شعار قسم مدونات

علماني "مشفش حاجة"

blogs - ناس في الشارع
تنتشرُ كثيرًا في الآونة الأخيرة أفكار لأشخاص هم نتاج انبهار غربي، يتوزعون في شكل مُحاولات نكرانٍ وتشكيكٍ يَمس كل ما يمت للهوية بصلة (اللّغة، الدين، الوطن) محاولين بذلك إماهة كل القواعد الصلبة لدى الفَرد بداية بالعادات والتقاليد وانتهاءً بفكرة الإيمان والدين، وما هؤلاء إلا نتيجة لأنظمة فاسدة عززت من كره شَعبها لها ولكل الشّعارات المرفوعة لبقائها (الدين، الوطنية، المشترك اللغوي) وانتهاجها سياسات التجويع والاستغلال والقمع في الرأي ورداءة نمط المعيشة، فَها هو رجل الدين يقف كتفًا لكتف مع السياسي لترسيخ الفَساد والظّلم والجور فتجده يُحرم الثّورة حينًا ويمجد للانقلاب حينًا آخر، يُحرم الولاية للكفار حينًا ويصفهُم برواد السّلام حينًا آخر.

في المُقابل نجد الصّورة الإعلامية المزهرة التي تصلنا عن كل ما هو غربي علماني ملحد من تطور

وإنسانية وسلم، ونجد حتى أولئك المُغتربين ممن نقلوا لنا الصورة المادية الباذخة من هناك، مخدوعين بالصورة الآمنة وما يتوزع من تنوع ثقافي ورحابة صدر تنغصها بعضٌ من المواقف العنصرية المهضومة والمغفورة لهم في عين المنبهرين إذ ما قورنت بالفضل في الإقامة والمَأكل والمشرب، فنقلوا لنا مشهدا سطحيا ناقصا، فما يراه المسلم المحروم ضربًا من الحُلم يجده هناك مكدسًا بأثمان بخسة وبأجر عامل بسيط، بشكل أعماه عن نَقل الجَانب الأعمق من الصّورة ألا وهو الجانب الإنساني والرّوحي والأخلاقي المندثر بين طيات اللامعنى واللاجدوى والحرية اللامحدودة حتى وإن كانت مسخًا للفطرة والإنسانية، فخَلص البعض ممن بارك أفهامهم الإعلام الغربي الذي يسمخ كل ما هو إسلامي إضافة للفساد المتجذر في الأنظمة العربية لأن السبب الأكبر فيما تعانيه بلاده هو الإسلام!

وإنه لمن العجيب أن يعتقد البعض أن كل هاته الحرب الإعلامية والعسكرية على الإسلام هي بسبب شرذمة تأخذ في كل مرة مسمى يختزل في الإرهاب؛ هذا إن سلمنا بأن كل من أطلق عليهم هذا المسمى ينطبق عليهم حقا (العراق، وحماس أنموذجا)، أو بسبب بعض أحكامه الشرعية في (الحجاب، التعدد، الجهاد، الميراث)، والتّي هي في الأصل تَدخُل في فلسفة اجتماعية عميقة يرى الإسلام أنّها ضرورة للحفاظ على توازن المُجتمع.

العلمانية الغربية لم ولن تنزل من السّماء حلولا عميقة وجذرية للأزمة العربية، بل ستترك الفرد العربي تائها يصارع ظله ويشكِك في معتقده وتبعده ما استطاعت عن دائرة التنمية والتطوير الحقيقية

أما فكرة الجهاد (الإرهاب) التي أخذت حجة لمباركة الأمم المُتحدة التدخلات الأمريكو-أوروبية في الدول الإسلامية والتّي تعرت عن مقاصدها الإصلاحية لمطامعها ومطامحها الاقتصادية والدينية لما شهدته العراق وأفغانستان من تدخلات واضحة بين المسلمين وعقيدتهم هناك.

مشكلة الغرب مع الإسلام مشكلة أصولية عميقة متجذرة، كونه وكما ذكر المفكر الإسلامي أحمد عمارة في كتابه "علمانية المدفع والإنجيل" عصي على كل الأفكار الحداثية الاستهلاكية التي تغول المادة وتلغي الإنسان، بالإضافة إلى كونه منظومة قوية قادرة على اجتياح الغرب الأوروبي بعد أن قتلت العلمانية سبيل اللاهوت الأكبر هناك (المسيحية) ونكلت بقدسته، مما خلق فراغا أخلاقيًا وروحيًا كبيرا كان الإسلام له النصيب الأوفر في ملئه.

الإسلام هو الدين الأمثل لخلق حضارة متكاملة بكلّ من الشق الأخلاقي والمادي ومنه منظومة إنسانية مُتكاملة دون إحداث أي تضارب بين العلم واللاهوت بين التنمية والعبادة، في ثنائية أسهب المفكر علي عزت بيخوفيتش في كتابه "الإسلام بين الشرق والغرب" في شرح إمكاناتها، وهذا يعد من الأسباب العميقة في الحرب على الإسلام.

إنّ أبسط نظرة لعلمانيي العرب ممن هم أذيال الغرب وذويهم سيجد أنّهم عاجزين عن إيراد أبسط رؤية واقعية إصلاحية، وسيجد أنّ كافة دراساتهم وجهودهم تختزل في محاربة الإسلام كقيمة سياسية ومجتمعية، فتجد في تونس مثلا من يرون في تحقيق مساواة الميراث وزواج المرأة من غير مسلم إنجازا وصورة تقدمية ناضجة تحتسب كخطوة في مسارهم التطوري، في حين أن تونس أمسّ ما تكون بحاجة لدراسات جادة تخرجها من مآزقها الاقتصادية الكَثيرة، ونجد في مصر وفي الوقت الذي يغتصب العكسر الشّرعية الديمقراطية على أرضها، أنّ أول من صفق لها ومسح البلاط لهم ورقصوا على أنغام "تسلم الأيادي" هم أنفسهم العلمانيون من يهللون بفكرة الدّيمقراطية والعدالة الاجتماعية، وهذا التناقض العجيب والصورة البائسة التي كان مخبوءا تحتها حقد دفين لكل ما هو إسلامي حتى وإنْ أصاب الأحقية بالصندوق، فخلقوا بذلك صراعًا داخليًا وضغينة تباع في سبيلها الذمم والمبادئ في عوض أن يكونوا حلا لأزمات العالم  الثالث بزعمهم.

إنّ العلمانية الغربية لم ولن تنزل من السّماء حلولا عميقة وجذرية للأزمة العربية، بل ستترك الفرد العربي تائها يصارع ظله ويشكِك في معتقده وتبعده ما استطاعت عن دائرة التنمية والتطوير الحقيقية، ليبقى بذلك الدين هو المُذنب الوحيد وتستمر لعبتهم القذرة في الاستنزاف والاستغلال عبر التلاعب بالعقول وزرع الأوهام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.