شعار قسم مدونات

طالبان إدلب أم موصل جديد؟

blogs فتح الشام

شهدت الأشهر الأخيرة زيادة في تباين توجهات القوى المناهضة لنظام الأسد في سوريا سواء الجهادية منها والثورية وحتى الانفصالية وسط شد وجذب من مختلف الأطراف وذلك في ظل حديث لا يزال غير واضح المعالم تماما عن شبه توافق دولي بين القوى العظمى في العالم على حل للأزمة السورية، والذي قد يكون حسب متابعين بتشكيل حكومة انتقالية تنصهر في بوتقتها المعارضة السياسية بمختلف مشاربها إضافة لشخصيات من النظام ممن لم يظهر لهم دور في قمع الثورة السورية.

 

ويترأس الحكومة أحد رموز المعارضة ويتبع لها قيادة عسكرية وقوة مسلحة تشمل كل من مقاتلي المعارضة وقوات النظام على حد سواء، وكما تشير التوقعات أنه قد تنحل جل الفروع الأمنية التابعة للنظام فيما يتم الإبقاء على فرع أو اثنين؛ هذا الحل الذي وحسب المؤشرات في الداخل السوري لن يرضي شريحة واسعة من الثوار والنشطاء فضلا عن التشكيلات الإسلامية والجهادية.

هذا في الوقت الذي شهدت فيه مختلف البقاع السورية تجاذبات وأحداث متسارعة ابتداء من أطراف العاصمة دمشق التي شهدت حملات تهجير قسري نحو الشمال أو تسوية أوضاع المطلوبين والمقاتلين التابعين للمعارضة ثم زجهم في صفوف الجيش النظامي إضافة إلى ما شهدته المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة من مشاهد برز فيها السعي لبسط النفوذ وفرض التغلب من فصائل ذات طابع ثوري أحيانا أو إسلامي جهادي أحيانا أخرى على غيرها من الجماعات كما وقع في الغوطة الشرقية وإدلب، كان ذلك تحت ذرائع عدة يتذرع بها الفصيل ذو النفوذ الأقوى في كل منطقة.

بدت المعركة حرب وجود وفرض للنفس بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام، ليكون ما أفضى إليه القتال من استحواذ للهيئة على كامل إدلب محل توجس وجدل عن مصير إدلب القادم
بدت المعركة حرب وجود وفرض للنفس بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام، ليكون ما أفضى إليه القتال من استحواذ للهيئة على كامل إدلب محل توجس وجدل عن مصير إدلب القادم
 

كان من أبرز ما شهدته الساحة السورية القتال الذي وقع بين حركة أحرار الشام وهيئة تحرير الشام في الشمال السوري والذي انتهى ببسط سيطرة الأخيرة على كامل إدلب وتحيز الأحرار إلى حماة، فيما قوبل القتال برفض شعبي واستياء عام فقد انبثق عنه حملات إعلامية وأخرى مضادة ومهاترات وتخوين بين أنصار الطرفين، ليكون من أبرز تلك الاتهامات اتهام أحرار الشام بالتنسيق مع الجيش التركي ونية تسليم إدلب للأخير، ليلي ذلك سيطرة الهيئة على المعابر الحدودية ابتداء ثم استكمال السيطرة على كامل إدلب.

بدت المعركة حرب وجود وفرض للنفس بين كلا الطرفين، ليكون ما أفضى إليه القتال من استحواذ للهيئة على كامل إدلب محل توجس وجدل عن مصير إدلب القادم ومخاوف من مآل ممثال لما آلت إليه الموصل على اعتبار إصرار الولايات المتحدة على إدراج هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية مستهدفة من قبلها، ولتسارع الهيئة في خطوات أوحت بشيء من البراغماتية التي هي بعيدة كل البعد عن سياسة تنظيم القاعدة فيما تهمة الانتماء للتنظيم ما فتئت تطارد جبهة فتح الشام (النصرة سابقا) أحد أهم مكونات هيئة تحرير الشام.

 

كان أبرز هذه الخطوات العمل على تشكيل حكومة مدنية مستقلة بدعم شعبي من وجهاء مناطق الشمال السوري ناهيك عن ما سبق ذلك من تسليم المعابر لإدارة مدنية ودعوة لمؤسسات العمل المدني والمنظمات الإنسانية إلى دخول إدلب وممارسة نشاطاتها أضف إلى ذلك ما ظهر جليا عبر إعلام تحرير الشام من دأبها على دعم الجانب الخدماتي والمؤسساتي للمحافظة التي نالت منها سنين الحرب، سواء على مستوى تأمين الماء والكهرباء وتعبيد الطرق أو تشكيل مراكز الشرط والقوى التنفيذية ومراكز الخدمات العامة، الأمر الذي كان مستغربا على اعتبار استمرار الحرب وإضافة إلى رفض الهيئة لمشروع مناطق خفض التصعيد المدعوم روسيا .

