شعار قسم مدونات

ثمانية في التربية

Blogs- family
وسط مشاغل الحياة قد يهمل البعض مسألة تربية الأولاد ويعتبرها مسألة ثانوية يمكن تأجيلها وقتا من الزمن، فقد لا يرى بعض الآباء غضاضة في أن يتركوا أولادهم لبضع سنوات ظانين أن دورهم يتلخص فقط في جلب المال للأسرة وأن دور الأم يكفي لتنشئة الأولاد، وأنه يكفي الأب فقط أن يسأل الأم من حين إلى آخر عن الأولاد، ويرضى فقط أن تشير له أن الأمور على ما يرام! هذا بالنسبة للآباء المغتربين، لكن بالنسبة للآباء المقيمين مع أولادهم ولا ينشغلون بأولادهم ولا يهتمون بأحوالهم فهذا خطب عظيم، فذلك لا يؤثر فقط سلبا على تكوين شخصية الأولاد بصورة سلبية، لكنه أيضا يرسم صورة الرجل – رب الأسرة – بشكل يحطم شخصيتهم مستقبلا ومستقبل الأجيال التي تليهم. 
 
إن بناء وتكوين شخصية الأطفال كبناء حائط، كل صف من صفوفه سنة من عمر طفلك وكل حجر يمثل قيمة تضعها في هذا البناء، هناك قيم لا تأتي إلا من الآباء وأخرى لا تأتي إلا من الأمهات، لذا فالمهمة مشتركة. إن سوّفت الاهتمام بالأولاد لسنتين أو ثلاث حتى تحصل على الترقية القادمة، فلقد تركت خلفك صفين أو ثلاثة من هذا البناء لن تستطيع العودة لها ويجب عليك أن تكمل البناء فوقها، فيصير إكمال البناء صعبا وأكثر ضعفا وأكثر احتمالية للسقوط مع الصعاب والأزمات، فشخصية الطفل تتشكل بقدر معين في كل عام من عمره وتتطلب تعاملا تربويا معيّنا يسهل اكتساب صفات معينة جوهرية في شخصيته، إن حاولت زرع بذور هذه الصفات في أوقات متأخرة لن تصل بداخله إلى العمق المطلوب. أضع بين يديك ثماني نقاط سريعة لكي تبدأ في التفاعل مع أولادك ولكي تساعدك على إعداد برنامج تربوي معهم تبدأ به من الآن:
 

النية للتربية وصناعة الأولاد
بمعنى آخر عدم الاعتماد على الآخرين في صناعة الأولاد، بمعنى المدرسة للعلم والنادي للتمرين وشيخ المسجد للدين ودورك فقط الخدمة أو وقت الترفيه عندما تتفرغ له! ربما يكون المعلم في المدرسة عنيفاً أو يتصرف الشيخ مع الأولاد بطريقة لا تحب أن يراها ولدك (مثل أن يعد من حفظ منهم بهدية ثم يتغافل عنها ولا يحضرها .. أو يعنف من لم يحفظ بصورة قد تنفر الولد من القرآن الكريم .. إلخ)، دورك ومتابعتك لا غنى عنهما مهما كانت كل البدائل متاحة ومتوفرة. 

 

صناعة القيم العليا تتطلب أن تكون أقرب ما يكون لطفلك، بمعنى آخر أن تكون أحب الناس إليه وأقربهم من قلبه
صناعة القيم العليا تتطلب أن تكون أقرب ما يكون لطفلك، بمعنى آخر أن تكون أحب الناس إليه وأقربهم من قلبه
 

