و إن كنت قد استمعت إلى أكثر الأغاني نجاحاً عام 2015 فلا بد أنك سمعت عن أغنية "Stressed out"، في هذه الأغنية من ألبوم "bluryface" يتحدث تايلور عن حنينه إلى ماضيه، إلى طفولته وما كان يصاحبها من الراحة النفسية، حيث يصف طفولته وما صاحبها من ذكريات وروائح تربطه بتلك الذكريات، بعائلته وبأخيه. ويتمنى لو أن الزمان يعود يوماً للوقت الذي كانت فيه أمه تغني له قبل النوم، ولكنه اليوم شديد التوتر والتفكير، يحمل على عاتقه العديد من المسؤوليات بدلا من أن يلعب ببيت الشجرة أو يركب الدراجة الثلاثية لمنزل صديقه جوش، ويلعبا لعبة التمثيل ويتخذا لنفسيهما أدوار رواد الفضاء.
في الأغنية التالية يصف لنا تايلور شعوره بالاكتاب، المسبب الأول للعجز حول العالم "Migraine": "هل أنا الشخص الوحيد ممن أعرف الذي يواجه الحروب المندلعة خلف وجهي و أسفل حلقي؟" هكذا يبدأ تايلور هذه الأغنية التي تعتبر إحدى أجمل ما غنته هذه الفرقة، حيث يرسم تايلور فيها صورة رمزية رائعة واصفة بمخيلة جامحة مرض الاكتئاب وما يسببه من أوجاع جسدية كالصداع النصفي، وهو عنوان هذه التحفة الفنية؛ يخبرنا تايلور أنه مصاب بالصداع النصفي الذي -ولا يخفى على أحد- يعتبر أحد أسوء الآلام التي يمكن اختبارها في الرأس على الإطلاق، واصفاً أنه وبيوم الجمعة يكون أفضل حالاً من أيام الأحد التي يعتبرها "أيام انتحاره".
"Car radio"هي الأغنية التي استطاعت أن تنقل الفرقة من الصيت المحلي إلى الشهرة العالمية، هي المفضلة عند معجبي الفرقة بلا منازع والأكثر تأثيراً على الإطلاق؛ وهي تصف ببساطة أن شخصا ما سرق راديو سيارته! بسيط جداً أليس كذلك؟ لكن ليس لتايلور؛ فالراديو ما هو إلا استعارة عن كل ما يمكنه كبح جماح عقلك شبه المختل الذي لا يكف عن التفكير مطلقاً، هو كل ما يمنعك من الالتفات لاكتئابك في كل لحظة تظن أنك ستضعف ويظهر ضعفك للعلن.
يبدأ تايلور الفيديو و هو واقف أمام المرآة واصفاً شعوره وقد اختفى الراديو الخاص بسيارته وهو جالس بصمت قائلاً: "أحياناً يكون الصمت عنيفاً صارخاً". ثم يتذكر خلال صمته هذا كيف أن ما بداخله أصبح صعب الإخفاء، وكيف أنه يحاول جاهداً ألا يتذكر أنه قد قتل نفسه داخل أحلامه غير المتحققة، وهو الآن يكره "هذه السيارة التي تفتقر لمخبئ له" فهو مضطر الآن لمواجهة ما يشعر به، وهو قاس للغاية لدرجة قد تجعله يحرك عجلة القيادة نحو الهاوية.
وأثناء قيام تايلور بحلق شعره كاملا، تبدأ المواضيع الأساسية الكبرى في التاريخ البشري تمطر بسهامها داخل رأسه، فيفكر بالوجود والإيمان والقلق المترتب عن التفكير فيها حد الغرق. ويضعنا تايلور بين خيارين: إما الإيمان أو النوم، ويشرح لنا أن الإيمان هو أن تبقى مستيقظاً، وأن نبقى مستيقظين يعني أن نفكر بعقولنا، وأن نفكر يعني أننا على قيد الحياة. ويقول إنه سوف يحاول مع كل قافية أن يدخل حتى يخبرك بأنه عليك أن تحاول التفكير! فالتفكير وبرغم أنه قد يكون سبب العلل النفسية التي أحاطت به، لكنه بدونه كما النائم أو الميت. يختتم تايلور هذه الأغنية في مشهد صارخ بكل معنى الكلمة، فهو يصرخ بأنه "الآن يجلس في صمته" ولكن صراخه جلي واضح بأن صمته يعكس صورة كاذبة عما في داخله.
قد لا تكون هذه الفرقة متناسبة مع ذوقك العام في الموسيقى، وقد لا تعجبك الضجة المصاحبة لكثير من أغانيها والغناء بصخب مصحوباً بمشاعر متقدة بالألم والغناء السريع الذي يبدع فيه تايلور. لكن إنكار أن هذه الأغاني تمس عمق العلل النفسية قد يكون مشكلة، خصوصاً لو وافقها من يمر بتلك الاعتلالات يوماً بعد يوم.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.