شعار قسم مدونات

لماذا لا يعلن الإخوان في مصر حل الجماعة؟

Blogs- egypt
إن الصدمة العنيفة التي تلقيناها منذ انقلاب الثالث من يوليو ٢٠١٣م في مصر، مرورًا بمذابح الحرس والمنصة ورابعة والنهضة ورمسيس، وموجة الاعتقالات والتصفية خارج القانون حتى يومنا هذا؛ كانت دافعة بقوة لطرح سؤال أساسي وضروري في ظل القرار الإقليمي والمدعوم دوليًا على استحياء بتصفية الإسلام السياسي تماما في المنطقة. 
  
إن مشروعية السؤال وضرورة التفكير الجديّ فيه، تكمن في تصوير دقيق لواقع الإسلاميين في مصر بشكل عام، والإخوان بشكل خاص، إذ إن الوضع الراهن وبعد خمس سنوات من إحياء الحكم العسكري بصورته الجديدة في مصر، فإن الإسلاميين بدون فاعلية ولا تأثير حقيقي، وحقيقة الوضع أنهم تحت وطأة الملاحقة والتنكيل والضغط الأمني، ولا مساحة أو قدرة على خلق ردة فعل ذات قيمة، بل إن الظهير المجتمعي الذي كانت تراهن عليه، بات خنجرًا يضربها خلسة وبغتة في كل وقت وحين.
 
الواقع أيضًا أن ثمة خطة إقليمية تسير بقوة لتصفية أي فاعلية أو تأثير ولو بسيط للإسلاميين، إلا في إطار النموذج المدجن الذي تصدره بعض دول الخليج ومصر، كما أن سقف القمع المسموح به "غربيا" ضد الإسلاميين في الشرق الأوسط، بات ذا أفق مفتوح، ولم تعد تفلح ضغوط منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان في كبح جماع الاستبداد والسلطوية القمعية في أي من بلداننا العربية.
 
بحسب معلوماتي، فإن الإخوان المصريين في السعودية قرروا تخفيف وتيرة العمل الجماعي بشكل عام، الملفت منها تحديدا، في ظل الوضع السياسي الجديد هناك، والخشية من الالتفات إليهم ضمن موجة التموضع الجديد في الحكم هناك. كما أن الضغوط التي تواجهها قطر، تجعل منها مستقرًا خطرًا للإخوان، خاصة مع فشل الإخوان في تحقيق أي تقدم في ملف مواجهة نظام السيسي، وهو ما قد يجعل قطر تضع ملف الإخوان ضمن أول ملفات التفاوض التي يمكن التنازل عن التمسك بها في الأزمة الخليجية، إذ بات الإخوان عبئا عليها ولا فاعلية ولا فائدة حقيقية منهم في هذا السياق.
 

الجماعة تبدي مرونة في التفاوض والتموضع المستقبلي، وإن سقف التفاوض مفتوح بشرط تقديم ضمانات وتنازلات من النظام في ملفات المعتقلين
الجماعة تبدي مرونة في التفاوض والتموضع المستقبلي، وإن سقف التفاوض مفتوح بشرط تقديم ضمانات وتنازلات من النظام في ملفات المعتقلين
 

لم يبق كمأوى حقيقي للإخوان وباقي الإسلاميين المطاردين إلا تركيا "أردوغان" والسودان، والحقيقة أن الوضع الاجتماعي والمادي لكثير من المرتحلين إلى البلدين صعب ومرتبك، ومؤخرا بات للبلدين هموم ومشاغل أكبر من الإخوان وكسبهم كورقة ضد النظام في مصر، وما يلوح في الأفق من مؤشرات لتحسن طفيف في العلاقات بين تركيا ومصر، وارتهان القرار السوداني بضغوط ومعادلات خليجية ودولية؛ يجعل الإخوان المصريين في الخارج في قلب دائرة الخطر.

 
لست هنا محاولًا لترسيخ الرضوخ لنظام الاستبداد العسكري وحلفائه الخليجيين، لكنني بصورة دقيقة أسعى لإنضاج أفق التفكير وخلق الحلول لأزمة الحالة الإسلامية في مصر. إن الوضع الأمني الضاغط بشدة على الإسلاميين في الداخل المصري، وحالة "البحث عن مأوى" التي يعيشها الكثير من الإسلاميين في الخارج، وتصاعد واستمرار الاعتقال والتصفية والمطاردة داخل مصر؛ كل ذلك يدفع للتفكير في حلول مختلفة بعد أن ثبت فشل استراتيجية الاستنزاف والمقاومة، السلمية والعنيفة، التي سارت عليها الجماعة ومناصروها في السنوات الماضية.
 
