المضحك المبكي أن أناسا ذات شهادات عالية ووجوه إعلامية شهيرة يروجون لهذا الفكر المفبرك رغم أن النية حسنة إلا أن النتائج تكون وخيمة، فهم بهاته الأفعال يحرجون القرآن لأنهم تناسوا أنه كتاب دين أنزِل لغرض محدد، أما الحقائق العلمية فقد تتغير مع مرور الزمن باكتشافات جديدة ونظريات جديدة، فماذا سنفعل حينها، هل علينا تفسير القرآن كنسخة جديدة من المجلة العلمية NATURE، أو علينا إنكار النظريات الجديدة لأننا لم نجد أيِ اَية نحرفها لتفسرها لنا.
. " ربما لو بحثوا قليلا سيجدون أن القرآن مليء بعبارات أفلا تعقلون، أفلا تتفكرون، حينها كان من الممكن أن يتوقفوا عن هذه الافتراءات والخرافات، ربما لم يخبرهم أحد أن زمن المعجزات قد ولى |
شخصيا كنت متأثراً فيما مضى بإحدى هذه القصص، وهي تتعلق بآية "إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا"، القصة تقول إن العلماء اكتشفوا مؤخراً أن هناك كائن صغير يعيش فوق البعوضة وأن هذا هو المقصود بـ"بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا"، لا أنكر حينها أنني ارتجفت وقلت سبحان الله، لكن مع مرور الأيام والتدقيق في المعلومات اكتشفت أن هذا كله مجرد افتراء وفبركة.
هناك فعلا طفيلي يعيش مع البعوضة لكنه ليس فوقها بالضرورة بل يلتصق بها أو بإحدى جناحيها، كما أنه لا يعيش مع البعوض فقط، بل مع العديد من المخلوقات. أما كان من الأفضل أن لا نقحم القرآن في هذه المتاهة ونأخد المعنى الباطني للآية وهو أن الله يضرب الأمثال مهما كبرت أو صغرت.
المشكلة أن هذه القصص المفبركة قد تتفاقم إلى أن تصبح سببا في أمراض وفقدان حياة كثير من الناس ولعل أشهرها هو مايتعلق ببول البعير، نعم يدعون أنه شفاء للعديد من الأمراض وبالأخص السرطان، المرض الذي ضحى كثير من العلماء في سبيل تطوير طرق علاجه هم يعالجونه فقط ببول البعير، لكن مع القليل من التعمق في المصادر العلمية التجريبية ستكشف لك أنه بول كباقي الأبوال أي أنه مضر ويحتوي على سموم ومواد خطيرة كحمض اليوريك مثلا.
هم يستدلون بحديث "اشربوا من ألبانها وأبوالها"، المشكلة ليست في الحديث، بل وضعهم الحديث في إطار غير واقعي متناسين أن هذا الفعل كان مقبولا عند العرب آنذاك، وكان الرسول محمد عليه السلام يمارسه بصفته الشخصية وليس بصفته النبوية، لأنه كان فردا من هذا المجتمع العربي.
نعم إن الغوص في معاني القرآن قد يؤدي إلى استشعار معاني راقية وأحياناً علمية، لكنه مجرد استشعار معاني وليس إيجاد حل لمعادلة فيزيائية، وهذا طبيعي بل ومتناسب مع طبيعة وغاية القرآن فهو ليس كتاباً في العلوم الطبيعية و ليس مطالباً أن يكون كذالك، "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" ذِكر وليس معجماً تفسيرياً.
ربما يكون أدق وصف لِمُتبني فكر الإعجاز العلمي هو ما قاله الدكتور أحمد خيري العمري "الزوجة التي تطالب بأدلة على حب زوجها لها وإخلاصه تعبر ضمنيا عن وجود شك ما في داخلها تجاه هذا الأمر"، هذا تماماً ما يفعله هؤلاء فهم بإصرارهم على ايجاد معجزة علمية في القرآن حتى ولو لم تكن موجودة يعبرون بطريقة أو بأخرى أنهم غير متشبعين لمعجزة القرآن التي تتجلى فيه كَكِتاب سماوي مقدس.
ربما لو بحثوا قليلا سيجدون أن القرآن مليء بعبارات أفلا تعقلون، أفلا تتفكرون، حينها كان من الممكن أن يتوقفوا عن هذه الافتراءات والخرافات، ربما لم يخبرهم أحد أن زمن المعجزات قد ولى وأن المعجزة الحقيقية الموجودة في القرآن هي فتحه لباب العقل.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.