شعار قسم مدونات

في المسألة الكردية.. يعيش سايكس بيكو!

blogs الأكراد

في مئويتهما المشؤومة، لينام الوزيرين البريطاني والفرنسي سايكس وبيكو قريري العين، فالشعوب التي حسبوا لها ألف حساب خشية هدم "مؤامرتهم" في تقسيم الشرق العربي، ها هي اليوم تهتف لهما وبحياتهما. قد يكون العنوان وما تلاه من مقدمة مستفزا للبعض، لكن سلوك الكثيرين يهتف في عقلهم الباطن "يعيش.. يعيش.. يعيش"، فالكثيرون يضعون (لكن) في ثنايا حديثهم عن حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة.

 

واحدة من تناقضات زماننا العربي أن الأكراد وحدوا تجار الممانعة والمقاومة المسبحين بحمد إيران ونظام الأسد، وحليفتهما حكومة الحشد الشعبي في بغداد، مع الإسلاميين الغارقين في هوى أردوغان وتركيا الناجحة، فباتوا جميعا في خندق واحد ضد "المشروع الصهيوني الجديد في كردستان"، تماما كما قال يصفه صديق "ليبرالي"!

 

مائة عام من الخيبات عاشها العرب والمسلمون في منطقة مزقها الاحتلال والاستعمار، ثم وأدت أحلام شعوبها أنظمة تاجرت في آمالهم وهي تقتلهم وتنهبهم وتعيدهم للوراء مسافة قرون.

 

ما بين تعبيرات
ما بين تعبيرات "المؤامرة"، واتهامات العمالة، يقف العرب اليوم شعوبا وأنظمة ضد الشعب الكردي الذي يسعى كأي شعب طبيعي لتقرير مصيره
 

ستة أعوام خلت استبشرنا في مطلعها أنها الفجر القادم، لتتعمد بالدم والقتل وتهجير الملايين، وورثنا بعدها ثلاثة حروب في سوريا وليبيا واليمن، وانقلابا كان بمثابة الزلزال في مصر، وربيعا لم يكتمل في تونس، وأخرها وأخطرها أزمة في الخليج العربي الذي بالغ بالهدوء لعقود خلت.

 

ما بين تعبيرات "المؤامرة"، واتهامات العمالة، يقف العرب اليوم شعوبا وأنظمة ضد الشعب الكردي الذي يسعى كأي شعب طبيعي لتقرير مصيره بعد أن نسيه سايكس وبيكو من حفلة التقسيم التي عقدت قبل قرن من الزمان.

 

ذنب الأكراد الوحيد أنهم موزعون على دول متناقضة في الأيدلوجيا والتوجهات والواقع السياسي، في تركيا وسوريا وإيران والعراق، وأزمتهم الكبرى أن طموحاتهم يقودها سياسيون لا يقلوا سوءا عن أنظمة العرب، ومعظم أحزابهم الثائرة في تركيا وسوريا وإيران عميلة لأنظمة تبدأ من الاستبداد العربي، وتمر بواشنطن وموسكو، وتستقر في أسوأ احتلال عرفه التاريخ، الكيان الصهيوني.

 

ينسى الكثيرون في موقفه من الحلم الكردي بعدين هامين، الأول: أن ما ندافع عنه من حدود باعتبارها للدول الوطنية، ليست سوى "مؤامرة" في أدبيات القوميين واليساريين والإسلاميين والوسطيين.

 

والثاني: أننا نضع طموح الشعب الكردي باعتباره مؤامرة لتقسيم العراق وتركيا وسوريا وإيران، وعلى تفاوت بين هذه الدول، أليس العراق مقسما، والأكراد في سوريا عاشوا ظلم الغاء الهوية لعقود من نظام لم يعدل سوى بتوزيع القتل على كل الهويات، وصولا لإيران التي سحقت كل القوميات تحت عمامة الولي الفقيه.

 

إن الأكراد هم الخاسر الأكبر تاريخيا، بسبب رهانات سياسييهم وتبعيتهم للشرق والغرب، وتحولهم لبندقية للإيجار من أنظمة تاجرت ولا تزال بهم وبقضيتهم
إن الأكراد هم الخاسر الأكبر تاريخيا، بسبب رهانات سياسييهم وتبعيتهم للشرق والغرب، وتحولهم لبندقية للإيجار من أنظمة تاجرت ولا تزال بهم وبقضيتهم
 

وإن كان البعض يحاجج بأن الوضع في تركيا مختلف، فهذا في مقاييس الجالسين في مقاهي التحليل السياسي، لكن الطموح بالعيش في وطن مستقل، حتى وإن تخلى عنه البعض أو لم تسمح الظروف بقيامه لعقود أو حتى قرون، يبقى حقا مشروعا.

 

لا يتناقل العرب على منصات التواصل إلى صورة شبان أكراد رفعوا علم إسرائيل في مدنهم، لأن دولة الاحتلال هي الوحيدة التي أيدت استقلالهم، لا لعيون الأكراد، وإنما استفادة مراعاة لمصالحها التي تعلنها ولا تخفيها.

 

نغفل جميعا أن ذلك الشاب هو ضحية نظامه الذي وضعه في مواجهة مع محيطه العربي المسلم الطبيعي، وضحية الدعاية الصهيونية التي استقبلته بالأحضان حينما لفظه العرب، بل إن بعض العرب يتغنى اليوم بحملة الأنفال التي قتلت من شعبه الالاف بالسلاح الكيماوي، بينما صدى صراخنا لا يزال يتردد على قتل نظام الأسد شعبه.

 

أنا أؤمن بحقيقة أن الأكراد هم بمثابة الخاسر الأكبر تاريخيا، بسبب رهانات سياسييهم وتبعيتهم للشرق والغرب، وتحولهم لبندقية للإيجار من أنظمة تاجرت ولا تزال بهم وبقضيتهم. لكنني آسف على حقيقة تظهر مع كل منعطف، أكتشف فيها كم في العرب من شيفونيين ونازيين، أو على الأقل كاذبين، يطالبون بالحرية، والاستقلال، وتقرير المصير، ويبكون على كل ما حل بشعوب كثيرة من ويلات ومآسي، لكنهم يغضبون إذا ما ذكرت أمامهم مآسي وطموحات غيرهم. فنحن الجنود، والأبطال، والشهداء، ولنا الجنة، وغيرنا هم الأعداء والخون، ولهم العار في الدنيا.. وفي الآخرة النار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.