ووفق تصوري، إن قرار الحل الذي يمكن أن تتبناه الجماعة، له صورتان؛ الصورة الأولى: الحل الحقيقي للتنظيم، وهي صورة صعبة التحقيق والتنفيذ وغير مجدية في الحقيقة. الصورة الثانية: الحل التكتيكي للتنظيم، وهي صورة تتضمن إعلانًا بحل التنظيم في مصر واعتزاله العمل السياسي والاجتماعي الرسمي، بينما سيكون الحل في حقيقته تراجعا عملياتيا يتضمن اقتصار العمل على الأسر والمجموعات المناطقية وفق رؤية تربوية ودعوية بسيطة، بالإضافة لأعمال اقتصادية واجتماعية محدودة.
 
بالطبع سيقفز سؤال جدوى هذا الحل التكتيكي!! أرى من وجهة نظري أنه وبطريقة ما، سترسل الجماعة رسائل طمأنة للنظام المصري الحالي بأن الجماعة تبدي مرونة في التفاوض والتموضع المستقبلي، وأن سقف التفاوض مفتوح بشرط تقديم ضمانات وتنازلات من النظام في ملفات المعتقلين، عدا قيادات الصف الأول الذين سيشملهم التفاوض في تحسين أوضاعهم داخل السجون.
 

نحن هنا أمام محاولة حل أزمة حقيقية يعيشها الإخوان المصريون في الداخل أكثر من الخارج، إن كان الداخل والخارج مترهلين بنسب متفاوتة، إلا أن التفكير خارج الصندوق بالفعل قد يثمر واقعًا مغايرًا للواقع الراهن الذي نعيشه
نحن هنا أمام محاولة حل أزمة حقيقية يعيشها الإخوان المصريون في الداخل أكثر من الخارج، إن كان الداخل والخارج مترهلين بنسب متفاوتة، إلا أن التفكير خارج الصندوق بالفعل قد يثمر واقعًا مغايرًا للواقع الراهن الذي نعيشه
 

إن الضغط الذي يمارسه النظام على المعتقلين والمطاردين وأسرهم، بات حالة مرهقة للجماعة ماديا ومعنويا، واستمرار هذا الوضع مضر للغاية للجماعة وأبنائها، وقد يكون عامل قلق وإزعاج للنظام في أفضل الأحوال، وهنا تكمن الفكرة، إذ إن النظام لا يخسر كثيرا إلا صورته الخارجية التي تتغافل عن المجتمع الدولي، والضغوط التي تطال أبناء الجماعة في الداخل والخارج تزداد يوما بعد يوم، وعلى فرض بقائها سيستمر مستوى الإيلام الذي يضرب جنباتها ليل نهار، وفق نموذج تفسيري تصدره المنصات الدعوية والتربوية في الجماعة يبرر ذلك بسنة الله في المؤمنين وضرورة الصبر واليقين بنصر الله القريب، وغير ذلك من المسوغات التي تفسر وفق رؤية صانعي القرار في الجماعة، ،هي الحالة التي "اختارتها" لنفسها حاليا.

 
إننا إذا دققنا النظر في مساحات العمل الإخواني الراهن في الداخل والخارج، سنجدها لا تختلف كمّا ولا كيفا عما أدعو إليه في تصور الحل التكتيكي، بل إن هذا الحل إذا أجيد تنفيذه قد ينتج خلخلة لملف المعتقلين وتراجعا في شبق النظام المصري للاعتقالات، فضلا عن تخفيف الضغوط الإقليمية على الجماعة، وفي جلوس إخوان اليمن "الإصلاح" مع الأمير محمد بن سلمان شاهد على احتمال ذلك في الحالة المصرية.
 
نحن هنا أمام محاولة حل أزمة حقيقية يعيشها الإخوان المصريون في الداخل أكثر من الخارج، إن كان الداخل والخارج مأزوما ومترهلا بنسب متفاوتة، إلا أن التفكير خارج الصندوق بالفعل قد يثمر واقعًا مغايرًا للواقع الراهن الذي نعيشه، ولو كان المتحصل في هذا الخيار هو الإفراج عن ٦٠-٧٠٪ من المعتقلين، وتخفيف نسبة المطلوبين والمطاردين، وتسهيل إجراءات الزيارات في السجون والمعتقلات، وتقليل مستوى التعنت والإرهاق المتعمد من النظام لأسر الإخوان ومناصريهم، وتنفيذ رؤية لتحسين أوضاع الصف الأول في المعتقلات بما يضمن لهم تقديم خدمات صحية وغذائية وخدمية جيدة، فضلًا عن تخفيف حالة الخناق الاقتصادي على أفراد الجماعة، وبالطبع هذا كله سيكون ضمن تسوية تشارك فيها أطراف إقليمية ودولية كضامن لتحقيق بنود هذه التسوية.
 
