شعار قسم مدونات

استنساخ التخلف بمصر.. ليس تعليما وليست جامعة

blogs طالب

في أولى أيامه الجامعية يرتدي ملابسه الجديدة متفتحا طامحا يرغب في أن يبني مستقبل مشرق، على عاتقيه حلم أبويه كله عزيمة أن ينهل من كتب العلوم وينكب بقلبه وعقله على المعارف يخالط خياله صورة الدكتور مصطفى مشرفة وطموح زويل ومثابرة سميرة موسى وفي عروقه يسري شعورا بالعزة من مجد أجداده كمستشفيات الرازي وبصريات ابن الهيثم، وهذا الذي قرر أن يسلك مسلك الأدب ظن أنه سيكون العقاد أو الرافعي أو الأستاذ محمود شاكر، وعلى أبواب الجامعة ارتطم الفتى بأول محطات خيبات الأمل.

 

يمكث الطالب الطموح ساعات يواجه تعجيز الطلاب أو ما تسمى شئون الطلاب تقابله تلك الموظفة وهي تمسك بكأس من الشاي وبكل برود تخاطبه بأنه بحاجة لختم من هناك وتوقيع من هنا (لا بأس غدا سأصبح زويل وتلك إجراءات أول يوم لا بأس لابد أن تنتهي) يهون على نفسه بتلك الكلمات ثم يمضي لحضور أولى المحاضرات وحينما يقترب رويدا من الباب يسمع صوتا يضج بالصخب وعلى المسرح الكبير يجلس أستاذا جامعيا يقرأ وكأنه يردد حاشية من الحواشي أو متن من المتون ويعطي الطلاب أطلال مناهج وأوراق كأعجاز نخل خاوية، الأمل في مكتبات الجامعة يقولها وفي ذهنه مكتبه بغداد -لا تتعجل يا صديقي المكتبات تعاني فقرا مزريا في المعارف شأنها شأن كثيرا من أساتذة جامعاتها – وآآه على دولة كانت فيما مضى منارة للعلوم والقيم الإنسانية أين التعليم؟ أين الجامعة؟ أين أنا؟ كانت هذه آخر كلماته بعد أن رمى حلمه وقرر أن يمضي كباقي القطيع؟

إن الإهمال في تجهيز المعامل وشرح الدروس التي مفترض أن تكون عملية بشكل نظري بذريعة ضعف الإمكانيات يجعلنا نفكر أين تذهب موارد الجامعات؟ أين تذهب موارد مصر؟

إن الجامعات في مصر تعاني شأنها شأن أغلب الجامعات العربية لكن المثير أن قياداتها لا تدرك حجم المشكلة أو أنها تدركها جيدا وتعمل على إثارتها باستمرار، ولذلك يجب على الطلاب إدراك تلك المهزلة للتعامل معها بالتفكير في بديل آخر في حدود المتاح.

طبقا لمؤشر (ويبومتريكس) المتخصص في ترتيب الجامعات لعام 2017 احتلت جامعة القاهرة المركز ال 742 عالميا والمركز ال 17 عربيا بينما تواجدت 5 جامعات من الكيان الصهيوني بين قائمة أعلى 10 جامعات في الشرق الأوسط بينما لم يظهر سوى جامعة الملك سعود في الترتيب الخامس على مستوى الشرق الأوسط وعن تواجد باقي الجامعات المصرية في المنطقة كانت النتيجة صفرا الأمر مخزي ومهين والسؤال لماذا لا يتملك الساسة شعور الغيرة من هذا الوضع أم أنه يروق لهم؟ 

ولعل ما جعل الحال في الجامعات المصرية بهذا السوء ليس نقص الموارد بل إدارتها فحينما نرى أن الإنفاق الحكومي على البحث العلمي لا يتجاوز الواحد في المائة لابد أن ندرك جيدا أن تجهيل الطلاب والباحثين بتلك الطريقة يبدو وكأنه أمر متعمد فالكليات العملية في مصر أصبحت تشبه مصانع الآلات كلاهما ينتجان ماكينات مبرمجة لا تفهم ولا تعقل بل تردد تلك الأوامر التي برمجها الصانع عليها كما أن الإهمال في تجهيز المعامل وشرح الدروس التي يفترض أن تكون عملية بشكل نظري بذريعة ضعف الإمكانيات يجعلنا نفكر أين تذهب موارد الجامعات؟ أين تذهب موارد مصر؟

 

الأمر لم ينته لضعف الإمكانيات بل تحول من بعض أساتذة الجامعات بتعامل مع الطلاب من منطلق التحكم والاستفزاز والتكبر، أما عن الأساتذة أصحاب العلوم والإخلاص تم استبعادهم من شتى مراكز اتخاذ القرار في الجامعات وظهر ذلك جليا مع إلغاء انتخابات عمادة الكليات وجعلها بالتعيين فأصبح فضل الحكومات على رؤساء الجامعات يلزمهم بالولاء والطاعة على حساب طلاب الجامعة كما أن الجامعات لا تملك استراتيجيات واضحة لمواكبة العصر والتقدم التكنولوجي المذهل ولعلنا نرى التجربة اليابانية والماليزية والتركية والبرازيلية في تطوير التعليم لكننا أمة لا تقرأ وتستند على حائط هش يدعي الفخر بالماضي دون النظر لواقع مرير ومستقبل يطويه الغمام.

