شعار قسم مدونات

تحرير القدس.. مبتغى الحكماء

Blogs- فلسطين
تأمل في حال المسلمين والعرب في هذا الزمن، أنظمة لن تجد لها وزنا في المجتمع الدولي ولا أثرا في وقت المحنة والأزمات، تحارب بعضها البعض، والنتيجة جهل وفقر وجرائم وسط أبناء الشعب. في هذا الوسط يحاول المواطن البسيط العيش بكرامة، إلا أن عصا الاستبداد تمنعه منذ المحاولة الأولى، أما العقلاء الجاعلون من تنفُّس الحرية المقصد الأول فهم يدفعون الثمن غاليا، والحكماء المناضلون من أجل تحقيق الإنصاف والعدل فهم ممنوعون في دولة العشيرة ومجتمع الزبونية. 
 
إن الحديث عن الحرية وتحقيق الإنصاف ومحاربة الفساد والاستبداد يدخلنا إلى طريق أقل ارتيادا وإن كانت الخطورة فيه سببا في كل الاختلافات، لكنْ علينا أن نؤمن جميعا بأن مواقف الاختلاف تفجر مخزوناً هائلاً من الأفكار تكون فائدتها أعظم إن وجهت في الاتجاه الصحيح. فلا بأس إذن أن نقرأ ونتقبل رأيا من أصدقائنا وإخواننا عندما يعبّرون "تازة قبل غزة" أو "الريف قبل القدس".
 
اختلاف بسيط جعلني أسافر إلى القدس الشريف عبر صفحات كتب وفيديوهات، وأنسى لبضع ساعات مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولا بأس أيضا أيها القارئ في أن تجد في الكلمات المقبلة دعوة الى نصرة القدس وفلسطين. فالقضية قضيتنا جميعا والقدس قبلة المسلمين الأولى هي أرض الإسراء والمعراج، فلسطين أرض مقدسة. القدس تاريخياً هي مدينة عربية الأصل، كانت موطنا للعموريين والكنعانيين واليبوسيين، وتقلب عليها الفراعنة واليهود والفرس واليونان والرومان حتى جاء الفتح الإسلامي. قبل هذا الفتح كان الفرس ينهبون الأرض المقدسة، يقال إنهم ذبحوا تسعين ألفا ممن يتبعون المسيحية. وللرومان وغيرهم حكايا تزعج الإنسان. فأي ظلم هذا؟ هل ستنتصر للضعفاء في ذلك الزمان؟ أم أنك من أصحاب قولة "هنا قبل أي مكان". لن أنزعج من رأيك، فتلك الحقبة التاريخية أصبحت من الماضي والخالق عز وجل لم يقبل الظلم بين عباده، ولهذا السبب بُعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم لينشر رسالة السلام والتعايش والحب.
  
بذكر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- ودين الإسلام لا بد من أن أهمس جهرا في أذنك أيها القارئ: "اقرأ"، جاهد بها لآخر نَفسِك في حياتك.. إن استجبت لا تنسَ أن تقرأ قصة فتح القدس من قبَل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لتستمتع وتستفيد من لحظة تاريخية، جليلة.. ستجد في القصة حوارا راقيا بين عمر العادل وبطريرك القدس، إذ قال هذا الأخير في إحدى أجوبته "ما حزنت لأنكم دخلتم دخول الفاتحين الغزاة، لتكون الدنيا دولا بيننا، ونستردها يوماً ما، ولكنكم ملكتموها إلى الأبد بعقيدة الإسلام وحكم الإسلام وأخلاق الإسلام".
   

لا بد أن نعرف أن أوطننا تحتاج إلى توزيع عادل للثروة وحكم راشد بكل مؤشراته وتفعيل المواطنة بكل عناوينها
لا بد أن نعرف أن أوطننا تحتاج إلى توزيع عادل للثروة وحكم راشد بكل مؤشراته وتفعيل المواطنة بكل عناوينها
     
ابتعدنا اليوم عن الإسلام فخسرنا القدس خسران الفاشلين الجبناء الصامتين. وأصبح منا من يستهزئ بنصرة قضايا الأمة. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "من أصبح وهمه غير الله فليس من الله ومن أصبح لا يهتم بالمسلمين فليس منهم". وقال أيضا، صلى الله عليه وسلم "من أصبح وهمُّه الدنيا فليس من الله في شيء ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن أعطى الدنية من نفسه طائعا غير مكره فليس منا".
 
لا بأس في أن تبرر من جديد وتدافع عن قولتك إن كانت كلمة "قبل" رئيسة في جملتك وأن تعرف أن قبل "المغرب وقبل فلسطين" هناك "مدينتي أو قريتي قبل أي مدينة أخرى" وقبلها "أسرتي قبل المجتمع"، ولن أنسى "نفسي قبل كل شيء".. "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"، التغيير: إنه التحول الكبير الذي يحقق في المجتمع الكرامة والحرية والعدل، وعندئذ لا بد أن يكون تحرير الأقصى بطريقة صلاح الدين الأيوبي. لكنْ قبل كل شيء -ما أجملها من كلمة (قبل) لا بد أن نعرف أن أوطننا تحتاج الى توزيع عادل للثروة، وحكم راشد بكل مؤشراته وتفعيل المواطنة بكل عناوينها. ولا تنسَ أيها القارئ أن سقوط دولة الفساد والاستبداد لا يعني بالضرورة قيام دولة الديمقراطية، دولة الحق.
  
وإن كنت ممن يحذفون كلمة "قبل" في شعاراتكم فنأمل أن تؤمن بأن الشعب رمز الأوطان، وإن كنا نأسف على وجود أمثالك ممن يتلقفون أبجديات العلم والدين ويحاولون أن ينتصروا للظلم والاستبداد. ولا يتوقفون عند هذا، فقط بل يستهزئون من تضامننا مع الأقصى.. والحقيقة أننا لا ننزعج من قولكم، وسيظل تحرير الأقصى وفلسطين مطلبنا وغيتنا.
  
وفي الختام أبشّركم بهذا الحديث النبوي وأنا على يقين بأني سألتقي مع بعضكم بعد قراءته لهذا الحديث في طريق ليست أقل ارتيادا، وقبل اللقاء أخبره بأني راكب في سفينة أحول أن أتصف بالعقل المتحرر والفكر المتنور والوعي المتبصر والسلوك المتحضر. فهيا بنا نركب سفينة الحب والتناصح، فبها الاختلاف يثري ويطور ويبني ويؤسس لدولة تجعل الفرد إنسانا لا آلة.
      
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.