شعار قسم مدونات

الضمير بين الشرق والغرب

blogs المقهور

كثيراً ما يتضادُّ المنطق مع المشاعر الإنسانية بالرغم من كونه منطقاً، والمنطقُ يقول أن العالم اليوم أفضل بكثيرٍ من أي وقت مضى، من حيث السِّلم خاصة، وإن كان العربي اليوم يرى أن بني جلدته يعيشون أسوأ الحقب التاريخية لما يراه من تقتيل وتفجير في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرهم، فإنه لن يقتنع بأطروحة أن العالم بخير عمَّا سبق.

ربما في هذا قسوة كبيرة على المعنيين بالموت لكن أساتذة المنطق لا يمكنهم الارتفاع والانخفاض بالتفاسير حسب مشاعر البشر، المنطق منطق وإلا فلا شيء منطقي، بالمقابل، فإن الضمير الذي يقيسُ به الفردُ العربي فرضيات الحرب والسلم ضمير مطاطي، التاريخ العربي الإسلامي خاصة لم يكن مشرفاً دائماً وكان فيه من الدّمِ ما يجعل قارئ التاريخ الأجنبي يرتبك، لكن العربي يفرح بذلك ويشعر بالمجد ويفتخر باحتقار بني الأصفر. بالمقاربة بين ما يحب العربي وما يكره، نجده يشعر بالظلم ويفتخر بكون أجداده ظالمين، وهو ينتظر عودة مجد الأيام الخوالي حتى ينقَضَّ على عدوه الغربي الأزلي.
 

الشعارات التي يرفعها الغرب اليوم تحت المسميات الإنسانية داعيا العالم لأن يحضن بعضه، إنما هي شعارات لا معنى لها في سياقها الحقيقي، بل يبرر بها أحيانا لنسيان التاريخ الاستعماري

يوجد تسجيلٌ شائع في اليوتيوب لشيخٍ داعية صاحب لحية كبيرة يدعو المسلمين لإعادة إحياة فرض الجهاد الذي فيه متعة والتي كان الصحابة عليهم السلام يتسابقون عليه، ويحصل بالقابل أن يتم القضاء على الفقرِ من جهة، وسبي ثلاثة أو أربعة نساء لكل شخص، المثير في هذا التسجيل أن هذا الشيخ يحزن لنساء المسلمين التي تقتلن وأطفالهم الذين ينكل بهم، لكنه يفرح لو يحصل ذلك مع الغربي الكافر بل ويعتبر فيه أجر ومتعة ومال كثير. من جهة أخرى توجد تسجيلات كثيرة لأشخاص أوروبيين وأمريكيين يعادون الإسلام والمسلمين ويدعون حكوماتهم للقضاء على دين الإرهاب ويباركون حملات الكلاشينكوف الصليبية الجديدة.

إن الشرق والغرب عالمان متقابلان متضادان لم يتفقا يوما ولن يتفقا، يتقاسمان دائما الأزمنة ويتبادلان الأدوار، أما الشعارات التي يرفعها الغرب اليوم تحت المسميات الإنسانية داعيا العالم لأن يحضن بعضه فيما يُعرف بالأممية، العولمة، ثقافة واحدة كبرى، القضاء على العنصرية، وغير ذلك، إنما هي شعارات لا معنى لها في سياقها الحقيقي، بل يبرر بها أحيانا لنسيان التاريخ الاستعماري المجيد، أحياناً أخرى لإعادة رسمِ الحدود الجيوسياسيّة إذا ما اكتُشِفت ممارسات غير إنسانية في إحدى الدول الغير أوروبية، أو لممارسة الضغط على أعداء السامية أو أي شيء يضمن مصالح معينة.

كنتيجة، فإن سفك الدماء شيء حتمي ومضمون خلال الصراع الغربي العربي، وكل منهما سيفعل ذلك بضميرٍ مرتاحٍ تماما، لأن حزب الأول يختلف تمامَ الاختلافِ عن حزبِ الآخر، ولن يحزن لا الأول ولا الثاني على الآخر، أما المُحزن حقّا، أن المنطق لا يمكنه أن يكون عزاء القريبين من الحرب، لن ينقذهم من قصف الطائرات ولا التفجيرات الكيماوية ولا من نزوات الجنود المتوحشة، وبين صراع الشرق والغرب، يكون الضعفاء مادة دسمة للإعلام، كاتبي التاريخ، علماء الأنثروبولجيا والإجتماع، مافيا السلاح والمخدرات والدواء، والشيطان يقع على ركبتيه باكيا إثر ذلك.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.