شعار قسم مدونات

كن جميلا

Blogs- woman
لك يا أيها الحزين يخاطبك الشاعر إيليا أبو ماضي ويقول لك:
 
أيّها الشاكي وما بك داءُ
  كُن جميلاً ترَ الوجود جميلا
 
يا لدقة مفردات ذلك الشاعر عندما اختار كلمة الوجود في بيت شعره ذاك، كم هي شاملة ومعبرة، كأنه يريدنا أن نرى الجمال في كل شيء، في أنفسنا في تعاملاتنا وفي حياتنا كلها، في جميع من عرفنا سواء أشخاصا كانوا أم أماكن أو حتى أوقاتا نقضيها أو سنقضيها، فقط علينا أن نكتشف سر ذلك لتنفتح لنا أبواب الجمال على مصراعيها.
 
لك أنت يا أيها الحائر، كُفَّ عن حيرتك فما من حيرة إلا ولها هُدى، حتى المتاهة مهما بلغت صعوبتها أو كثرت سُبُلها فلا بد أن يكون لها مخرجٌ في نهاية الأمر تُبصر النور منه وتركض إليه حامداً الله أن هيأ لك منفذ الخلاص وشاطئ الأمان لمركبك التائه. أنت يا أيها المتشائم كُفَّ عن سوداويتك التي جلبَتها لك الأيام، فما يتبع الشؤم سوى البؤس والخراب، وعليك بالتفاؤل وحُسن الظن بالله فلن يجلبا لك إلا الدروب الخضراء وتحقيق الأماني، فكُن نورا يتوهج وصدا يتلجلج وبحرا يتموج، كُنت شمساً تُشرق ونصلاً يبرق وغيثاً يُغدِق، ما لقلبك حطمه فأس اليأس فإياك أن تركن ليأسك وكُن جميلا.
 
أنت يا ذا الجناح المكسور ألا تؤمن بالتعافي؟ أفإن يئست من عيادات الأطباء برمتها وظننت أن لا علاج لكَسرك فلا تنس أن العيادة الإلهية مفتوحةٌ لكل مصاب وما لجأ لها أحدٌ إلا وخرج منها سليماً معافى يحمد الله على عطاياه .. فكُن جميلا.
 
أنت يا ابن الفقيدِ أو أخاه أو أباه أو صاحبه، لئن ضاق بك صدرك وعظُمت أحزانك ولم يجف دمعك، تذكر أن من قبلك الصحابة قد فقدوا أشرف الخلق وأنقاهم، رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى استدعى ذلك من حزنهم عليه أن يخرج إليهم أبو بكرٍ الصديق ويقول للحشر من الناس يُهدِئ من روعهم ويخفف عنهم ويذكرهم أنه ما من أحدٍ من الخلق إلا وسيكون يوماً فاقدا أو فقيدا، فيقول لهم ولمليارات المسلمين من بعدهم "من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت"انفُض عنك غُبار الحزن وامضِ في طريقك صابراً محتسباً مؤمناً بالله وبما كتبه من القدر خيره وشره واعلم أن الجمال باقٍ ولن يزول، فكُن جميلا.
 

يا فاقد الجمال أو من تبحث عنه، فإنه حتى تلك الآلام وكل الآلام والمصائب والمشاكل نستطيع أن نرى الجمال من خلالها بدون أن ندعها تحجب عنا نوره وبريقه
يا فاقد الجمال أو من تبحث عنه، فإنه حتى تلك الآلام وكل الآلام والمصائب والمشاكل نستطيع أن نرى الجمال من خلالها بدون أن ندعها تحجب عنا نوره وبريقه
 

أنت يا أيها العاصي لا تقنط من رحمة الله التي وسعت كل شيء، أفهل نسيت أن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء؟ فما من معصيةٍ إلا و لها توبةٌ صادقة وما من نزوةٍ إلا ولها رجعةٌ إلى الله تُزيل ما حل في القلب من سواد وتُبدله زهوراً و إيماناً و صلاحا، فكُن جميلا..

 
أنت يا أيها الفقير لا تركنن لحالتك، ألم تعلم أن لكل همٍ فرجاً وأن لكل ضيقٍ مخرجا؟ لئن مللت يوما فكُن على علم بأن لكل ضنك وسعة ستزيله، فالتمس طُرق التطلع والهمة والنشاط وتوخ الفتور والرقود والقعود وانتظر بعدها مباركة الله، فما سعى أحدٌ في الأرضِ ودعا الله مع سعيه إلا وأجابه الله وبارك له رزقه ونفسه وأهله، وكُن على علم أن الغنى غنى النفس والإيمان والصلاح وإليك قول رسول الله: "طُوبَى لِمَنْ طَابَ كَسْبُهُ ، وَصَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ ، وَكَرُمَتْ عَلانِيَتُهُ ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ" هذا قول رسول الله لك فكُن جميلا..
 
أتعلم يا فاقد الجمال أو من تبحث عنه، فإنه حتى تلك الآلام وكل الآلام والمصائب والمشاكل نستطيع أن نرى الجمال من خلالها بدون أن ندعها تحجب عنا نوره وبريقه، حتى لو واجهتنا تلك المِحن بشدة أو كَثُرت، فعندما نبقى صامدين لرؤيتنا للجمال نكون قد حققنا المعنى الأسمى لأن نكون جميلين بحق، ويفسر لنا الأديب المشهور "يوهان غوته" هذه الحالة بكلمات تستحق أن تكون شعار الجمال للعالم أجمع على مر العصور حيث يقول: "يمكنك أن تصنع الجمال حتى من الحجارة التي توضع لك عثرة في الطريق"، ومنه نستمد تحذيرا حقيقيا لخطورة اليأس، فكم قضى اليأس على آمال وأصحابها، ولو أن اليأس قد تسرب لقلوب العلماء والمخترعين لما عاصرنا التطور ولبقينا في عصور البساطة إلى الأبد.
 
ومن يدري لعل الكثير من الأشياء التي لم تحصل إلى الآن لكنا قد استخدمناها أو عاصرناها لولا أن اليأس قد تسلل إلى قلوب من كان يحاول أن يبتكرها أو يكتشفها، ولنا في رسول الله أسوةٌ حسنة في الجمال والصبر والأمل والعمل، فكم واجه الرسول الحليم مصاعب ومتاعب، غير أن اليأس لم يتخلله وكان العزم والإيمان بالله مبدأه ولهذا اختاره الله ليكون رسول العاملين وليُوصل لنا الجمال الأسمى، جمال القرآن و الإيمان و الهَدي .. فكُن جميلاً تر الوجود جميلا..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.