التخطيط للحفاظ على وقت ثابت مع الأولاد يوميا

إذا تركت وقت الأطفال لوقت فراغك كأولوية ثانية في حياتك فلن تفرغ ولن تجد لهم وقتا وستمر الأيام والشهور والسنون وشخصيتهم تتكون وأنت لا دور لك في تكوينها، مهما كان وقتك ضيقا خصص لهم ولو بضع دقائق يوميا، فهذا أقل حقوقهم عليك، ولن تجد في حياتك من هم أغلى منهم، فهم غدا قرة عينك وهم سندك في شدتك وفي نهاية عمرك حينما لا يكون لك غيرهم. وتذكر أنك كما تدين تدان، إذا كنت تنشغل عنهم اليوم وهم يحتاجونك وإن كانوا لا يخبرونك بذلك فغدا ستحتاجهم أنت أيضا وإن لم تذكر لهم ذلك. إن كنت منشغلا عنهم بالعمل سينشغلون عنك به أيضا، وإن كنت تنشغل عنهم حتى بتطوعك في المسجد فغدا سيصبحون مثلك، إلا أنك لن تكون سعيدا حقا بذلك، فحقك عليهم سيكون أكبر حتى من العمل الخيري، فعلى أقل تقدير قدم يومك لغدك.
 
المحادثة
تخصيص وقت الأطفال ليس معناه أن تجلسوا بصمت سويا، أو أن تشاهدوا فيلما عائليا فحسب، أو أن تتناولوا الطعام سويا دون حوار! حادث أطفالك كما تحادث من هم في مثل سنك، أحسن الإنصات لحديثهم مهما كان مملا ولا معنى له، هم فقط يريدون إطالة الحديث كي يتمتعوا بالحوار معك وبانشغالك بهم ولا يريدون شيئا آخر فأعطهم ذلك، استعمل حواسك معهم، ليس الإنصات فحسب بل أيضا التقاء العينين وقت المحادثة وهز الرأس واستخدام لغة الجسد معهم وكل مهارات التواصل. ابدأ معهم الحوار ولو بأسئلة بسيطة يومية مثل "كيف كان يومك؟" ولا تكتفي أن يُقال لك جيد! بل اسأل كيف كان جيدا؟ ما الجديد الذي تعلمته اليوم؟ أذكر لي شيئا قمت به مع أصدقائك؟ ذكرهم بآخر مرة خرجتم فيها سويا واستحضر بعض المواقف وعلق عليها، احك لهم قصة قصيرة واطلب منهم التعليق عليها، المهم صناعة الحديث ومحاولة إطالته، وهذا ما يسمى بالـ (quality time).

 

صناعة القيم العليا
إذا كانت عندك النية للتربية وخصصت وقتا لها وبدأت في محادثة أولادك ولا يوجد عندك قيم عليا تنشئهم عليها، فإن العملية التربوية لن تتحقق. القيم العليا هي محور العملية التربوية، فمثلا أنت تريد أن تنشئ نبتة طيبة تقوم على الإيمان بالله عز وجل وعلى الأخلاق الحسنة وعندها من المهارات العقلية والجسدية (الرياضية) واليدوية ما يجعلها تضيف قيمة في مجتماعاتنا، فمثلا تنوي اليوم أن يكون المحور التربوي هو خلق من الأخلاق الإسلامية فتقوم بإعداد برنامج تفاعلي مع الأولاد أو فعاليّة للإعداد لذلك، كقصة أو لعبة، على أن تكون نهايتها هي القيمة الأخلاقية التي تريد أن تغرسها فيهم.

 

حاول أن تكون مبدعا مع أولادك فهذا سيجذبهم إليك أكثر، ابحث دائما عن فعاليات جديدة وعن أماكن مختلفة تذهبون إليها وعن أفكار مبدعة تقومون بتنفيذها سويا
حاول أن تكون مبدعا مع أولادك فهذا سيجذبهم إليك أكثر، ابحث دائما عن فعاليات جديدة وعن أماكن مختلفة تذهبون إليها وعن أفكار مبدعة تقومون بتنفيذها سويا
 

المشاركة

صناعة القيم العليا هنا تتطلب أن تكون أقرب ما يكون لطفلك، بمعنى آخر أن تكون أحب الناس إليه وأقربهم من قلبه، فلا يكون عنده من الأصدقاء من هم أقرب إليه منك، ولكي يتحقق ذلك، لابد ألا تكتفي بالحوار معهم فقط أو تربيتهم أو تعليمهم فتكون مثلك كأستاذ المدرسة فقط، لكن لابد أن تشاركهم اللعب بل تشاركهم في كل ما يحبون، فإن كان أكثر شيء يحبونه كرة القدم فالعب معهم وإن كانوا من هواة الرسم والتلوين فاجلس معهم بل وتنافس معهم، وإن كنت لا تجيد رسم أبسط الأشياء، فنيتك الحقيقية ليست المنافسة بل المشاركة والتقارب.
  
