شعار قسم مدونات

أربع ساعات كهرباء.. بها فلْتعِش

Blogs- gaza
الماء والهواء والكهرباء عناصر المثلث الأساسي لإنسان يعيش في هذا القرن، لو اختلّ أحدها أصبحت منظومة الحياة غير مستقرة، فماذا نقول نحنُ هنا في غزة؟! في غزة أربع ساعاتٍ فقط يرى فيها سُكانها الصامدون الكهرباء، أربع ساعاتٍ تنقص مع الأحمالِ لأنّ كل الأجهزة تعمل في آنٍ واحد ولا مولدات قادرة على هذا الحِمل، أربع ساعات تتقلّص لثلاث ونصف… لثلاثْ… لساعتين أو ربّما لمجرد ومضاتٍ كهربائية!
 
أربع ساعاتٍ كلَّ اثنتي عشرةَ ساعة انقطاع للكهرباء أو يزيد، ماذا عساهُ كائن بشريٌ أن يفعل بها وهو يعيش في القرن الواحد والعشرين وفي عصر التكنولوجيا والاتصالات والزمن السريع؟! تخرج من المنزل لعملك، ستكون محظوظا جدا لو كان مكان عملك مزودًا بمولد كهربائي في حال انقطاع الكهرباء الرئيسية، تخرج من منزلك لا كهرباء، ترتدي ما ترتدي وربما تكتشف عندما تخرج أن ثمّة ألوانا أخرى عندما تبهرك أشعة الشمس بسطوعها، تنتهي من عملك لتصل للبيت أيضا بلا كهرباء والعتمة تغطي الأرجاء، وربّما تسأل القاطنين فيه هل رأيتم الكهرباء؟ هل زارتكم اليوم؟
 
قد تتأخر في تسليم بحثك العلمي لأنه لا وجود للكهرباء في المنزل، وقد يطول بك الوقت لإجراء معاملة ما في مؤسسة حكومية أو غيرها لأن التيار منقطع، أو في انتظار أن يعمل المولّد الاحتياطي، وقد يفقد الكثير حياتهم المرهونة بأجهزة طبية تنعش ما تبقى من دقات قلوبهم وأنفاسهم.
 
وإن عدنا للمنزل لك أن تتخيل كيف لكل أعمال المنزل أن تنجز في أربع ساعات يتيمة! وماذا لو كانت هناك أعمال أخرى تحتاج لأقل ما فيها إنارة جيدة تُضيء شيئا من القلب الذي انطفأ منذ زمن. أوقات المنبّه مضبوطة على موعد إطلالة الكهرباء، وجدول الأعمال مرتبةٌ أولوياته بناء على الكهرباء! وأنت تترنّح بين خيارات البحث عن بدائل للكهرباء من بطاريات "UPS" أو خلايا شمسية أو غيرها.
 

هذه غزة، وهذا ما نحياه، والمشكلة أننا صامدون، نعم مشكلة، لأنّ مقدار تعوّد هذا الشعب وتأقلمه فاقت الحدود، فلو تقلّصت الكهرباء لساعتين لأعاد كل واحد منا ترتيب أموره وأعماله بناءً عليها
هذه غزة، وهذا ما نحياه، والمشكلة أننا صامدون، نعم مشكلة، لأنّ مقدار تعوّد هذا الشعب وتأقلمه فاقت الحدود، فلو تقلّصت الكهرباء لساعتين لأعاد كل واحد منا ترتيب أموره وأعماله بناءً عليها
 

وفجأة عندما تسمع صرخة عميقة الإحساس عالية الصوت لا تحفل بها كثيرا، إنما هي فرحة الصغار والكبار عندما عادت الكهرباء، ليجتمع الصغار حول جهاز إلكتروني يتابعون أفلامهم الخاصة وهو موصولٌ بمقبس الكهرباء، بينما يصطفُّ الكبار على التلفاز يتابعون أخبار العالم وأخبار مصالحة من بعض شروطها الأساسية جلُب حق لشعب، ويصاغ هذا الحق على أنّه هدية!

 
فعلا هذه غزة، وهذا ما نحياه، والمشكلة أننا صامدون، نعم مشكلة، لأنّ مقدار تعوّد هذا الشعب وتأقلمه فاقت الحدود، فلو تقلّصت الكهرباء لساعتين لأعاد كل واحد منا ترتيب أموره وأعماله بناء عليها، فإذا زادت الكهرباء ساعتين على الأربع فأصبحت ستّا أصبح الوضع مقبولا، وإن تطوّرت لثمانِ ساعات يوميًا كأنما انتقل الشعب لمرحلة البرجوازية، وإن عاشوا يوما كاملا بكهرباء كاملة طيلة اليوم فكأنما حازوا على الجنّة؛ ثم إلى متى؟! وعندما تنعدم الكهرباء هذا يعني انعدام توفر الماء بصورة كاملة، فالماء والكهرباء توأمان لا ينفصلان لكنّهما في غزة كأنهما طليقان متنافران! فإما كهرباء أو ماء ونادرا ما يجتمعان.
 
وإذا تعمّقت أكثر ستكتشف الكوارث البيئية والصحية الناتجة عن انقطاع التيار الكهربائي في غزة، عليكَ بنظرة مأساوية على مستشفياتها، مؤسساتها التعليمة، وحتى شوارعها التي استبدلت إشارة المرور بشرطي يلوح بيده يمنةً ويسرة، وتفنجر حنجرته إثر صفيره القوي بصافرة المرور! قس على ذلك أمور كثيرة، معاناة أفرادٍ وجماعات بل معاناة شعبٍ كامل يعيش في غزة تتراهن عليه كل القُوى، ورغم ذلك يزدادُ قوّة ربّما تصل حدّ الانفجار، ورغم كل شيء فإن ثمّة إنجازات تخرج من دون مقوّمات الحياة للحياة، من ماء وكهرباء منقطعين وهواء ملوّث تستمر الحياة.
 
حتى مقالتي هذه زاحمت كلماتها دياجير الظلام كي ترى النور، وتبعثرت حروفها بين هاتفٍ أوشكت بطاريته على النفاذ وبين حاسوبٍ بالكاد استعاد طاقته! لتخرج وتقول ما يردده الكثيرون: وأنتَ في طريقك للبحث عن الحياة لا تنسَ أن تعيش، وأنا أقول وأنت في طريقك للبحث عن الكهرباء كيف ستعيش.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.