شعار قسم مدونات

من يصنع الهوية؟

Blogs-mask

ما هي الهوية، ومن يحددها؟ ومن يصفنا بها، وهل يمكننا أن نختارها؟ أم هي القدر الذي لا مفرّ منه؟ لما هي موجودة، ومن الذي أوجدها؟ وبما أنّنا من صلبٍ واحد، لما تختلف هوياتنا؟ مختلفون في هوياتنا، فالبيض بيض، والسود سود، والسمر سمر، والعرب عرب، والعجم عجم، والأسياد أسياد، والعبيد عبيد. على الرغم من كوننا بشراً، لنا الأصل ذاته، والجسد ذاته، إلا أنّهم فرّقونا، بهوياتهم.

       

الهوية، تلك التهمة التي ألصقوها بك، تلك التي لا ذنب لك بها، ولدتَ تحملها، بل حملتها قبل أن تولد. طبعوها على جبينك دون الرجوع إلى رأيك، ماذا تريد؟ ومن أنت؟ هم قرروا سلفاً من أنت، وما تكون، وما ستكون. وقبل أن تُبصر النور اختلفوا على اسمك، ولونك، أتحمل اسم والدك؟ أم جدك؟ أم الاسم المفضل لدى والديك، ولم يسألونك عن اسمك. ليس لرأيك أيّ أهميّة. وعندما ولدتَ، البسوك ديناً، قالوا عنك مسلم، وأدخلوك مذهباً، قالوا عنك سنّياً. ولدتَ، البسوك المسيحيّة ديناً، والكاثوليكيّة مذهباً. ولدت، فاليهوديّة دينك، الأرثوذكسيّة مذهبك. وعلى الرغم من أنّهم يعبدون ذات الإله، فقد اختلفوا في طريقة عبادته، وبذلك دخلت أنت صرعاتهم وحروبهم، للدفاع عن الهوية، تلك التي ألبسوك إيّاها. أنجبوك في دولة، قالوا عنك سوريّاً، لبنانياً فلسطينياً، أردنياً، خليجياً. قرروا لك مستقبلاً، فقالوا ستصبح طبيباً، مهندساً، معلّماً. وستبقى تكافح لأجل أحلامهم، متناسياً بذلك أحلامك.

       

أنت مثلهم، ولا شيء أقل منهم ولا حتّى أفضل منهم. لستَ لاجئاً ولا سارقاً ولا لست ذليلاً. اصنع مستقبلك بنفسك، وامحو تاريخهم، فلست جزءاً منه. اصرخ بأعلى صوتك، أيّها المارون بين الكلمات العابرة، خذوا هوياتكم عنّا، وانصرفوا

أكثريّة، أقليّة، هي أيضاً هويات، اخترعوها لك كي لا تشعر أنّك في بلدك، كي تشعر أنّك دوماً في خطر، كي تخاف شقيقك، الذي ليس من دينك، مذهبك، عقيدتك. زيادة انقسام بينك وبين أصدقائك. ولكي يستعملوك كورقة، ورقة رابحة لهم، وخاسرة لك أنت. مؤيدٍ الذلّ، الهوية التي تحلم الحكومة أن تُلبسنا إياها. لن تخرج عن القطيع، لن تفتح فمك الا لتمجيدنا، لن تصرخ من الجوع، ولن تنوح من الألم. نحن الذين نختار لك الهوية، والمواقف والمستقبل والرؤى. وأنت، ما عليك إلا الانصياع والطاعة.

       

وعندما قررت التمرد، وصُنع هوية الثائر التي تحلم بها، هجّروك، وألبسوك هويةً جديدة، وقالوا عنّك لاجئ، ذلّوك ما استطاعوا، وشتموك بهويتك الجديدة، يا لاجئ. حرموك من حقوقك، واتهموك بسرقة حقوق غيرك، وعاودوا إذلالك وتحقيرك. تصدّقوا عليك، وتباكوا حولك، ثمّ عاودوا إذلاك وتحقيرك. من أنت لتتمرد؟ من أنت لتثور؟ يا لاجئ! ألم يقلها لك أحدٌ في دول الجوار الشقيق؟ يا لاجئ، هويتك السوداء الجديدة. يا لاجئ ارحل، اخرج من بلدي. تلك الهوية التي صنعوها لك كي تظلّ أدنى منهم، كي تشعر أنّك في بلادهم، في حدود بلادهم، تلك الحدود التي اخترعوها لك، كي يلبسوك هوية.

        

استمر على نهجك، نهجك الذي اخترته أنت لا غيرك. استمر بصناعة الثائر، الثائر على هوياتهم، الثائر لأجل هويتك. مهما حقّروك وأذلّوك وضربوك وقتلوك، استمر كي يعترفوا بهويتك الجديدة. استمرّ كي يعترفوا بأنّك إنسان، بلا هوياتهم، فقط إنسان. لا تنصاع لما أرادوه لك أن تكون. فأنت مثلهم، ولا شيء أقل منهم ولا حتّى أفضل منهم. لست لاجئاً ولا سارقاً ولا لست ذليلاً. اصنع مستقبلك بنفسك، وامحو تاريخهم، فلست جزءاً منه. اصرخ بأعلى صوتك، أيّها المارون بين الكلمات العابرة، خذوا هوياتهم عنّا، وانصرفوا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.