي الوعي الجمعي الفلسطيني وليس بالضربة العسكرية الحاسمة.
 

وضح موشيه يعلون أن الحسم الاستراتيجي لا يمكن إنجازه نظرا لطبيعة الصراع، لذا فإن الحسم التكتيكي مطلوب بشكل دائم
وضح موشيه يعلون أن الحسم الاستراتيجي لا يمكن إنجازه نظرا لطبيعة الصراع، لذا فإن الحسم التكتيكي مطلوب بشكل دائم
 

وترى العقيدة الأمنية الإسرائيلية أنه لا يمكن القول إن هناك انتصارا واضحا في المعركة إلا إذا حسم الوعي الفلسطيني وتحول خياره من المقاومة إلى قبول الأمر الواقع أو الحل السياسي وهو ما يعبر عنه منظرو المواجهة المحدودة بـ "الثورة في الوعي أو كي الوعي"، وبما أن هذا النوع من الحسم يعتبر صعب التحقيق، فإن المعتمد في المعارك العسكرية هو الحسم التكتيكي المؤدي بالتراكم إلى الحسم الاستراتيجي في الوعي.

 
وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون تحدث في هذه الموضوع في كتابه "طريق طول قصير" فقال "الحسم الاستراتيجي لا يمكن إنجازه نظرا لطبيعة الصراع، لذا فإن الحسم التكتيكي مطلوب بشكل دائم"، وشبه "أمر الحسم في المواجهة المحدودة بشخصين يتصارعان في حلبة من الوحل، واعتبر أن المنتصر هو الذي يوصل رأس الطرف الآخر إلى قاع الوحل ولا يقضي عليه".
 
أما وزير الدفاع الأسبق إسحق رابين فتحدث عن استخدام الحسم قائلا: "مفهوم سياسة الأمن الأساسية في إسرائيل هي أنه في ظل الظروف الحالية فإن هدف الردع هو منع حدوث حرب، وإذا كانت قدرتنا على الردع غير كافية فيجب أن نحسم الحرب بسحق قوات الدولة أو الدول التي تهاجمنا من خلال تحقيق مكاسب إقليمية بأكبر قدر ممكن من أجل التوصل الى وقف إطلاق النار بناء على طلب الطرف الثاني في الظروف المناسبة والمريحة لإسرائيل وبأسرع وقت ممكن، والتفسير العملي لهذه الأقوال هو أنه في حالة كون الردع الإسرائيلي غير كاف فسيكون علينا أن ننقل المعركة إلى أرض العدو".
 
وفي ظل المعطيات والواقع الميداني، فإن مفاهيم المعركة أصبحت لدى الجيش الإسرائيلي "إدراك بأنه لا يمكن تحقيق الحسم في المواجهة المحدودة" وباتت هناك قناعة بأنه لا يمكن تدمير القدرات العسكرية للمقاومة، وقد تعلمت اسرائيل على مر السنين أن محاولة القضاء على تهديد المقاومة تنطوي على أثمان وطنية وسياسية ثقيلة.
 

الجيش الإسرائيلي لم يحقق أي انتصار استراتيجي على المستوى الفكري أو التأثير على الوعي لدى الفلسطيني، والدليل على ذلك استمرار عمليات إطلاق النار والتدريب من قبل المقاومة خاصة في غزة
الجيش الإسرائيلي لم يحقق أي انتصار استراتيجي على المستوى الفكري أو التأثير على الوعي لدى الفلسطيني، والدليل على ذلك استمرار عمليات إطلاق النار والتدريب من قبل المقاومة خاصة في غزة
 

ويقول يعلون "إذا أخذنا الآن الساحة الفلسطينية كموضوع فحص ونقاش فإنه توجد هنا منافسة بين مصالح وبين إرادات لشعبين أو كيانين سياسيين، بالتالي فإننا لا نتحدث عن انتصار بالضربة القاضية وإنما على انتصار بالنقاط ولا نتحدث عن سبرينت "رياضة الجري السريع لمسافة قريبة"، وعن حرب لمدة أسبوع أو ثلاثة أسابيع تنتهي خلالها الأمور، وأيضا بعدها هناك حاجة الى ترجمة ذلك إلى إنجازات سياسية، الحديث يدور هنا عن سباق جري ماراثوني. هنا تجب الحاجة إلى طول نفس وإلى مكونات إضافية".

 
ولم يعد الجيش الإسرائيلي يستطيع أن يحقق حسما في المعارك استراتيجيا أو تكتيكيا، وبدأ يبحث عما يسميه صورة الانتصار، والعمل على تضخيمها على أنها الحسم. ففي حرب لبنان 2006 حاول الحصول على صورة انتصار من خلال اغتيال حسن نصر الله أو احتلال مراكز استراتيجية. وفي حرب 2008 ضد غزة اتخذ الجيش الاسرائيلي من الضربة الأولى صورة نصر ضخمها على أنها انجاز، أما في حرب 2012 فاتخذ من اغتيال الجعبري صورة ادعى النصر من خلالها. لكن في حرب 2014، حاول الجيش وبحث عن صورة انتصار محاولا الاستفادة من طول الحرب واعتقد أنه بقصف القائد العام للقسام محمد الضيف قد كون صورة لكنه فشل، وحاول أن يوجدها من خلال اغتيال القياديين الثلاثة في القسام أبو شمالة والعطار وبرهوم، غير أن ضخامة الحرب والعمل المقاوم الفلسطيني لم تعطه صورة النصر.
 
ويقول يتسحاق بن يسرائيل في كتابه "حرب لبنان الثانية… انتصار؟"، "من الصعب فهم ما حدث لنا في المواجهة الأخيرة مع حزب الله في لبنان دون أن نفهم مدى عمق تسلل ما بعد الحادثة إلى كل مجالات حياتنا، فكيف على سبيل المثال ينتصرون في الحرب؟ ذات مرة كنا نفكر بسذاجة بأن الانتصار هو خطوة تغير الوعي القائم إلى وضع أفضل بالنسبة لنا، وهذه بالطبع سذاجة فكرية، حسب التيار الفكري الحاضر لا يوجد أي وضع، توجد صورة فقط ووعي، النصر والخسارة في الحرب بهما موضوع وعي".
 
ورغم حديث الكثير من القادة الإسرائيليين عن تحقيق نجاحات عسكرية تكتيكية خلال مواجهة المقاومة، إلا أن الواقع يدلل على أن الجيش لم يحقق أي انتصار استراتيجي أو حسم على المستوى الفكري أو التأثير على الوعي لدى الفلسطيني من خلال المواجهة، والمتمثل في استمرار عمليات إطلاق النار والتدريب من قبل المقاومة خاصة في غزة، وتحذير التقارير الإسرائيلية من تنامي قوة المقاومة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.