شعار قسم مدونات

الفلسطيني السوري.. رحلة مستمرة من اللجوء

Blogs-refugess
لكل مصيبة مراحل أولها الرفض والإنكار. أصعب مراحل رحلة اللجوء الجديدة التي مر بها السوريون هي الحنين إلى الماضي والوطن. وهو حق لكل سوري خاض تجربة اللجوء، وأمر منطقي أن يحن السوري المهجر إلى وطنه وحياته السابقة، ولكن يختلف الأمر بالنسبة للفلسطيني السوري.

             

فحنينك للماضي ما هو إلا حنين للهروب من واقع اللجوء الجديد إلى حالة اللجوء السابقة. نعم إلى حالة اللجوء السابقة مهما حاولت إنكارها، وإن كان لإنكارك لحالة اللجوء السابقة العديد من الأسباب المنطقية ومنها، عدم معاناتك من بداياتها كما عانى الجيل الأول من أجدادنا عندما وصلوا سوريا، فهم من تحمل القدر الأكبر من المعاناة من حيث الحنين لفلسطين والماضي، بالإضافة للجهد الكبير المترتب على حالة البناء الاجتماعي والمادي في بلد ومجتمع جديد، بالإضافة إلى حياة المخيمات وكرت الإعاشة وما ترافق معه من ذل مارسته المنظمة الدولية التي بنيت في الأساس لرعايتهم الأونروا (وكالة غوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين) لهم، والساعات والطوابير الطويلة لمجرد الحصول على ما يسد حاجتهم وعوائلهم وما يستر هجرتهم في بلاد وصلوا إليها صفر اليدين .

       

كما أن طيبة الشعب السوري، (وأقول هنا الشعب قاصداً لا غافلاً)، وكرم الشعب السوري وطيب معشره ساعدت اللاجئ الفلسطيني في سوريا في الأجيال التي تلت الجيل الأول على الاندماج والتعايش بسرعه كبيرة والنجاح لمن امتلك مقوماته منهم، بالإضافة إلى العلاقات الاجتماعية التي تطورت بدون حواجز خلال الفترات اللاحقة من مصاهرة وغيرها.

                  

كل لاجئ فلسطيني سوري لا يزال يعيش فتره الحزن فهو فعلياً يحزن على تغيير المكان لا تغيير الوضع أو المسمى، وكلما طالت فترة الحزن والإنكار فإنما هو فقط يزيد من معاناة الجيل الثاني من اللاجئين الفلسطينيين الجدد
كل لاجئ فلسطيني سوري لا يزال يعيش فتره الحزن فهو فعلياً يحزن على تغيير المكان لا تغيير الوضع أو المسمى، وكلما طالت فترة الحزن والإنكار فإنما هو فقط يزيد من معاناة الجيل الثاني من اللاجئين الفلسطينيين الجدد
            

أضف إلى مسببات إنكار الفلسطيني السوري لحالة لجوئه السابقة رغبته الفطرية إلى الانتماء أقله في حياته اليومية وما رافقها من عقبات تتعلق بالانتماء أقله ورقياً وبالتحديد في خانة الجنسية التي لا تكاد تخلو منها ورقة رسمية في سوريا والعالم فما عساه أن يكتب في هذا السطر الفارغ، مما دفع بعضنا للإيمان وبشكل لا يقبل الشك بأننا سوريين بقدر ما نحن فلسطينيين وهنا أتكلم بشكل رسمي لا عاطفي لمن بدء بتخويني دون أن يكمل أو يفهم ما أقصده.

         

لا أزال أذكر استمارة التسجيل في الجامعة فقد استوقفتني خانة الجنسية والسؤال عنها فأنا لا أحمل أوراق رسمية سورية رغم أن جدي قدم إليها في عام 1948، ووالدي ووالدتي كليهما قد ولدا فيها، ولقد تشربت منذ الصغر كوني فلسطيني وفلسطيني فقط ولا شيئ سوى ذلك، فما كان مني إلا أن كتبت فلسطيني فقال لي الموظف "أنت فلسطيني سوري عليك بتصحيح الجنسية" فصححتها وأضفت كلمة سوري بعد فلسطيني، وتوجهت نحو الموظف الأخير فقال غاضبا "أنت عربي فلسطيني ولست فلسطيني سوري" ودون أن يستشير أو يطلب الأذن شطب كوني فلسطيني سوري وكتب عوضاً عنها "ع ف" مختصراُ انتمائي بحرفين (ع:عربي ف: فلسطيني ).

             

بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين فإن لرحلتنا أن تنتهي بالنظر إلى الأمام، والأمام فقط، لأننا إن تكلمنا عما عانينا منه ولا يزال الكثير من شعبنا المشتت في الدول العربية يعانيه في دول عربية تدعي أننا قضيتها المركزية،  لما كفتنا مدونات الكون كله

ولكن بعيداً عن المشاعر وبكل تجرد وواقعية وبعد 69 في سوريا كنا ولا زلنا نحمل ما يسمى وثيقة إقامة مؤقته للفلسطيني، نعم مؤقته ولم ترتقي حتى لمرتبة الدائمة، وطبعاً كله بذريعة عدم التوطين والحفاظ على القضية، علما أننا حقنا كل الشروط المطلوبة للحصول على الجنسية السورية كما نص عليها القانون السوري. طبعا والهدف سياسي دنيء وهو الحفاظ على ورقة اللاجئ الفلسطيني لاستخدامها وقت الحاجة لخدمه مصالح الدول العربية المستضيفة، وهو ما تعيبه الحكومة السورية حاليا على الدول المستضيفة للاجئين السوريين.

             

لذا فإن كل لاجئ فلسطيني سوري لا زال يعيش فتره الحزن فهو فعلياً يحزن على تغيير المكان لا تغيير الوضع أو المسمى، وكلما طالت فترة الحزن والإنكار فإنما هو فقط يزيد من معاناة الجيل الثاني من اللاجئين الفلسطينيين الجدد في أوربا. فلا تكن سبباً في معاناة أولادك على أقل تقدير. كل الاحترام والشكر للشعب السوري الكريم الذي احتضننا كما لم يحتضنا أحد، وندعو له ألا تطول به الرحلة كما طالت بنا.

           

أما بالنسبة لنا فآن لرحلتنا أن تنتهي بالنظر إلى الأمام، والأمام فقط، لأننا إن تكلمنا عما عانينا منه ولا يزال الكثير من شعبنا المشتت في الدول العربية يعانيه في دول عربية تدعي حكوماتها بأنها شقيقة وأننا قضيتها المركزية، ومن حكومة وسياسيين نسمع منهم أنهم يمثلون الشعب الفلسطيني في الشتات وأنهم سلطته الوطنية لما كفتنا مدونات الكون كله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.