التقييم والمكافأة
تكلمتم بالأمس عن قيمة الصدق والتحلي به رغم الظروف والعواقب، كل مرة تلاحظ فيها صدقهم معك تكافئهم عليها وتثني على تحليهم بهذا الخلق ولا تكتفي بملاحظته في نفسك وكأنه أمرعادي، عظم القيم العليا في نفوسهم.

الإبداع
حاول أن تكون مبدعا مع أولادك فهذا سيجذبهم إليك أكثر، ابحث دائما عن فعاليات جديدة وعن أماكن مختلفة تذهبون إليها وعن أفكار مبدعة تقومون بتنفيذها سويا، إذا جلستم في المنزل فأحضر لهم أي أدوات حرفية (craft tools) مثل بعض علب الكرتون الفارغة ومسدس شمع وشفرة قطع (يُراعى عمر الأطفال في ذلك) ثم خططوا لبناء مدينة أو قلعة كبيرة سويا ووزع الأدوار عليهم على ألا يكون فيهم متفرج، حتى وإن كان الطفل صغيرا اعطه دورا ولو بسيطا كمناولة الأدوات مثلا أو حتى الاعتناء بها فقط.
 
إن قررتم في يوم العطلة الخروج لا تكتفي بالتخطيط للمكان فقط بل خطط حتى للفعاليات التي سيقومون بها في الطريق، ربما تبدأ معهم باستحضار النية من هذه الرحلة وذكر أهدافها وربما تسأل كل منهم عما يحب أن يفعل اليوم بل ربما تطبع لهم خريطة الرحلة من المنزل إلى مكان النزهة وتطلب منهم تتبع الطرق على الخريطة، فيتعلم الأولاد كيف يقرأون الخرائط وكيف يتابعون التقاطعات المرورية وأسماء الشوارع، تذكر دائما أن الأولاد يتعلمون من كل شيء ولو كان بسيطا وأن تبقيهم مشغولين أفضل من تركهم يتصارعون أو يختلفون على أمور تافهة، وتذكر أن الأطفال يحبون التجديد ويكرهون الرتابة، فلا تكن مملا بالنسبة لهم.

 

صناعة الشخصية القيادية
حاول أن تعقد اجتماعا أسبوعيا تناقشون فيه أي شيء لكن اجلسوا سويا، ربما تقوموا بتقييم الأسبوع الماضي واستحضار أي دروس مستفادة منه أو أخطاء عليكم تجنبها مستقبلاً، أو ربما يكون الاجتماع لمناقشة أين ستذهبون في عطلة نهاية الأسبوع، وما الذي يجب أن تحضرونه معكم، أو ربما تقوموا بعمل القائمة الغذائية للأسبوع المقبل، ماذا سنأكل في طعام الغداء والعشاء يوميا، أي شيء، لكن المهم أن تحضروا جميعا وأن يشارك كل فرد في الأسرة في الحوار وأن يدلي برأيه. إحرص على إضافة ما يقوله الأولاد من الأفكار وتحويلها إلى واقع وذكرهم وقت تنفيذ هذه الأفكار أنهم هم أصحابها وأنها كانت أفكارا جيدة، اجعلوا رأيكم شورى بينكم ولا تخف فأنت لن تناقشهم في مقدار المصروف الشهري لكل منهم أو في أمور كبيرة، اجعلهم صانعي القرار وشاركهم في مسؤوليات الأسرة.

 
هذه ثماني نقاط إرشادية في العملية التربوية، وتذكر أن كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وأولى رعيتك بك من هم من صلبك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.