 

إن المشكلة تكمن في عدم الإحساس بالمسئولية الأخلاقية سواء من المدرس أو الطلاب فيعتقد المدرس أن وظيفته مثل باقي الوظائف يكتسب منها معيشته فيتحول الشرح لروتين عقيم لا يقيم فكرا ولا يحصل منه طالب علم علما ويظن نوع من الطلاب أنه في الجامعة من أجل اللهو والانصراف إلى ما لا طائل يرجي منه ولا فائدة.

إن أهم أسباب ضعف الكوادر في هيئات التدريس والتحصيل لدى الطلاب هو جعل مقياس تعيين الاساتذة مبنيا على درجاتهم الدراسية وهذا خطأ فادح فكيف يتم إعطاء مسئولية تعليم الطلاب لشخص بسبب تفوقه في نظام يعتمد على الحفظ
إن أهم أسباب ضعف الكوادر في هيئات التدريس والتحصيل لدى الطلاب هو جعل مقياس تعيين الاساتذة مبنيا على درجاتهم الدراسية وهذا خطأ فادح فكيف يتم إعطاء مسئولية تعليم الطلاب لشخص بسبب تفوقه في نظام يعتمد على الحفظ
 

يقول المفكر مالك بن نبي في كتابة شروط النهضة: "ولسوف تخيب آمالنا التي عقدناها إذا ما عولنا في قضيتنا على العلم الذي نتعلمه في المدراس الرسمية أو غير الرسمية" ثم يتابع "ولقد نعلم أن الحل الوحيد منوط بتكوين الفرد الحامل لرسالته في التاريخ فقد صار مؤكداً أن الغلطة الكبرى التي ورثنا عنها جيلاً من المتعالمين ورثنا عنها التنافس على المقاعد الأولى". ويقول الرئيس علي عزت بيجوفيتش "يمكن أن يكون التعليم لا إنسانيا إذا كان عملية من جانب واحد، موجها وقائما على تلقين تعاليم حزبية، إذا لم يكن يعلّم الفرد كيف يفكر بطريقة استقلالية، إذا كان يقدم إجابات جاهزة، إذا كان يُعدّ الناس للوظائف المختلفة بدلا من توسيع أفقهم، وبالتالي حريتهم".

ولعل من أهم أسباب ضعف الكوادر في هيئات التدريس والتحصيل لدى الطلاب هو جعل مقياس تعيين الاساتذة مبنيا على درجاتهم الدراسية وهذا من وجهة نظري خطأ فادح فكيف يتم إعطاء مسئولية تعليم الطلاب لشخص بسبب تفوقه في نظام يعتمد على الحفظ ولا يتم تقييم الأستاذ على أساس توصيله للمعلومات ووصوله لعقول الطلاب فيبسط ما يحتاج لتبسيط ويعطي تطبيقات معاصرة لتلك النظريات التي طواها الزمان وطغت عليها النظريات الحديثة بأفكار ورؤى مختلفة، المضحك المبكي أننا الأمة الوحيدة التي لو اتخذت من نظام التعليم التي كانت تستخدمه في الماضي منهجا في الحاضر لتقدمت أو ربما نحتاج لعودة نظام الأعمدة في الأزهر حتى يتسنى اختيار كل طالب لأستاذة فلا يستبد أستاذ ولا يُظلم طالب.

لكن انتبه لا تجعل هذا الواقع يجعلك يائسا بائسا تمشي في الطرقات تهذي، تصبر واجعل مرادك للمعرفة حلم وسفر طويل تحصل فيه من شتى العلوم والمعارف وصب تركيزك على أن تجعل لنفسك موقعا ولا تكن كالذين بعدت عليهم الشقة ولعل هذا المقال يتبعه مقالات في كيفية تعويض نقص التعليم في الجامعات بالتعليم المنفرد بعيدا عن نظم التعليم تلك، والتقدم العالمي في وسائل التواصل أتاح فرصا جديدة لم تكن متاحة فيما مضى وكن على يقين أنك إن طلبت العلم بنية صادقة حتما ستصل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.