كما أننا بالنظر لكمّ أحكام الإعدام المسيسة التي يطلقها وينفذها النظام، وعمليات التصفية التي تطال أعضاء مجموعات العمل النوعي بعد تعذيبهم واستخراج أكبر قدر من المعلومات منهم، والتي تفسر في غالبها كأعمال انتقام من النظام ضد الجهاديين والنوعيين في أعقاب عمليات تصفية لضباط جيش أو شرطة؛ كل ذلك قد تقل حدته بنسبة ما إذا ما اتخذت الجماعة قرار الحل التكتيكي، خاصة وأن من اليقيني أن قطاعات من أبناء الجماعة وبعض قيادييها، وغالبا ما سيكونون قلة، سيرفضون هذه الخطوة تماما، بل وسيواجهونها بشراسة وقوة، لكن لن يطول صمود هذه المواجهة كثيرًا أمام الانفراجة المتوقعة في ملف المعتقلين والمطاردين.
 

المخزون السياسي التراثي لدينا يحمل في طياته الكثير من القيم والمفاهيم والمعاني دون الممارسات والقواعد المباشرة، وهو ما يتطلب عمليات اجتهاد جماعي متداخل التخصصات
المخزون السياسي التراثي لدينا يحمل في طياته الكثير من القيم والمفاهيم والمعاني دون الممارسات والقواعد المباشرة، وهو ما يتطلب عمليات اجتهاد جماعي متداخل التخصصات
 

لاشك أن نظام السياسي حاليًا قد يجد فرصة هذه التسوية "التكتيكية" فرصة جادة لتحقيق مزيد مشروعية لنظامه، ولا ضير مطلقًا، من وجهة نظري، من إعلان الإخوان قبول الوضع الراهن والتراجع عن شرعية الدكتور مرسي التي ماتت في الحقيقة وبقيت وهمًا في عقول البعض، بل إن الواقع يفرض على الإسلاميين الانكفاء والتراجع ومراجعة جادة وحقيقية للواقع الذي يعيشونه، خاصة في ظل الثورة السورية المحتضرة التي يتم التحضير لتسوية لملفها تماما، وفي ظل نفوذ متزايد للمشروع الإماراتي السعودي المصري في المنطقة وبغطاء أمريكي "ترامبي"، وهو ما يعني أن المتاح حقيقة هو العمل الدعوي والتربوي المحدود واللامركزي، مع ضرورة إحداث طفرة في التخصص والتنوع والاتقان المعرفي لمختلف العلوم والتخصصات العلمية والعملية التي تتطلبها المرحلة وفقدها الإسلاميون في صعودهم إبان الثورات.

 
ثمة أمر أخير أود التنبيه إليه؛ وهو أننا كثيرًا في نبحث في تراثنا السياسي (النبوي وما تلاه) عن مسوغات لمثل هذه الحلول السياسية، إلا أنني أؤمن بأن الممارسة السياسية الراهنة وفي ظل الواقع الحداثي، وبتبعيتنا كنظم سياسية للنظم الغربية، قد لا تجد تبصرات مباشرة أو واضحة تدلنا على كيفية التعامل مع هذا الواقع، ولأن المخزون السياسي التراثي لدينا يحمل في طياته الكثير من القيم والمفاهيم والمعاني دون الممارسات والقواعد المباشرة، وهو ما يتطلب عمليات اجتهاد جماعي متداخل التخصصات، وتدقيق وقدرة عميقة على تجويد تصوير الواقع المعاش وتحسين مقوماتنا على ضبط معادلات الفعل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي تطوير مخرجات الفعل السياسي وفق هذه المعادلات الدقيقة.
 
هذه محاولة عجلى لدفع العقل الإسلامي والإخواني للتفكير في حلول مختلفة لراهننا المتردي، وليست هذه السطور كافية لتبيان جدوى هذه الفكرة وفاعليتها، ولعل مجرد إثارة الأفكار وتحسين أفق الجدل والنقاش مما قد يساعد في تجويد الفكرة وتقويمها أو نقضها إن ثبت عدم جدواها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.