شعار قسم مدونات

أرطغرل بين علي يار وسعد الدين كوبيك

مدونات، أرطغرل
تحدث كثير من المفكرين وأصحاب الرأي عن مسلسل قيامة أرطغرل وأثنوا عليه، ورغم ذلك لم يدفعني الفضول إلى مشاهدته، حتى اتخذت قرارا بتعلم اللغة التركية وفكرت في مشاهدة أفلام ومسلسلات لتتعود أذني عليها، فقررت مشاهدة المسلسل لأتعلم التركية وأستمتع بعمل فني أعجب كثيرين.

حرص القائمون على المسلسل منذ حلقته الأولى على إرسال رسائل نحتاج إليها لفهم حقيقة ما يدور حولنا وأنك إن لم تسع للسيادة أجبرك الآخرون للخضوع لسيادتهم، وعليك أن تمتلك أدواتها حتى تستحقها وتدوم لك، فإن غفلت لحظة انتزعها منك العدو لتعيد الكرة من جديد.

وأجلت تعليقي على المسلسل حتى أراه كاملا، ومع إعجابي بالمسلسل والاستفادة من رسائله الكثيرة وصبري على لقطات متكررة لكني صدمت بمشاهدتي للحلقة الأخيرة منه، وكيف يمكن أن تكون نهاية البطل أرطغرل وموته بخدعة وخيانة وزير الدولة التي يعمل أرطغرل على حمايتها، فهي لحظة تجعل الخائن يطمئن إلى خيانته وأنه سيبقى في منصبه وزيرا وسيقتل كل من يقف أمامه وإن كان بطلا مثل أرطغرل.

كان على القائمين على المسلسل إدراك تلك الرسالة ومحاولة عدم إيصالها للمشاهد أو ايصال رسالة أخرى بأن قتل أرطغرل وبقاء الوزير الخائن سعد الدين كوبيك أدى إلى انهيار الدولة السلجوقية وبداية عهد جديد ودولة جديدة هي الدولة العثمانية التي أسس لها البطل أرطغرل، فيطمئن المشاهد أن ثمار الخيانة هي الانهيار ووضع رأس الخائن تحت الأقدام كما في اللقطة الرائعة التي وضع فيها سليمان شاه رأس كورد أوغلو تحت قدميه.

علي يار.. إنسان يبحث عن الحرية والعدل، قرر أن يتعلم حتى يصل إلى العدل الذي يسعى إلى تحقيقه في قبيلته بعد أن رأى والده وأخاه الأكبر ينشران الظلم بين أبنائها
علي يار.. إنسان يبحث عن الحرية والعدل، قرر أن يتعلم حتى يصل إلى العدل الذي يسعى إلى تحقيقه في قبيلته بعد أن رأى والده وأخاه الأكبر ينشران الظلم بين أبنائها

ومن أهم الرسائل التي حرص عليها المسلسل هي وسائل العدو للسيطرة:
– نشر العداوة بين الإخوة وبين الأب وأبنائه بترغيبهم في السلطة.
– نشر الوباء والأمراض والفقر حتى يتمكن من السيطرة على اقتصاد الدولة وحصارها.
– التخلص من القيادات التي قد تمثل عائقا للسيطرة على الدولة بالقتل أو الاعتقال.
– شراء القضاة للحكم على القيادات بالإعدام عن طريق شهود الزور.
– كثرة الجواسيس وقتل من يكتشف أمره حتى لا يعترف بالمتعاونين معه.
– في فريق العدو دائما من يترقب من بعيد نتيجة المعركة ليبلغ القيادة عن آخر تطوراتها، وهذا لم نجده في فريق أرطغرل، حيث يدفع بكل قواته إلى المعركة ويعتمد على الاستنتاج.

نعود إلى الجزء الثالث من المسلسل والتي ظهر فيها شخصية علي يار.. إنسان يبحث عن الحرية والعدل، قرر أن يتعلم حتى يصل إلى العدل الذي يسعى إلى تحقيقه في قبيلته بعد أن رأى رأس القبيلة المتمثل في والده وأخيه الأكبر ينشران الظلم بين أبنائها، وقد وصل بظلمه إلى التآمر على والده ليتولى سيادة القبيلة، وعندما قابل أرطغرل واتفقا في الهدف تعاون معه وسعى للوحدة بين القبيلتين حتى يتمكنا من صد هجمات الصليبيين وينهي الخيانات التي تتم عن طريقهم باختراق الضعفاء والخونة من كلتا القبيلتين.

سعد الدين كوبيك نقيض شخصية علي يار، فهو شخصية خائنة تسعى للسلطة بأحط السبل مستخدما دهاءه للإيقاع بخصومه، لتصبح السيادة له وحده
سعد الدين كوبيك نقيض شخصية علي يار، فهو شخصية خائنة تسعى للسلطة بأحط السبل مستخدما دهاءه للإيقاع بخصومه، لتصبح السيادة له وحده
 

من أجمل اللقطات هي التى أخفى فيها علي يار نفسه لينقذ بنت حاكم القلعة الذي يحتجز أرطغرل رهينة عنده، حتى عودة ابنته، والتى يتوقف عليها حياة البطل، لم يعلن علي يار عن نفسه حتى لا يفسد العلاقة بين القبيلتين المتحالفتين محافظا على أخيه، وفي الوقت نفسه ينقذ صاحبه ورفيق دربه في رحلة العدالة، ونفعه علمه، وقبل علي يار أن يكون تحت قيادة أرطغرل عندما وجد فيه ما يؤهله للقيادة ويتفوق عليه في السياسة، ودافع عنه وحارب معه ضد أبيه وأخيه لإقامة العدل في قبيلته، حتى مات وهو يدافع عن قائده.. وشخصية علي يار نفتقدها اليوم حيث يسعى كل قائد بإقصاء صاحبه ليصعد هو دون أي اعتبار أيهما أكفأ، فيقدم صاحبه ليتحمل الأمانة التي تقع على عاتقة لقيادة الأمة إلى العزة والنصر.

سعد الدين كوبيك نقيض شخصية علي يار فهو شخصية خائنة تسعى للسلطة بأحط السبل مستخدما ذكاءه ودهاءه للإيقاع بخصومه أو من يراهم ندا له، لتصبح له وحده السيادة حتى ولو بالتحالف مع أعداء الدولة وقد ظهرت خيانات الوزير في أكثر من لقطة، منها محاولته قتل السلطان بالسم وتعاونه مع الأعداء للتخلص من منافسيه، نهاية بقتل البطل أرطغرل، وهي اللقطة التي صدمتني في نهاية المسلسل دون أن نرى نهاية الوزير الخائن.

وما بين علي يار العالم الذي تحالف مع البطل وقبل العمل تحت قيادته ضد أبيه وأخيه، وبين الوزير الخائن سعد الدين كوبيك الذي تحالف مع أعداء الدولة، كان البطل أرطغرل يحاول الاستفادة من الشخصيين لصالح الدولة السلجوقية والتفكير في إقامة دولة لها السيادة والقيادة، مات علي يار بخيانة أخيه ومات أرطغرل بخيانة وزير الدولة سعد الدين كوبيك، وانهارت الدولة السلجوقية بخيانة هؤلاء لتبدأ دولة جديدة في الظهور لتمتد عبر الزمان والمكان بعدل أرطغرل وعلى يار ومن سار على دربهما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.