شعار قسم مدونات

بين "فيرنر براون" وخالد علي

مدونات - خالد علي

فيرنر براون هو فيزيائي ألماني (ثم أمريكي). كان مهندس طيران، تخصص في صناعة الصواريخ وساعد في تطوير التقنية الصاروخية لـألمانيا، حيث قاد برنامجها الصاروخي الذي عُرف بـ"V 2″ خلال الحرب العالمية الثانية. بسبب هذا البرنامج الصاروخي قُتل 7000 إنسان في بريطانيا أثناء الحرب.

 

بعد هزيمة ألمانيا النازية حوكم قادتها كمجرمي حرب، أُعدم بعضهم وسُجن آخرون، لكن مفارقة عجيبة حدثت: أفلت براون من العقاب مع أنه تسبب في قتل آلاف الأبرياء، بل سافر إلى أمريكا ومُنح الجنسية الأمريكية! حيث انضم لبرنامج "ICBM" الأمريكي ثم وكالة ناسا الفضائية، ليصبح المهندس الرئيسي لمركبة استكشاف زحل الخامسة، ثم يطور المسعى الفضائي الأمريكي حتى يصل رواد الفضاء الأمريكيون إلى القمر، بعد تعديل وتطوير أبحاثه السابقة عن الصواريخ في ألمانيا. لذلك كله، يرى البعض أن براون بمثابة أب للبرنامج الفضائي الأمريكي.

 

أحد ألد أعداء أمريكا وقع بيدها فلم تعدمه ولم تسجنه لأنه قتل الآلاف ببرنامجه الصاروخي، بل منحته جنسيتها وفتحت له أبوابها ومكّنته من قيادة أهم برامجها في ذلك الوقت، لماذا؟ لأن أمريكا يحكمها سياسيون، والسياسة مبنية على اقتناص الفرص الممكنة.

 

 فيرنر براون  (مواقع التواصل)
 فيرنر براون  (مواقع التواصل)

بعد أن حصل براون على صليب الاستحقاق الحربي من قادة ألمانيا النازية عام 1944، تقديرا لجهوده في قتل جنود ومواطنين ينتمون لمعسكر الحلفاء (مع احتمال كبير بأن يكون جنود أمريكيون من ضمن ضحاياه).. بعد ذلك ينال براون قلادة العلوم الوطنية الأمريكية سنة 1975! بهذه العقلية وصل قادة أمريكا إلى سطح القمر.

 

بالطبع لا أقصد مقارنة خالد ببراون، خالد لا يطمح إلى قلادة، بل يتوقع "كلابشا" وشيكا في يديه. بعد الحكم على العقيد النبيل قنصوة بالسجن 6 سنوات لإعلانه الترشح بالزي العسكري (وهو ما فعله السيسي حرفيا)، وبعد احتجاز الفريق شفيق في فندق حتى تحرى الدقة واكتشف أنه ليس القائد الأمثل للبلاد؛ بعد ذلك وغيره من تصريحات محمد أنور السادات والحاج سمير البمباوي بأنهما سيترشحان لكنهما يؤيدان السيسي… لا أظن خالد علي ساذجا بحيث لا يتوقع حكما بالسجن عليه في جلسة مارس المقبل، لكن خالد مدرك أن المعارك السياسية يجب أن تُدار وفق قوانين السياسة، وليس المشاعر (رغم نبلها أحيانا).

 

حين يتم التغيير بثورة، دون انتخابات، يكون وجود كيان أو تكتل ما أمرا ضروريا، يوفر خسائر طائلة كالتي خسرناها ونخسرها منذ ثورة يناير

أول هذه القوانين استقراء التجارب التاريخية، وهي تخبرنا أن مبدأ سقوط طاغية بصندوق انتخابات أمر ممكن، حدث ذلك مع سفاحين عديدين، منهم بينوشيه ويحيى جامع وغيرهما. لم يترك طاغية كرسي الحكم مختارا، والانتخابات ليست بطبيعتها حركة ثورية، لكنها نجحت في التغيير أحيانا. ومع أن لكل بلد ظروفه، ولكل تجربة شروطها، بحيث لا يمكن افتراض تشابه مسارنا ومسارات دول أخرى، فإننا نستطيع إثبات أن المبدأ وارد ممكن.

 

من قوانين السياسة أيضا أننا نكاد نضمن نتائج الفوز السهل للسيسي؛ وهي ذات النتائج التي ذقنا وبال أمرها حين فاز في 2014، أما حين نسعى إلى مواجهة ما، فيمكننا أن نبدأ الطريق نحو تكتل أو تحالف قد ينمو ببطء ويتحرك حين تتغير الظروف. أظن أنه مع استمرار أداء السيسي وحكوماته، سيتضاعف الفقر منذرا بانفجار مروع لا نعلم وقته، لكننا نخشى أن تكون من عواقبه اندلاع أعمال إرهابية مسلحة. إذا لم تكرر مآسي داعش، فسوف تحصد الكثير من الأرواح ويكرس الرعب الذي يدفع الجماهير للتوسل إلى زعيم "دكر" يقبل قيادة البلد والإصغاء إلى أنغام ورقصات تسلم الأيادي. كل المؤشرات ترجح أن يكون الانفجار القادم عنيفا، مع إصرار عجيب من النظام الحاكم على خنق المجال العام حتى الموت. تعلمنا السياسة أن العمل المنظم ضمن كيان ما، وسيلة فعالة لحماية التغيير وجعله سلميا قليل الخسائر.

 

حتى حين يتم التغيير بثورة، دون انتخابات، يكون وجود كيان أو تكتل ما أمرا ضروريا، يوفر خسائر طائلة كالتي خسرناها ونخسرها منذ ثورة يناير، لأننا لم ننتبه بعدها لضرورة وجود كيان سياسي منظم يدير أداءنا السياسي وينظم حركتنا نحو تحقيق أهدافنا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رابط

فيرنر فون براون

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.