أعاد المشهد للأذهان سياسة عمل طالبان في أفغانستان قبل الغزو الأمريكي لها والتي أعلنتها إمارة إسلامية كانت الأولى والفريدة من نوعها في العصر الحديث بعد سقوط الخلافة العثمانية، إذا لم تألو الإمارة جهدا خلال تلك الحقبة في تثبيت أسس العمل السياسي والعلاقات الدولية خصوصا مع دول كقطر، وكان في سياق ذلك زيارة مبعوث طالبان لها، فيما قد يحاكي هذا بشكل أو بآخر ما حصل الفترة الأخيرة من مفاوضات مشتركة من حكومة قطر وتحرير الشام من جهة وإيران من جهة لإخراج أسرى قطريين اعتقلهم الحشد الشعبي إضافة لتأمين إخراج أهالي أربع بلدات كانت تحت سيطرة المعارضة تخضع لحصار قوات الأسد منذ أعوام وألحق بها مخيم اليرموك فيما بعد، في مقابل ذلك تأمين خروج أهالي بلدتي كفريا والفوعة الواقعتين في ادلب والمواليتين للنظام وذاتا الطبع الشيعي واللتان تخضعان لحصار تفرضه تحرير الشام وأحرار الشام منذ عدة سنوات.

كثرت الإشاعات عن نية هيئة تحرير الشام فتح معركة بحماة ضد النظام وقوبلت بحملة إعلامية من بعض المحسوبين على المعارضة الخارجية وآخرين مقربين من أحرار الشام رافضة لأي عمل عسكري ضد النظام بحماة
كثرت الإشاعات عن نية هيئة تحرير الشام فتح معركة بحماة ضد النظام وقوبلت بحملة إعلامية من بعض المحسوبين على المعارضة الخارجية وآخرين مقربين من أحرار الشام رافضة لأي عمل عسكري ضد النظام بحماة
 

يأتي ذلك في ظل برود ملحوظ لجبهات القتال خصوصا في إدلب ذات الثقل العسكري الأكبر للمعارضة منذ معركة تحرير حماة الأخيرة قبل أشهر والتي لم تكلل بالنجاح رغم التقدم الذي أحرزته تحرير الشام في بدايتها والذي تحول خلال أيام إلى تقهقر لحساب النظام المدعوم روسيا وايرانيا من خلال عناصر الميليشيات الشيعية.

قد يظهر من ادخار تحرير الشام لقوتها العسكرية الضخمة التي حصلت عليها بعد أن انصهرت فيها أغلب الإمكانيات في الشمال سواء العسكرية والخبراتية وغيرها في حين توالى انضمام الكتائب لها حتى بعد قتالها مع الأحرار الذي انتهى باتفاق يقضي بالسماح بتحول العناصر والمجموعات من كلا الكيانين مع التخلي عن السلاح لصالح الفصيل المتروك أنها تعمد لجعل قوتها هذه عامل ردع وعصى للتلويح باعتبار ضبط النفس وعدم الخوض في معركة غير متكافئة مع النظام المدعوم من القوة العظمى صاحبة الجيش المتصدر للمرتبة الثانية عالميا إذ قد تكون هذه المعركة بمثابة استنزاف لقوى الهيئة.

 

بالمقابل فقد كثرت الإشاعات في الأسابيع الأخيرة عن نية الهيئة فتح معركة في حماة ضد النظام والتي قوبلت بحملة إعلامية من بعض المحسوبين على المعارضة الخارجية وآخرين منهم مقربين من أحرار الشام رافضة لأي عمل عسكري ضد النظام في حماة قد يؤدي إلى إحالة ادلب لموصل جديد على حد تعبيرهم ذلك باعتبار أنه قد تم تحديد الخطوط الحمراء الروسية في حماة بعد معركتها الأخيرة.

 

لترسم هذه المعطيات صورة في الأذهان عن أحد سيناريوهين أحدهما محاولة من تحرير الشام تطبيق سياسة فرض الوجود في ادلب كنموذج سوري عن دولة طالبان أفغانستان قبل سقوطها مع فارق المعطيات والتداعيات السياسية والاقليمية لكلا البلدين أما الآخر فحرب تكسر الخطوط الحمر الروسية الدولية القاضية بحد نفوذ الثوار في إدلب مع وأد أي طموحات توسعية ترمي لتحرير كامل التراب السوري من سطوة نظام الأسد والشروع بالزحف نحو العاصمة مع الأخذ بعين الاعتبار ما قد يترتب على ذلك من تبعات كثر السجال حول التنبؤ بها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.