شعار قسم مدونات

نحن عبارة عن مجموعة قصص!

Blog- Alone

أنا عبارة عن قصة، بل مجموعة قصص، حصيلة ما مررت به طوال ثمانية وعشرين عاماً، ناتجٌ إنسانيّ سيكولوجيّ لكل الأشياء التي حدثت لي ولم تحدث، بكل الإيجابية والسّلبية التي تحملها، على حدّ سواء، الأصوات التي مرّت إلى سمعي، بشكل مباشر أو غير مباشر، وتلك التي لم يحدث أن سمعتها، والتي كانت ستجعل مني شخصاً آخر، أكثر سوءاً أو ربما أفضل، الأحاديث التي تحدثتها مع من حولي، بكل الأمور التي تطرأت  فيها، بكل التفاصيل، وتلك التي كان من الممكن -في ظروف أخرى- أن نتحدثها، ومدى تأثيرها في ضيق أو اتّساع الأفق الذي أعيش به.

            

شجارات العائلة، والبيت الهادئ الذي كان من الممكن أن يكون بشجارات أقل وسلام أكبر، فوضى الصمت الممتدّ بعد كل حديث أو شجار أو عناق أو لقاء أو فراق، المحيط الماديّ الذي وصل بفعل الصدفة والقدر والحظّ، وأحيانا بفعل الاختيار الذكي المدروس -أو هكذا هُيّء لي في مرحلة سابقة ما- إلى يدي، الأزقة التي مرّت بي في طريق المدرسة والجامعة والعمل، الأشخاص الذين قابلتهم بفعل الصدفة في طريقي، الابتسامة المجانية من عابر طريق والأخرى المتطفلة من آخر متطفل، أخطائي المشروعة المقدّسة التي قمت بارتكابها، علاقاتي العاطفيّة الناجحة والأخرى الفاشلة، صداقاتي المؤقتة وتلك الجميلة الدائمة، مشاريعي الكاملة التي قمت بتحقيقها، وتلك التي صرفت النظر عنها لسبب أو لآخر، والأخرى المؤجلة التي ما زلت أحمل خوفا من عدم تحقيقها، الأسئلة التي واجهتني وتلك التي أواجهها، الإجابات السهلة والتي تزداد صعوبة وجمالاً، مراحل تطوّر تعريفي للإيمان. 

                  

كل شيء يعمل في خلفية الصورة الواضحة جداً بالنسبة لي وللآخرين من حولي على صنعي، وعلى صنعهم، على تكوين الأنا، هذا المزيج المشروع من الجمال والبشاعة، من الكمال في النقص، من التناقض المبرّر، من الخوف والحلم والألم والأمل، من العتمة والنّور في كيان واحد
كل شيء يعمل في خلفية الصورة الواضحة جداً بالنسبة لي وللآخرين من حولي على صنعي، وعلى صنعهم، على تكوين الأنا، هذا المزيج المشروع من الجمال والبشاعة، من الكمال في النقص، من التناقض المبرّر، من الخوف والحلم والألم والأمل، من العتمة والنّور في كيان واحد
         

يُقال أن أقصر مسافة بين أي رجلين هي قصة، ولأنني شخص يتعامل مع قصص الأشخاص أكثر من الأشخاص أنفسهم، بمعنى أني أنظر إلى الآخرين ك"مجموعة قصص" أكثر من "مجموعة أشخاص"، جعل هذا الأمر خلق الأعذار للآخرين سهلاً، هذا لا يعني أني أستطيع تقبل الجميع دون استثناء، فأنا بحاجة لانتقاء البعض دون الآخر بما يخدم فكري وسعادتي وحياتي الخاصة، ولكن أستطيع خلق أعذار للآخرين، تقبل اختلافهم، تقبل تطورهم الفكريّ البطيء أو السريع بيني وبين نفسي، وأعتقد أن هذا كله ساهم بشكل مباشر في نضجي الخاص، حين ننظر إلى الآخر كنتيجة لمحيطه والأمور التي مرّ بها عن قصد أو غير قصد، حين ننظر إلى الآخر كنتيجة أكثر من كونه سبباً، هذا يزيد مقدرتنا على استيعاب الأمور والأشخاص. 

           

كل شيء يعمل في خلفية الصورة الواضحة جداً بالنسبة لي وللآخرين من حولي على صنعي، وعلى صنعهم، على تكوين الأنا، هذا المزيج المشروع من الجمال والبشاعة، من الكمال في النقص، من التناقض المبرّر، من الخوف والحلم والألم والأمل، من العتمة والنّور في كيان واحد. ولكن السؤال الذي يحمّلني دائماً مسؤولية الشخص الذي أكونه الآن أو الذي سأكونه غداً هو: ماهي القصة التي "أريد" كتابتها، أو التي "عليّ" كتابتها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.