شعار قسم مدونات

اشجب واستنكر عليك الأمان

Blogs- فلسطين

كانت مدينة إسطنبول تعيش أيامها الرتيبة، بصخبها المعتاد الذي لا يتوقف لحظة واحدة، حتى أتى عليها يوم الأربعاء الماضي بصخب آخر غير صخبها المعتاد، إذ اجتمع زعماء الدول الإسلامية ليتناقشوا في سبل مواجهة قرار ترمب المجحف في حق الأمة الإسلامية باعتبار القدس رسميا عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.. بدأ زعماء الأمة العربية والإسلامية في إلقاء خطبهم وكلماتهم الرنانة الذي أشاعت الأمل في قلوب الكثير من أبناء هذه الأمة، وشعروا بأن قادة الأمة سيتخذون قرارات على قدْر الحدث الكبير وسيدافعون بكل ما اوتوا من قوة عن حقوق الأمة الإسلامية في مدينة القدس.

وبعد المناقشات والمداولات والكثير من الخطب والكلمات الرنانة، ومجيء وقت العمل الجاد أصدروا بيانا ختاميا للقمة لا طعمَ له ولا لون ولا رائحة وخاليا من كل النكهات إلا نكهة الذل والهوان الذي يعيش فيه هؤلاء الأقزام، الذين ملكوا قرار هذه الأمة في غفلة من أبنائها المخلصين.. لقد أصدروا بيانهم، كما بياناتهم السابقة التي تعبر عن الإدانة والاستنكار والشجب، دون أن تكون هناك خطوات فعلية وحقيقة على أرض الواقع من أجل مواجهة القرار الأمريكي الظالم.

لم يقوموا بأضعف الإيمان، وهو وقف العلاقات مع الكيان الصهيوني وطرد سفرائه الموجودين على الأراضي العربية والإسلامية، وأنا هنا أطرح سؤالا على هؤلاء القادة: لماذا اجتمعتم من الأساس إذا كانت هذه هي قرارتكم التي ستخرجون بها من اجتماعكم؟ ولماذا شغلتم وقتكم الثمين بهذا الاجتماع إذا كنتم ستخرجون بهذا البيان الهزيل؟ لقد كان لدينا بصيص من الأمل فيكم ولكنكم، كعادتكم التي لا تتغير، خيبتم آمالنا وتوقعاتنا، كما فعلتم دائما. ومن يأمل منكم نصرة لقضايا الأمة كمن ينتظر أن يطير الجمل في الهواء أو أن يعيش السمك بدون ماء، ألا سحقاً لكم..

بالرغم من كل الإرهاصات الأولى في القمة، والتي كانت توحي بما سيجري فيها وأنها لن تكون مختلفة عن سابقاتها، إذ لم يحضر عدد من الزعماء العرب وأرسلوا بدلاً منهم وزراء الخارجية، فقد كان هناك القليل من الأمل فيهم، ولكن هيهات هيهات أن يتغير هؤلاء. وأعجب من كل ذلك هو حضور الرئيس الفنزويلي من وراء البحار لحضور القمة نصرةً للقدس، في الوقت الذي تغيّب فيه هؤلاء الزعماء عن حضور القمة، والتي لا يبعد مكان عقدها عن مكان إقامتهم بأزيدَ من ساعتين بطائراتهم المرفّهة.

   

رهان ترمب ومن ورائه نتنياهو في تمرير القرار
رهان ترمب ومن ورائه نتنياهو في تمرير القرار "الخاص بنقل السفارة للقدس" هو سكون الحراك الشعبي بعد فترة قصيرة من الوقت وفتور الناس عن الخروج في المظاهرات نتيجة عدم وجود نتائج أو تغييرات على أرض الواقع
  

إن التعويل على هؤلاء الحكام في اتخاذ أي قرارات وخطوات فعلية على أرض الواقع هو ضرب من ضروب الجنون، فهم تربّوا على موائد الذل والهوان وموائد الحفاظ على السلطة مهما كانت الوسيلة وبأي طريقة، حتى لو تحالفوا مع أعداء الأمة وباعوا مقدساتها، فكيف يرجي خير من هؤلاء الحكام الذين مهنتهم الوحيدة ظلمُ الشعوب وسرقة مقدرات الأمة والعبث بمصيرها، إنهم مجموعة من الفجرة الظلمة الذين لا يصلح بهم حال ولا تقوم للأمة بهم قائمة، فكيف يكونون حماة القدس والمدافعين عنها.

وإن التعويل اليوم على الحراك الشعبي الفلسطيني، ومعه حراك شعوب الأمة العربية والإسلامية، ومن ورائهم حراك أحرار العالم الذين يأبون الظلم وينصرون كل من وقع عليه ظلم، هو الحراك المعول عليه وليس هؤلاء الحكام. ويجب خلق الوسائل المناسبة لضمان استمرارية هذا الحراك الشعبي من أجل الضغط على هذه الحكومات من أجل الوقوف في وجه القرار الأمريكي الظالم وعدم السماح بتمريره مهما كان الثمن، فتمرير هذا القرار سيكون انتصارا هائلا للأمريكان والصهاينة وسيفتح لهم المجال لتمرير "صفقة القرن"، التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية بتواطؤ بعض الحكام العرب.

ورهان ترمب، ومن ورائه نتنياهو، في تمرير هذا القرار هو سكون الحراك الشعبي بعد فترة قصيرة من الوقت وفتور الناس عن الخروج في المظاهرات نتيجة عدم وجود نتائج أو تغييرات على أرض الواقع تدفع الناس إلى الاستمرار في هذا الحراك، وهذا بالضبط ما وقع في كثير من الأحداث والقرارات السابقة، وهذا هو الخطر الحقيقي الذي سيؤدي بدوره إلى تمرير هذا القرار ومن ورائه "صفقة القرن". 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.